20 غشت بكلميمة مصاب بفيروس العطالة

70 في المائة من مرافقه مغلقة ومعدات تتعرض للتلاشي منها "مامومغرافي" هبة ملكية واحدة من أغرب العجائب في تسيير وتدبير شؤون الصحة في البلاد، هي تك التي تطرحها وضعية مستشفى 20غشت بكلميمة التي تبعد عن الرشيدية ب61 كيلومترا، ليس لأنه يغرق كعشرات المستشفيات في الأزبال وانتشار القطط والروائح الكريهة، بل لأنه عكس ذلك تماما، فشساعته تغني سكان المدينة الصغيرة عن أداء 20 درهما ذهابا ومثلها إيابا لسائقي الطاكسيات من أجل الاستشفاء في الرشيدية، وتجهيزاته تعفي الجمعيات الحقوقية من رفع شعار "سامح لينا يا المريض الحكومة هكذا تريد"، كما يحدث في مدن أخرى منها التي تفخر بوجود مركز استشفائي جامعي فيها، إلا أن كل ذلك معرض للإتلاف مادامت الوزارة لا تفكر جديا في رفع لعنة الخصاص الخطير في هذا المرفق. "70 في المائة من المستشفى غير مشغل، والآليات تتعرض للإتلاف، لأنه لا وجود لأطباء وممرضين" يسجل مدير المستشفى بالنيابة الدكتور توفيق تبري، قبل أن يضيف المسؤول في جواب عن سؤال دوافع تقديمه الاستقالة، "كان ذلك منذ فترة، أما السبب فهو يتعلق بعدم قدرتي على حل مشكل الخصاص، ولم أتمكن من تحمل رؤية تجهيزات تتعرض للإتلاف، وتراكم المشاكل دون أن تكون بين يدي حلول لها، لذلك قدمت استقالتي، ولم تقبلها الوزارة الوصية". "ماموغرافي" عرضة للتلاشيكل النساء اللواتي احتفلن منذ سنوات بهبة ملكية إلى المسشتفى وهي عبارة عن جهاز "ماموغرافي" لكشف سرطان الثدي، أصبن بخيبة أمل، لأن الجهاز وضع بعناية في أحد الأجنحة الشاسعة للمرفق، ولم يكتب له يوما الاشتغال، "هذه فضيحة، لأن الوزارة عجزت عن ضمان متخصص في هذا المجال، وانتظرنا سنوات وسنوات، دون جدوى" يقول لحسن بوعرفة، رئيس جمعية ترماس للتنمية والرعاية الصحية، مضيفا أن سحابة العطالة لا تتكثف عند هذا الجناح فحسب، بل إن قاعتين كبيرتين للعمليات الجراحية مغلقتان منذ سنوات، للسبب ذاته، "غياب أطر طبية"."يجري فيه الخيل" تنطبق هذه المقولة على شساعة المستشفى، إلا أن أطفال زوار مريضين اثنين فقط من كان يركض بمرح بممرات هذا المرفق طيلة أيام، "الناس يعلمون بمشكلة عدم وجود أطباء، لذلك يلجؤون إلى الرشيدية"، يقول مدير المسشتفى، قبل أن يستدرك "يفد علينا حوالي 12 ألف مريض سنويا، منهم 800 حامل، لكنهم يستفيدون من خدمات قلة قليلة من الأطر الطبية". حتى هذه القلة لا ترضى بملامح الحياة البسيطة في كلميمة، لذلك يلجآ أغلبهم إلى تقديم شهادات طبية تثبت عجزهم عن العمل ليلتحقوا بضجيج المدن الكبرى بحثا عن الرفاهية، "شخصيا لا أفهم هؤلاء، بماذا تتميز المدن الأخرى عن مدينتنا، فرغم بساطتها، أهلها طيبون جدا، وهي المدينة التي تنجب نجباء الرياضيات والفيزياء" يقول بوعرفة بما يشبه الفخر، مستنكرا ترفع بعض الأطر الطبية عن العمل في مدينته الصغيرة، وتحججهم ببعدها عن المدن الكبرى. "أعرف طبيبا يشتغل في تمارة، قال لي إنه يعمل ليوما واحدا بسبب كثرة الأطباء ولأنهم لا يجدون مكاتب كافية، فإنهم يقسمون أيام الأسبوع بينهم، فيما لا نجد هنا طبيبا واحدا مختصا في الجراحة، ولا طبيب توليد". يقول مصدر حقوقي آخر. أقسـام مغـلقـة... وحدها "دورا" تجري بابتسامتها اللطيفة مرفوقة ب"موزو"على جدارات قسم الأطفال، وتزينها بثيابها الوردية، والبنفسجية، إلا أن غياب الأطفال عن هذا القسم يخرس حكاياتها الجميلة، ويجمد خيالها الواسع، "طلينا القسم بألوان مرحة من أجل الأطفال وها هي الأسرة متوفرة بعدد كاف، لكني أصدرت قرارا بإغلاق القسم، لأننا لا نتوفرعلى ممرض يمكنه رعاية الأطفال المستفيدين من الاستشفاء. لن أستطيع تحمل مسؤولية إهمال طفل في القسم، ما الجدوى من وضعه هنا دون تقديم خدمات صحية تناسب صحته الضعيفة؟ وما لم يتم تعيين ممرضين جدد لن نتمكن من إعادة الحياة إلى القسم"، يقول الدكتور توفيق التبري. يختار الفاعل الحقوقي بوعرفة قصة امرأة من سكان المغارات بأسول، التي كانت تابعة ترابيا إلى الرشيدية قبل التقسيم الجديد، “بلغنا أن وضعيتها صعبة، فأسرعنا بتوفير سيارة إسعاف، قطعنا 70 كيلومترا في طريق غير معبدة ومشينا 15 كيلومترا أخرى داخل الغابة، قبل أن نصل إلى المريضة، حملناها وسرنا المسافة نفسها داخل الغابة، قبل أن نصل إلى حيث تركنا سيارة الإسعاف التي انطلقت في الطريق غير المعبدة، وما أن وصلنا ووضعناها على سرير في قسم المستعجلات حتى أسلمت الروح". وتلك قصة تعيشها نساء أخريات في مناطق تمحراش وبقصوريحيى وعثمان ومكامان وإيت كطو وإغرغر وحرص وإزرارن، وكلها قصور يعيش فيها آلاف المواطنين بدون طبيب، ويتحملون تكاليف الطرق ليصلوا إلى مستشفيات رحبة، لكنها تخلو من الأطر الطبية. تلمحه مرة يقوم بعمل سريع في الإدارة، ثم يتنقل بخفة إلى قسم المستعجلات ليضخ الأوكسيجين في رئتي مريضة جديدة، ثم يهرع إلى حيث يرقد مريضان آخران، ويتفحص قسم تصفية الكلي، هذا حال ممرض واحد يقوم بعدة مهام، في الوقت الذي غاب فيه آخرون عن العمل بذريعة المرض، وزادوا مأساة المؤسسة التي تتخبط في مستنقع الخصاص، أزمة. والحال نفسه بالنسبة إلى طبيب المستعجلات الذي يجد نفسه مضطرا إلى العمل في أربعة أقسام أخرى لضمان سيرها، حتي ولو لم يكن عاديا. ولا يسلم مدير المؤسسة من تعدد المهام، بل يشتغل هو الآخر في المستعجلات وفي قسم تصفية الكلي، قبل أن يعود إلى مكتبه، حيث تنتظره المهام الإدارية ومكالمات رؤسائه المباشرين. إذا استمر الوضع على ما هو عليه في كلميمة، فإن مؤسستها الاستشفائية ستغلق أقسامها تباعا، ليجد سكان المنطقة الذين مارسوا ضغوطات سياسية كبيرة على المركز للحظوة بهذه البناية العملاقة، قبل أن يقعوا في فخ الوارد البشرية، أو العملة النادرة في وزارة الحسين الوردي. بوخلفي... شهيد الحوامل في وضعية صعبة حين لا يكون في بيته لتناول العشاء مع زوجته وأولاده الثلاثة، ولا يكون في مكتبه بمندوبية وزارة الصحة، ولا في المكتب الجهوي للمراكز الصحية، فإن محمد بوخلفي، مسؤول وزارة الصحة، الذي عثر عليه مشنوقا نهار الثلاثاء الماضي في بيته الوظيفي، حتما يركض في ممرات جناح الولادة بمستشفى مولاي علي الشريف، يطلب نقل الأسرة من هذا القسم إلى ذاك لإيجاد مكان لمطرودة جديدة من أحد مستشفيات الأقاليم المجاورة، والتي غالبا ما تصل إلى الرشيدية في حالة صحية مزرية، أو أنه يحصد الكيلومترات الستين الرابطة بين الرشيدية وكلميمة للوصول إلى مؤسستها الاستشفائية لحل مشكلة طارئة غالبا ما يتسبب فيها الخصاص المهول في الموارد البشرية، أو أنه يجري مكالمة بممرض في مركز صحي في مدشر ناء للاطلاع على أوضاعه. كانت هذه هي طريقة عيش فقيد الجرف، القرية التي تستعد لتنظيم مسيرة في الأيام القليلة المقبلة للمطالبة بفتح تحقيق في ظروف وفاة أحد أبنائها الأبرار، إذ منذ حوالي ثلاثة أشهر المدة التي شغل فيها الرجل مندوب وزارة الصحة بالنيابة، لم يذق طعم نوم أو عطلة بمعناهما الحقيقي، "كان زوجي ينصح المرضى بالنوم كفاية والارتياح، لم يكن يحظى إلا بساعات نوم قليلة، وذلك بسبب رنين الهاتف المتواصل. نهارا يرن هاتفه كل دقيقة، وليلا لا تمر ساعة أو ساعتان قبل أن يرن. ويوم الحادث، اتصلت به مولدة في الساعة الواحدة والنصف ليلا لتكيل له السب والشتم، وبعدها اتصل طبيب مختص في التوليد في الساعة الثالثة صباحا ليحتج هو الآخر، وكان قبلها متوترا بسبب تنصل نقابة من أحد التزاماتها وإقحامه في وضع مقلق"، تحكي رشيدة أرملة الفقيد، وهي عالقة بين قصة حادث الانتحار وشكوك حول تعرض زوجها لجريمة قتل "ما نتيقش...الطبيب ما يديرهاش...كيبغي ولادو بلا حدود...كيبغي الناس بزاف..."، تقول الأرملة، قبل أن تضيف، بغضب أرملة جريحة "كانوا يحاربونه، لأنه يحب عمله، ولأنه نزيه، ولم يرغبوا أبدا في أن يتولى هذا المنصب". الضمير الغائب يعود على نقابات معينة رفضت الأرملة ذكرها بالإسم وجمعيات وأطباء وممرضين ومولدات، "حين ستنصت الشرطة إلى المكالمات التي وردت عليه سيحددونهم بالإسم، أما أنا فلا أعرفهم، لأنه لا يخبرني بكل شيء، بل أسمعه وهو يتحدث معهم". إن كان البوخلفي نجح في تشكيل فريق عمل جيد وهو يتحمل مسؤولية طبيب رئيس لمكتب المراكز الصحية، فإنه عجز عن ذلك في مستشفى مولاي علي الشريف وفي مستشفى كلميمة، "سمعته مرارا يتوسل إلى الأطباء والمولدات من أجل العودة للعمل، كانوا يغادرون ويرفضون المداومة ليلا، وخلال أيام العطلة الأسبوعية وفي الأعياد، لم أسمع في حياتي مسؤولا يتوسل إلى ممرضة كما سمعت زوجي رحمه الله، وهو يخاطبها بعبارات توسل. وكان يتحدث عن عمل لوبيات أطباء يشتغلون في مصحات خاصة، ويتركون عملهم في المستشفى".إكراهات الموارد البشرية جعلت المسؤول يختار إنقاذ حياة نساء يواجهن موتا سريعا، فيما كانت مولدات يخترن إنقاذ أنفسهن وبيوتهن من موت بطيء، هذا في الوقت الذي يحاول الطرفان التواجه في متاهة تقودهما مباشرة إلى باب المناصب المالية المسدود. كما تضعهما أمام إشكالية البيضة والدجاجة، فالأطر الطبية تتمسك بحقها في الراحة، وعدم تحمل ضغط لا يتحمله زملاؤهم في مدن أخرى، والمسؤول لم يكن يحتمل أن يرى مريضة تعاني في غياب مساعدة طبيب أو ممرضة. "كان يقول لي دائما العمل عبادة، خاصة عندما نكون في عطلة"، تحكي الأرملة، "نسافر في العطلة إلى سلا لاستجمام، لكن منذ اللحظة الأولى لخروجنا من الرشيدية لا يتوقف زوجي رحمه الله عن التحدث هاتفيا، يجيب على كل المكالمات، بعضها من مواطنين يشتكون وضعا ما، وبعضها من أطباء ومن ممرضين ومن فعاليات المجتمع المدني ومن برلمانيين ومسؤولين في العمالة، باختصار كان ينتقل من هاتف إلى آخر، ولم نحظ معه بلحظة أو بحديث في موضوع واحــــــــد، إذ تقـــــــطع علينا مكــــالماته أي نقاش". المطالبة بفتح تحقيق قصة وفاة مسؤول وزارة الصحة منتحرا لم تقنع عائلته، لذلك أكدت أنها ستطالب بفتح تحقيق وبالاستماع إلى محتويات ذاكرة هواتفه، "كانت قدماه تلمسان الأرض"، تقول الأرملة، "لن أصدق أنه انتحر، هناك غموض، فقد خرج صباح الثلاثاء بشكل عاد، تناول فطوره معي بسرعة" تحكي الأرملة عن اللحظات الأخيرة التي رأت فيها زوجها حيا، "أخبرني أنه على موعد مع شقيقه، وأنه سيلتحق بالعمالة لحضور اجتماع ما، لكن بعد مغادرته بساعات اتصل بي شقيقه وأخبرني أنه تخلف عن موعدهما على غير عادته، وأنه لا يجيبه على الهاتف، لم أقلق حينها لأني اعتقدت أنه في العمالة، لكن رغم ذلك أجريت اتصالا فلم يجب، وانتظرت أن يتصل بي دون جدوى". بعد أن تعاظم قلق الزوجة، استقلت سيارة أجرة وقصدت مكتب عمله، "حين وصلت كانت حشود المواطنين مجتمعة أمام البيت الوظيفي الذي كنا نقطنه، لمحت ممرضين وأطباء وموظفين يبكون، وعناصر أمنية تحاول تفريق الجمع. فزعت لهول ما رأيت، وحين نزلت كانوا ينظرون إلي ويقول "نتاحر مسكين..انتاحر مسكين"، لكنني لم أصدق، ومنعت من الدخول، بل إن عنصرا قال لي بلهجة ساخطة "كنتي عارفاه غاينتحر وما خبرتيناش".وقالت الأرملة إنها لم تر الرسالة التي قيل إن الرجل أهدى حياته فيها إلى النساء الحوامل، "لم نرها، ولم يسألنا أحد، لكني أحتفظ بمذكرته، لأنه كان يعد تقريرا عن الوضع وعن الأسباب التي جعلته يرفض مرارا تحمل المسؤولية، وكان سيرفعها إلى الوزير، إلا أن الحاسوب أصيب بعطب نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، ولكننا مازلنا نحتفظ بالمسودة". الزموا الصمت، لأن عظمة "التضحية" لا تليق إلا بالمناضلين والزعماء النقابيين، أما الجالسون على كراسي المسؤولية، فلا تليق بهم إلا ثرثرة الإهمال واللامبالاة والبحث عن المصالح الشخصية. هذا ما قد يعنيه نقابيون وهم يجردون الرجل من مضمون رسالته الأخيرة، ويحاولون إيجاد سبب آخر لما شاع أنه حادث انتحار، وينقبون في ذمته الصافية كما أجمعت على ذلك عدة شهادات، عسى أن يعثروا في إحدى زواياها عن سبب مادي قد يكون وراء الانتحار، لكن في المقابل تبحث أسرته بطريقة مختلفة عن حقيقة هذه الوفاة، رافضة الاقتناع أن رب الأسرة قد يكون انهار فجأة واختار الانسحاب. "زوجي ليس من النوع الذي قد يحتاج إلى خطاب في الوطنية ليحرض فيه روح المسؤولية، بل هو مدرسة في هذا الشأن، لو كان هناك عشرة رجال من طينته في صفه لتحسنت الأوضاع بشكل جيد، لكن هناك من علم أنه نزيه ولن يقبل بالعمل إلا مع النزهاء فأعدوا له المكائد".ولتدعم الأرملة روايتها تعود إلى تفاصيل ليلة مرعبة، فحين اتصلت به المولدة كالت له السباب، لكن ليس من عادته بصفته رئيسا قلب الطاولات على مرؤوسيه، لذلك غرق في الصمت، حتى أن مخاطبته سألته :هل مازلت على الخط؟ "سمعتها تقول ذلك، وكان صوتها المشحون بالحقد يكسر هدوء ليلنا، فكان زوجي يرد عليها: كنسمعك...كنسمعك...".من خلال رواية الأرملة فالمسؤولية واجهت الرجل بطريقة معادية، لذلك تراجع عن رغبته في تولي المنصب بشكل رسمي، "تخلف عن موعد المباراة، وحين استفسرته الوزارة عن السبب، أخبرها أنه لا يريد أن يصبح مندوبا رسميا، وأن هناك مرشحا آخر من شيشاوة، لكن الأخير لم يحظ بالمنصب فطلبت الوزارة من زوجي البقاء في منصبه كما طالبوه بالبحث عن بديل إذا أصر على رفض تولي المسؤولية". ضحى زين الدين

20 غشت بكلميمة مصاب بفيروس العطالة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مندوب الصحة بالرشيدية.... "الساموراي"

إطلاق الشباك الوحيد للتعمير بوجدة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات