عائلات إجرامية بسطت هيمنتها عليه بقوة الحديد واغتنت من تجارة الممنوعات يرتبط اسم حي بن دباب بمقاطعة المرينيين، في ذهن سكان فاس وزوارها، بانتشار الجريمة بأنواعها دون أن تمحو آثار هذه الصورة، جهود أمنية تضاعفت في السنين الأخيرة للتخفيف من حدتها وتحسين سمعة الحي ووضع حد لفتوة عائلات تهتز أجساد الناس بذكرها. ورغم إنجاب حاراته ودوره، كفاءات وأبطال رياضيين آخرهم الدولي يوسف النصيري، فإن صورته الإجرامية المسوقة على الأقل إعلاميا، تلتصق بذكره وتغلب على كل إيجابي فيه، حتى أن البعض يخاله حيا حرره عتاة المجرمين بشكل يجعل ولوجه محفوفا بالمخاطر. إعداد: حميد الأبيض (فاس) - تصوير: أحمد العلوي المراني نبت حي بن دباب ومحيطه كما أحياء هامش فاس، في ظروف سياسية شجع فيها البناء العشوائي بشكل ريف المدينة المستقطبة للهاربين من جفاف البادية. ورغم تحسن صورته نسبيا، يبقى في ذهن الناس، عنوانا للعشوائية والخوف ومشتلا للجريمة والتطرف. سمعة سيئة هشاشة البناء وعدم احترامه شروط السلامة والأمان وتناسل البنايات وكثافتها السكانية وانتشار الفقر والبطالة، ساهم في ارتفاع معدل الجريمة فيه وتشويه سمعته، سيما بعدما بسط فتوات من عائلات يهابها الجميع وارتبط الحي بأسمائهم، هيمنتهم على شوارعه. الجدية والصرامة الأمنية المطبقة في السنين الأخيرة، أثمرت اعتقالات متتالية في صفوف أفراد هذه العائلات، سيما بعد تداول أشرطة فيديو لـ"حروب" إثبات الذات بينهم، ما ساهم في فرملة جبروتهم، خاصة أن فئة منهم اشتهرت بابتزاز الباعة الجائلين والتجار والسكان. الأرقام تؤكد انحسار معدل الجريمة في الحي وأحد أحياء فاس كثافة، مقارنة مع سنوات خوال، خاصة السرقة وما يرتبط ب"الزطاطة" دون استئصالها كليا كما الجرائم العنيفة. ورغم تحسن الوضع الأمني، فإن الصورة السيئة الراسخة في الأذهان، لم تنمح. جرائم القتل في أقل من 5 أشهر، شهد الحي ومحيطه، 6 جرائم قتل كان كاريان الحجوي الأقرب مسرحا لنصفها، نسبة مهمة من قتلاها ضحايا انتقام وتصفية حسابات شخصية أو عائلية آخرها قتل سبعيني لشقيقه والتخلص من جثته في الواد المالح على مرمى حجر من الحي الحسني. خياط بين الضحايا زار خاله وكان في طريق عودته لمنزل والديه بحي الوفاق، فاعترض سبيله 4 منحرفين كانوا في حالة غير طبيعية، وأجهضوا حقه في الحياة بعد مدة قصيرة من قتل الملقب ب"كاوا" لنديمه "السفانجي" انتقاما منه بعد أسابيع من انتحار قاتل صديقه. ولعل من أبشع جرائم القتل بهذا الحي، الإجهاز على أربعيني أب لطفلين، من طرف قريبه انتقاما منه لاعتقاده أنه يخفي زوجته الفارة من بيت الزوجية بأولاد الطيب ضاحية فاس، بعدما ضاقت ذرعا بسلوكاته وتصرفاته الطائشة وتعنيفها المستمر وسوء معاملتها. أما مختل عقليا فارتكب مجزرة بقتله أربعينيا وإصابته آخرين بعدما تسلح بسكين هاجم به كل من صادفه من المارة في دروب محيط حافة مولاي إدريس المجاورة، متمما مسلسل سوابقه في الاعتداء على الأشخاص والأصول، بعد أن حاول ذبح شاب وخنق والدته. عائلات إجرامية الجرائم العنيفة تحتل معدلا مهما في هذا الحي وما يحيط به من تجمعات، ما وثقته أحيانا أشرطة فيديو ناقلة لمواجهات دامية لإثبات الذات الإجرامية بين أفراد عائلات معروفة بعض أفرادها يشكلون قاعدة انتخابية يعتمد عليها سياسيون في التجييش والترهيب. أفراد تلك العائلات كانت إلى حين تفرض قانونها الخاص ووراء نسبة مهمة من حوادث العنف والضرب والجرح، وتبتز الباعة الجائلين والتجار وتفرض عليهم أداء إتاوات يومية للسماح لهم بعرض سلعهم في الشارع، تحت ذريعة الانتقام بالضرب وإتلاف البضائع. أكثر من خمس عائلات عاثت فسادا وجبروتا وكانت تحكم أزقة وأسواقا تحت هيمنتها بقوة الحديد، وبعضها وفرت له جهات سياسية الحماية وبقي في منأى عن الإيقاف، ما زاد من تجبره، قبل تشديد قبضة الأمن في السنين الأخيرة واختياره شعار "لا أحد فوق القانون". ومنذ خمس سنوات تعامل أمن المنطقة الثالثة كما باقي المناطق الأمنية، بجدية مع الظاهرة وأوقف أشخاصا من تلك العائلات المعروفة بنشاطها الإجرامي وسيطرتها واحتكارها لأماكن تابعة للملك العام، بمن فيهم نساء وبعضهم مطلوب للعدالة منذ سنين ولم يوقف سابقا. سرقة وابتزاز حملات أمنية شرسة شنتها المصالح الأمنية لإيقاف المشتبه فيهم المتورطين في قضايا الضرب والجرح والسرقات العنيفة بالسلاح الأبيض ومن داخل المحلات بعد تسجيل حالات متعددة طال بعضها محلات إحداها لإصلاح وبيع الحواسيب ومتعلقاتها بشارع الأمويين. وشكل الحي مشتلا لتفريخ اللصوص وتجارة المخدرات والممنوعات بكل أنواعها، سيما من طرف تلك العائلات الإجرامية، محترفة ذلك والابتزاز الذي في طريقه للاختفاء تدريجيا من الحي بعد اعتقال أغلب "أبطاله" الذين أدينوا بعقوبات وصلت لـ3 سنوات سجنا. عشرات الأشخاص أوقفوا لهذا السبب ليتحرر التجار والباعة من ابتزاز عمر طويلا واغتنت منه تلك العائلات التي أصبحت تملك عقارات وتدير محلات للقمار وتدخين الشيشة، من مداخيل إتاوات وتجارة الممنوعات التي جففت المصالح الأمنية أوكارها تدريجيا. أبواب محصنة اللافت للانتباه أن بعض مجرمي هذا الحي الهامشي، حصنوا أنفسهم بعلاقاتهم النافذة مع سياسيين فسحوا المجال أمامهم لمزيد من التجبر وممارسة ساديتهم على المواطن البسيط، ما كانت له تداعيات سلبية وانعكاسات مخلة بالأمن المجتمعي ورفع من منسوب اللاأمن. التحصين بالنسبة للمختصين منهم في تجارة الخمور والمخدرات بأنواعها، امتد إلى أوكارهم في هذا الحي وغيره، التي حصنوها بالأبواب الفولاذية )الكيشيات( قبل تمديد تجارتهم إلى أحياء أخرى واستغلال سيارات ودراجات نارية في ذلك، كما تمديد رقعة الابتزاز ووسائله.