صندوق الموازنة… دجاجة تبيض ذهبا

مضاربون يستغلون ضعف المراقبة لتحقيق أرباح خيالية في انتظار أن تقدم الحكومة مشروعها لإصلاح صندوق الموازنة، فإن مبالغ الدعم الذي تخصص لهذا الغرض، غالبا ما تحول عن أهدافها، وأصبحت الموارد المالية المخصصة لدعم المواد الغذائية والسلع، والمقدرة بملايير الدراهم (17 مليار درهم بالنسبة إلى السنة المقبلة)، غاية في حد ذاتها بالنسبة إلى منتجي هذه المواد والوسطاء المتدخلين في القطاع. وبدل أن تساهم هذه الأموال في تخفيف الضغط على ميزانيات الأسر ذات الدخل المحدود، فإنها أصبحت مصدرا للربح السهل بالنسبة إلى المجموعات الاقتصادية النافذة التي تسيطر على إنتاج هذه المواد. لقد ابتكرت بعض الوحدات الصناعية طرقا ملتوية مع الوسطاء للاستفادة من مبالغ الدعم من دون إنتاج هذه المواد المدعمة كما هو الحال بالنسبة إلى الدقيق المدعم. الأمر الذي دفع العديد إلى المطالبة بضرورة إعادة النظر في النظام الحالي للدعم ما دام الفئات الميسورة تستفيد مرتين من مبالغ الدعم الذي من المفترض أن تستفيد منها الفئات الضعيفة، كما أن جزءا كبيرا من هذه الموارد لا يتعدى حلقة الإنتاج، ولا يصل إلى المستهلك.والأمر نفسه ينطبق على مادة السكر، التي من المفروض أن سعرها الرسمي عند الخروج من المصنع يتراوح، بناء على المقتضيات القانونية بين 4.98 و 5 دراهم للكيلوغرام، لكن هذا السعر لا يوجد سوى على الورق، إذ أن سعر بيع السكر «المقصص» للعموم يصل إلى 7 دراهم، ويتوقف السعر على العرض، إذ كلما كان العرض ضعيفا، فإن الأسعار تلتهب، كما أن الجهات المهيمنة على الإنتاج تمارس البيع المشروط، أي مقابل الكميات التي يقتنيها تجار الجملة من المصنع، يتم فرض كميات مماثلة من سلع أخرى. كما أن بعض المضاربين يقتنون مباشرة من الشركة ويعيدون بيعها بأسعار مرتفعة لتجار الجملة الذين يفدون من مناطق أخرى إلى الدار البيضاء من أجل التزود بالمادة، وذلك في غياب تام للمراقبة. ويطالب عدد من المهنيين بضرورة تحرير هذه المادة والسماح للتجار بالتزود بالمادة مباشرة من الخارج، على غرار ما حصل لمادة الشاي، إذ كانت بدورها تعرف مشاكل عندما كانت مقننة وتوزع عن طريق المكتب الوطني للشاي والسكر، لكن بعد تحريرها انعكس ذلك إيجابا على الأسعار والجودة.وعد جطو بإصلاح المنظومة دعا إدريس جطو، الوزير الأول السابق، في آخر تدخل له أمام البرلمان بمناسبة تقديم حصيلة حكومته إلى ضرورة إعادة النظر في نظام المقاصة، بالنظر إلى الثقل الذي أصبح يشكله على المالية العمومية وعلى خزينة الدولة، وأوضح أن الإصلاح يتعين أن يمر عبر التفكير في صيغ تضمن عقلنة النفقات العمومية وضمان توفير المواد الغذائية الأساسية بأسعار في متناول الشرائح الاجتماعية الضعيفة ذات الدخل المحدود، وشكلت مسألة دعم المواد الغذائية هاجس الحكومات المتعاقبة منذ أواخر سنوات السبعينات، بعد أن أصبح المغرب يواجه أزمة مالية خانقة ولم يعد بإمكان خزينة الدولة تمويل النفقات المخصصة للدعم، لكن الحلول الذي تم اعتمادها سواء خلال برنامج التقويم الهيكلي أو بعد ذلك كانت ذات طابع ظرفي وهمت بعض القطاعات. لكن مع ارتفاع أسعار المواد الأولية والزيادات التي تعرفها أسواق النفط على المستوى العالمي، أصبحت مسألة الدعم إشكالية معقدة بالنسبة إلى المسؤولين المغاربة، يتعين معالجتها بشكل شمولي ولم تعد تقبل التأجيل، فهناك من يرى أن سياسة الدعم كما تم تطبيقها إلى غاية الآن في المغرب ساهمت بشكل كبير في تخلف النسيج الإنتاجي برمته. فرملة التحديثيرى لحسن العاملي، أستاذ باحث في هذا المجال، وإطار في أحد البنوك الوطنية، أن نظام الدعم المعمول به ساهم بشكل غير مباشر في عدم تحديث وعصرنة الوحدات الإنتاجية بقطاع الصناعات التحويلية بشكل عام والصناعات الغذائية على وجه الخصوص، ويمكن تلخيص وضعية القطاع في غياب منافسة حقيقية واحتكار السوق من قبل قلة قليلة من المجموعات الاقتصادية، كما أن الشركات النشيطة في القطاع لم تبذل أي مجهود من أجل رفع إنتاجيتها من خلال اعتماد أساليب حديثة في الإنتاج والقيام بتجديد آليات إنتاجها، كما أن هذه الوحدات الإنتاجية لن تساهم في تنمية وتطوير القطاعات الفلاحية التي من المفترض أن تشكل الممون الرئيسي لهذه الوحدات الإنتاجية من المواد الأولية. وفي هذا الصدد، يشير الباحث لحسن العاملي إلى أنه إذا كانت بعض الصناعات التحويلية متوقفة على الخارج لتصريف منتوجاتها بفعل ضعف الطلب الداخلي، فبالمقابل نجد أن الصناعات الغذائية الموجهة إلى السوق الداخلي تتوقف بشكل كبير على الخارج لتأمين حاجياتها من المواد الأولية. وهكذا تعتبر صناعة إنتاج الزيوت من أكثر الصناعات التحويلية المتوقفة على الخارج في تموينها بالمواد الأولية، فرغم إمكانياتها وطاقاتها على مستوى العصر والتصفية التي تصل إلى حوالي 500 ألف طن، فإن جل حاجيات المغرب من الزيوت (ما يناهز 350 ألف طن) يتم تأمين إنتاجها بجلب المواد الأولية من الخارج، وفي السياق نفسه تتوقف صناعة السكر وفي جزء كبير من إنتاجها على الخارج، إذ تقدر وارداتها في المتوسط السنوي حسب المصدر ذاته، خلال الفترة الممتدة ما بين 1994 و2002 بحوالي 508 ملايين طن، فبعد ربع قرن عن انطلاق مخطط إنعاش قطاع إنتاج السكر ما زال القطاع متوقفا في جزء كبير من حاجياته، سواء على مستوى المواد الأولية أو مواد التجهيز على الخارج، ولا يختلف الأمر أيضا بالنسبة إلى قطاع إنتاج الدقيق، إذ تتوقف المطاحن الصناعية بنسبة 75 في المائة من كميات الحبوب التي يتم طحنها على الخارج، ما يعكس حجم تبعية هذه النشاطات الإنتاجية المتعلقة بإنتاج المواد الغذائية الأساسية إلى التموين الخارجي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أسعار المواد الأولية عرفت خلال السنوات الأخيرة زيادات متواصلة على مستوى الأسواق العالمية، وتشير كل التوقعات إلى أن مستوى أسعار بعض المواد مثل الحبوب لن تعرف تراجعا خلال السنوات المقبلة، فإن نظام الدعم الحالي لن يستطيع الصمود طويلا أمام موجة الزيادات التي تعرفها أسعار المواد الأولية عالميا وتوقف قطاع الصناعات الغذائية بالمغرب في تموينه بهذه المواد على الخارج. وفي هذا الإطار يجب وضع مسألة إصلاح نظام المقاصة.إجراءات لم تحقق الأهداف في ظل الوضع الراهن الذي يوجد عليه القطاع الفلاحي بالمغرب، وكذا الصناعات الغذائية المرتبطة به، فإن معالجة هذا الملف تقتضي تصورا شموليا يتجاوز البعد المالي للمسألة، وهذه من بين التحديات المطروحة على الحكومة المقبلة بحدة، لأن الأمر أصبح يتعلق بالأمن الغذائي للبلاد، فالإصلاحات التي همت نظام الدعم في السابق كانت مجرد إصلاحات قطاعية تفتقد إلى الرؤية الشمولية، وكان هاجسها الأول تقليص الكلفة الناتجة عن دعم بعض المواد الغذائية، وهكذا تم تحرير أسعار بعض المنتجات مثل الحليب وبعض مشتقاته والدقيق الممتاز كما عملت الجهات الوصية على هذا القطاع على تحديد الكميات التي سيتم تدعيمها من القمح اللين في عشرة ملايين قنطار وتحديد قيمة مطلقة للدعم المخصص لمادة السكر مع استعادة الدعم المالي المقدم لمادة السكر والمحدد في 2000 درهم للطن في بعض الصناعات التي تستعمل السكر كمادة أولية في إنتاج سلعها، لكن هذه الإجراءات لم تحقق الأهداف المتوخاة منها، ومازال الدعم يضغط بكل ثقله على ميزانية الدولة مع تأكد المسؤولين من أن هذه المبالغ تستفيد منها الفئات الميسورة بنسبة الثلثين، في حين أن الفئات الضعيفة وذات الدخل المحدود لا يصلها في أحسن الأحوال سوى الثلث المتبقي، لذا فإن عملية الإصلاح يجب أن تتضمن، كما ترى مجموعة من الباحثين في هذا المجال، إجراءات على المدى القصير تهدف إلى ضمان استقرار أسعار المواد الأساسية في مستويات لا تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، وعلى المدى الطويل يتعين على المسؤولين اتخاذ تدابير من أجل إصلاح جذري وهيكلي لقطاع الصناعات الغذائية في كل جوانبها. عبد الواحد كنفاوي

صندوق الموازنة… دجاجة تبيض ذهبا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أحزاب تسعى إلى تعويض اللائحة الوطنية بلائحة الكفاءات

عملية جراحية وهمية لمريضة بالرشيدية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات