بن سليمان: “بيجيدي” دخل مرحلة الشيخوخة

أحد أكبر المستقيلين من العدالة والتنمية قال إن انحرافا أصاب بعض سلوكات الحزب أجرى الحوار: يوسف الساكت قال يونس بن سليمان، رئيس مقاطعة مراكش المدينة والبرلماني المستقيل من العدالة والتنمية، إن آليات التدبير الديمقراطي بـ "بيجيدي" أصابتها الشيخوخة، إذ يشكو أزمة في إنتاج النخب والأفكار. وأكد بن سليمان، الذي خلف التحاقه بالتجمع الوطني للأحرار ضجة كبيرة، بالنظر إلى وزنه السياسي، أن مراكش مدينة منكوبة والحكومة فشلت في اقتراح حلول ناجعة على المقاس، تنقذ مئات المراكشيين من خطر الفاقة. وفي ما يلي نص الحوار: > غادرتم العدالة والتنمية إلى غريمه التجمع الوطني للأحرار في قرار مازال يحتل صدارة الأخبار في مراكش، كيف ولماذا؟ > أتحدث دائما بصراحة في هذا الموضوع ومن منطلق قناعات راسخة، واحدة منها أن الفاعل السياسي إذا عمر طويلا في منصب ما يتعرض إلى الاستنزاف على مستوى الأفكار والحلول، وهي سنة بشرية لا يمكن أن يجادل فيها أحد. لقد تحمل العدالة والتنمية المسؤولية منذ 2012 إلى اليوم، والسؤال الذي يطرح: هل استطاع الحزب أن يجدد نخبه في هذه المدة التي تزيد عن 10 سنوات؟ وهل استطاع أن يجدد منظومة تفكيره؟ أم ظل يردد مقولات من قبيل "مخلوناش نخدمو، دارو لينا العراقيل...؟ هنا انطلق الخلاف مع العدالة والتنمية، لأني عبرت مرارا عن وجهة نظر تطلب من الحزب أن يسمي الأشياء بمسمياتها، ويعلن صراحة عن الجهات التي تعرقل برامجه ومشاريعه. فنحن نعيش مع بشر بأسماء وصفات يجب الإفصاح عنها، ولا نعيش مع كائنات خرافية. > لماذا في نظرك لم يسم "بيجيدي" الأشياء بمسمياتها؟ > حتى إذا توفرت الجرأة، وصرح الحزب أن السلطة هي التي تعرقل مسيرته، فما الذي يبقيه في المسؤولية والتدبير طيلة هذه السنوات، ولم يقرر الخروج وتقديم استقالته؟ أيضا هناك قرارات خاطئة اتخذها الحزب على مستوى التدبير الحكومي، وعلى مستوى المدينة، قلناها لهم في حينها، وكان على مسؤولي العدالة والتنمية أن يعترفوا بذلك. وبالتالي، فحين تشعر أن كل المبادئ والقوانين والمرجعيات التي دخلتَ من أجلها إلى حزب معين تتعرض إلى سوء التدبير، فما عليك إلا أن ترحل. عليك أن ترحل أيضا حين تشعر ببون شاسع في الأفكار بين أعضاء ينتمون إلى الحزب نفسه، في توجهات وقطاعات مختلفة. فمثلا، كيف يمكن أن نبني معركة على معطيات وهمية في ملفات كبرى، مثل ملف المحروقات؟ وكيف يمكن أن نستسيغ دفاع أطراف في الحزب عن وجود رقم مثل 1700 مليار وهو معطى وهمي؟ وهل من المنطق أن أسعى إلى إحداث احتقان اجتماعي عبر الترويج لأرقام خيالية من هذا النوع أمام مواطنين لا يملكون عشاء ليلة؟ فأين السلم الاجتماعي هنا يا ترى؟ > لماذا في نظركم يقوم "بيجيدي" بكل هذه السلوكات؟ > هناك باختصار انحرافات في بعض المسارات كان لا بد من الوقوف عليها. أكثر من ذلك، هل يمكن للعدالة والتنمية بعد كل هذه السنوات من التدبير أن يفصح لنا عن نسبة تحقيق برنامجه الانتخابي الذي أوصله إلى الحكومة؟ هذا هو التحدي المطلوب اليوم أمام المواطنين. المواطنون لا يحتاجون اليوم إلى الإيديولوجيا، بل إلى برنامج واضح متعاقد عليه، قابل للتطبيق لتحسين إطار عيشهم في الصحة والتعليم والبنيات التحتية والبيئة والعدل. > داخليا، ما الذي سرع خروجكم من الحزب؟ > معضلة عدم تجديد النخب حاضرة في العدالة والتنمية، كما أن آليات التدبير الديمقراطي في الحزب أصابتها الشيخوخة، وهي عاجزة عن مواكبة التطور، من الأمثلة الحية آلية "لا أرشح نفسي" التي ينبغي أن يفتح حولها نقاش واسع اليوم. > هل فعلا اخترتم التجمع الوطني للأحرار للهروب من ملف قضائي ضخم، مثل الصفقات التفاوضية لكوب22؟ > واش باقي شي واحد كيتخبا في شي حاجة أخرى". هذا كلام مردود عليه. والتحاقي بالتجمع الوطني للأحرار مرتبط بقناعات، أهمها أنه قادر في الفترة المقبلة على تحقيق طفرات نوعية في حياة المغاربة، عبر برنامج واقعي يجيب عن الانتظارات. أما ملف المحاكمة، فهناك قضاء مستقل بسلطات دستورية واسعة، لا أعتقد أن معطى من هذا النوع يمكن التأثير فيه. > هل مراكش مدينة منكوبة؟ > دون مبالغة، يمكن القول إن مراكش هي أول متضرر من الجائحة، لسبب بسيط جدا لأن الأزمة الصحية أصابت اقتصاد المدينة في مقتل، وهو الذي يعتمد كليا وحصريا على النشاط السياحي، سواء من خلال السياح القادمين من الخارج، أو الزوار المغاربة في إطار السياحة الداخلية، وكلا القطاعين تضررا بشكل كامل. هذه المعطيات، تجعلنا نقول دون تردد إن مراكش مدينة منكوبة، خصوصا بالنسبة إلى السكان والقطاعات المرتبطة بشكل كامل بالسياحة. وإذا استثنينا الموظفين العموميين الذين يحصلون على رواتبهم بشكل منتظم، فإن باقي المراكشيين، بمن فيهم الفئات التي كانت تحسب على الطبقة الميسورة، تضرروا بشكل واضح في مداخيلهم. فلنأخذ مثلا، وضعية الأطر والمديرين الكبار في المؤسسات الفندقية والمطاعم والمقاهي والمحلات السياحية المصنفة الذين كان الواحد منهم يتقاضى أجرا صافيا بين 50 ألف درهم و60 ألفا شهريا، وبين عشية وضحاها، أصبح يلتمس ألف درهم من مساعدات الحكومة. فكيف تنتظرون أن تكون نفسية هؤلاء؟ وكيف تتوقعون أن يدبروا فرقا شاسعا في المدخول الشهري من هذا الحجم المهول؟ نأتي إلى الصانع التقليدي الذي كان مرتبطا بالسياحة الخارجية، كذلك بالحفلات والأعياد والمواسم الدينية التي كانت مصدر رواج كبير لهذه الحرف. وأكاد أقول إنه لولا التضامن الاجتماعي والأسري المترسخ في ثقافة المغاربة، لكانت النتائج أسوأ بكثير مما نراها اليوم. > ألم يكن من الأجدى، باعتباركم برلمانيين ومنتخبين، أن تدافعوا عن برنامج استثنائي لمراكش، نظرا لخصوصيتها؟ > يجب أن نذكر هنا بأمر أساسي، أن المسؤول الحكومي ينبغي أن يتخذ قرارات على المقاس، أي على مقاس كل حالة، وليست قرارات من نوع "سطوندار" تطبق على كل الحالات. هنا بالضبط يظهر الإبداع في التدبير. بطبيعة الحال، نثمن القرارات المركزية الكبرى المتعلقة بمواجهة الجائحة، صحيا واجتماعيا واقتصاديا، لكن كان يمكن أن نجتهد أكثر في طريقة التنزيل حسب خصوصية كل منطقة، لأنه سيكون من الصعب الجمع في كفة واحدة بين الحفاظ على الأرواح وبين العجز عن سد الرمق. وهذا ليس تعبيرا مجازيا، لأنه فعلا هناك مواطنون في مراكش وصلوا إلى مستوى مؤلم في تدبير حاجياتهم المعيشية اليومية. ضعف أداء المنتخبين لا يمكن أن يكتفي المسؤول بإلقاء اللوم على وضعية العقار وهو في مكتبه. عليه أن يتحرك ويدق الأبواب ويعبئ مسطرة التشريع وجميع الآليات المتاحة له من أجل الوصول إلى هدفه. في بعض الأحيان، يخيل لي أن المشكل عندنا نحن وليس في الآخرين. بمعنى "واش عندنا" إرادة سياسية للفعل، أم لا؟ هناك معطى آخر حاسم في هذا الموضوع، هو نوعية النخب التي تسير اليوم المدن المغربية، ومنها مراكش، إذ كلما تقدمنا في السنوات، فقدنا الأطر الجيدة لصالح فئات أخرى تعتبر العمل السياسي والتدبير الجماعي "همزة". وفي خضم ذلك، تسقط جميع الأخلاق السياسية وتكثر الضربات تحت الحزام، وتسود أجواء من التشكيك التي تجعل الفاعل يفضل الجلوس في مكتبه إلى حين انتهاء ولايته، عوض مواجهة غير متكافئة مع خصوم سياسيين، لا يترددون في جرك إلى القضاء على أتفه الأسباب. والمشكل المرتبط بذلك، أنه في وقت تتسع فيه اختصاصات المجالس المنتخبة، يتعرض مستوى النخب المحلية إلى ضربات موجعة، وهذه هي الكارثة. إعادة النظر في السياسات العمومية "لمن تعاود زابورك أداوود" هذا ما قلناه للمسؤولين في الحكومة في عدد من المناسبات. يجب الانتقال إلى مراكش جديدة باقتصاد متنوع تتوفر فيه شروط المقاومة أمام الأزمات. فما معنى، ونحن نطور اقتصاد السياحة في المغرب، تخلينا عن القطاع الصناعي الذي كان يشغل عددا مهما من اليد العاملة؟ وأين اختفى مثلا قطاع الصناعات الغذائية بالحي الصناعي بدوار العسكر؟ أين اختفت الصناعات الميكانيكية والنحاسية؟ أين كل هذه الأقطاب التي تعرضت إلى ضربات قوية في أوقات متفرقة؟ وألم ينتبه المسؤولون إلى أن منطق الأشياء وتطورها أحدث حيا صناعيا عشوائيا بمنطقة حربيل؟ ثم كيف نفكر في مشروع تامنصورت دون توطين صناعي واقتصادي؟ أم هناك إرادة لجعل مراكش فندقا كبيرا فقط مع كل التبعات التي يمكن أن تقع في ما بعد؟ إن المطلوب اليوم إعادة النظر في السياسات العمومية بمراكش، وقبل ذلك التفكير في حلول لتسوية الإشكالات المرتبطة بالعقار التي تحولت إلى معرقل أمام مشاريع التنمية باختلافها. الأزمة خربت السياحة قبل الجائحة، يجب أن نعرف أن اقتصاد المدن العتيقة في أغلب المناطق المغربية عرف انكماشا اقتصاديا لأزيد من عشر سنوات، لأسباب تتعلق بالتغيرات الديمغرافية والسوسيوثقافية التي تشهدها هذه الفضاءات التي لم تعد تحظى بالجذب كما كان في السابق، لولا بعض مشاريع "الرياضات" التي أعادت شيئا من الروح إلى هذه المدن. في مرحلة لاحقة، جاءت مبادرة جلالة الملك المتعلقة بتثمين المدن العتيقة، التي أعطت دفعة جديدة لهذا النسيج العمراني والتجاري العتيق، ونتجت عنها برامج ومشاريع مهمة، حتى في مراكش التي استفادت، على سبيل المثال، من خمسة مواقف لركن السيارات في محيط المدينة القديمة لتسهيل الولوج إلى فضاءاتها. بالنسبة إلى "جامع الفنا"، هو تراث لامادي يتضمن مجموعة من الأنشطة الاقتصادية، فيها ما هو تجاري، وفرجوي ترفيهي، وما هو حرفي وصناعي مرتبط بالسياحة، وفيها ما هو سكني، خصوصا بالنسبة إلى المنتجات الفندقية الموجهة للسياح الأجانب. بمعنى أن كل هذه الأنشطة التي لها ارتباط وثيق باقتصاد السياحة في المدينة توقفت بسبب الأزمة الصحية، وكان طبيعيا أن تتحول هذه الساحة، بكل مرافقها إلى خراب، أثر اجتماعيا على آلاف التجار والمهنيين والحرفيين وأصحاب عربات العصير والمأكولات والمقاهي والمطاعم و"النقاشات" و"الحلايقية" المرتبطين بهذا الفضاء ولا يعرفون مكانا آخر غيره. حتى أكون صريحا، في هذا المستوى، كل ما قمنا به أننا فعلنا الفصل الخاص بالمساعدات الاجتماعية في ميزانية المقاطعة، ومنحنا قففا إلى السلطة التي قامت بتوزيعها على المتضررين من الجائحة. لكن أقول إن ما قدمناه غير كاف بالمطلق، لأن الخصاص كبير جدا. يضاف إلى ذلك، بعض الإعانات المخصصة إلى "الحلايقية" التي كانت تتكفل بها السلطات الإدارية. ولولا التضامن الاجتماعي والأسري، وهي من شيم المغاربة في الأزمات، لكانت النتائج كارثية على هؤلاء المتضررين، علما أننا نتعامل مع فئة اجتماعية خاصة تعيش بأنفة ويستحيل أن تفرط في كرامتها من أجل العيش. الحكومة فشلت في التدبير الاقتصادي للجائحة من حسن حظنا أن إعداد النموذج التنموي الجديد تزامن مع جائحة عالمية، وهي نقمة في طيها نعمة، لأن أقوى المخططات رصانة وواقعية كانت في وقت الأزمات، وهي مراحل تاريخية تضعك على السكة الصحيحة في التفكير واقتراح الحلول الناجعة وفق رؤية واضحة. من هذا المنطلق، أعتقد أن الحكومة وإن حققت إنجازات مهمة على المستوى الصحي بدليل المؤشرات المتوفرة اليوم، فإنها فشلت في التدبير الاقتصادي للأزمة، عبر الحفاظ على حد أدنى ومقبول من العيش الكريم للمواطنين. وأولى بوادر هذا الفشل، هو العجز عن إدماج القطاع غير المهيكل التي وفرت الأزمة فرصة ذهبية لإيجاد حلول وأفكار للتقليص من المساحة التي يحتلها هذا القطاع في النسيج الاقتصادي. فما معنى أن تتجه مثلا فكرة "قروض أوكسجين"، أو انطلاقة، إلى القطاع المهيكل الذي يتوفر على الحد الأدنى من التنظيم، بينما نهمل القطاع غير المهيكل الذي هو في أمس الحاجة إلى صياغة ميثاق للثقة، حتى يستطيع أن يندمج في دواليب الاقتصاد المنتج للقيمة المضافة ومناصب الشغل بكل الضمانات الاجتماعية والمهنية. في سطور * من مواليد مراكش في 5 يونيو 1973 * درس وتابع تعليمه الجامعي في القانون بجامعة القاضي عياض * محام في هيأة مراكش * مستشار في جماعة مراكش لثلاث ولايات متتالية * عضو مجلس النواب( 2016 2021) * رئيس مقاطعة مراكش المدينة * نائب العمدة قبل استقالته

بن سليمان: “بيجيدي” دخل مرحلة الشيخوخة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الوداد ثالثا إفريقيا والرجاء رابعا

البحث عن مهربي مخدرات بالناظور

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات