المرشدون البحريون… عيون لا تنام

15 مرشدا يشرفون على تنظيم حركية الملاحة البحرية بأكبر موانئ المملكة قليلون يعرفون أن داخل ميناء البيضاء هناك رجال قليلون بأدوار كبيرة. إنهم المرشدون البحريون التابعون لمحطة الإرشاد بميناء البيضاء، أكبر موانئ المملكة. إنهم 15 مرشدا يرأسهم القبطان محمد الشرقاوي. هذا الأخير قادنا في جولة عبر أرجاء الميناء لمعاينة ما يقوم به هؤلاء المرشدون عن قرب . "هؤلاء هم من يساعد أي سفينة تقصد ميناء الدار البيضاء على أن ترسو"، يشرح محمد الشرقاوي، ونحن على متن واحد من الزوارق السريعة التي يستخدمها المرشدون البحريون خلال تدخلاتهم لإرشاد وتوجيه السفن التي تقصد الميناء أو تلك التي تغادره. يقول محمد الشرقاوي، الذي التقيناه في ختام فعاليات احتفال ميناء البيضاء بمائة عام على تأسيسه الثلاثاء الماضي، إن مهمة المرشدين البحريين لا تعرف التوقف. يعملون 24 ساعة على 24، إنهم أناس ليس في أعرافهم عطلة أو عيد. "نعمل في أي وقت حتى ولو كان يوم عيد ديني أو وطني..". حتى الأحوال الجوية لا يعبؤون بها. يعملون في الأوقات التي يكون فيها الجو صحوا وهادئا، كما يعملون خلال الفترات التي تمر فيها البلاد، خاصة ساحلها الأطلنتي، باضطرابات جوية.ينقسم هؤلاء المرشدون الخمسة عشر إلى مجموعات من ثلاثة عناصر يتناوبون خلال فترة المداومة الخاصة بكل مجموعة. لا يغمض لهم جفن، إلا عندما تنتهي فترة مداومتهم، ويعودون إلى بيوتهم ليقضوا فترة راحة، قد تتراوح بين ثلاثة وأربعة أيام.يبدأ عمل المرشد البحري، كما يفسر الشرقاوي الذي تدرج في هذا المهنة حتى بلغ رتبة قبطان، عندما يتوصل المرشدون المداومون بنداء من ربان واحدة من السفن الوافدة على الميناء، وذلك على أجهزة الاتصال اللاسلكي المنصوبة داخل محطة الإرشاد ميناء الدار البيضاء، أو على أجهزة "التالكي والكي".يتوصلون بالرسالة التي يحدد فيها ربان السفينة الوافدة أنه بصدد الرسو بميناء الدار البيضاء كما يحدد موقعه. "إذا كان الربان يقصد ميناء الدار البيضاء لأول مرة فإننا نطلب منه التوقف على بعد حوالي خمسة كيلومترات. أما إذا كان من الربابنة الذين يقصدون ميناء البيضاء بشكل متكرر، فإننا غالبا ما نسمح له بالتوقف على بعد كيلومترين أو ثلاثة في أقصى الأحوال"، يقول الشرقاوي.ويستطرد أن المرشد عندما يتوصل بالنداء يتوجه رفقة ربان الزورق إلى موقع السفينة، حيث يزود ربانها بكل المعطيات التقنية حول كيفية الرسو بالميناء، ويواصل تقديم الإرشادات إليه إلى أن ترسو السفينة بسلام وأمان. ويشدد الشرقاوي على أن هذه المهنة تقتضي من ممارسها حرصا ويقظة شديدين، إذ "أن أي مغامرة قد تكبد السفينة أو السفن الأخرى أو مرافق الميناء (المراسي، الرافعات...) خسائر كبيرة، ولهذا لابد لأي سفينة تقصد الميناء من أن تستعين بمرشد بحري، خاصة وأن ليس كل الربابنة على دراية بكيفية ركن سفنهم، لأن غالبيتهم اعتادت أن تقودها في عرض البحر وليس في مساحة ضيقة".ولهذه السبب، وكذلك حرصا على ما يعتبره الشرقاوي المصالح الاقتصادية العليا للبلاد، "وُجد المرشدون البحريون؛ فهم يركبون على متن السفن ويبدؤون في إعطاء التوجيهات والإرشادات، إلى حين أن تتوقف محركات السفينة عن الدوران نهائيا. عندها فقط يمكن للمرشد أن ينسحب من على متنها، ليعود إلى قاعدته (محطة الإرشاد، التي تضم مجموعة من المرافق مثل أسرة للاستراحة ومطبخ وفضاء للصلاة وحمام وصالة وقاعة للاجتماعات...) في انتظار أن يعود لإرشاد ربانها مرة أخرى، لكن هذه المرة في طريقه إلى مغادرة الميناء"، يوضح محدثنا.إذا أخذنا في اعتبارنا الأرقام والإحصائيات التي يسردها الشرقاوي سنعرف سبب حرصه وتشديده على أن هذا النوع من المهن يكتسي أهمية بالغة وحساسة جدا داخل أي ميناء، ذلك أن 98 في المائة من المبادلات التجارية للمملكة تتم عبر الموانئ، يتقدمها ميناء البيضاء الذي يستحوذ لوحده على 35 في المائة من هذه المبادلات. وتشير الإحصائيات ذاتها إلى أن محطة الإرشاد بهذا الميناء سهرت على رسو سفن تحمل 4 ملايين و280 ألفا و784 طنا من الحبوب، يُضاف إليها استقبال سفن وعلى متنها 839 ألفا و729 حاوية، وفوق ذلك فهؤلاء المرشدون الخمسة عشر لا يتكلفون فقط بالبضائع والسلع، بل إنهم استقبلوا برسم سنة 2012 311 ألفا و769 مسافرا. ظهير 1937 من يقصد ميناء البيضاء لابد أن تلفت انتباهه واحدة من تلك السفن العملاقة، الشبيهة بعمارات إسمنتية عائمة، وهي راسية بكل سلام وطمأنينة. سفن تكلف الملايير "فلابد من الحرص الشديد على تدبير رسوها ورسو سفن أخرى حتى نتجنب تأذي أي منها"، ثم يضيف الشرقاوي موضحا أن السفن العملاقة الخاصة بنقل المسافرين "لا يتولى إرشادها إلا المرشدون البحريون الذين راكموا تجربة لا تقل عن أربع سنوات". هذه المهنة يؤطرها الظهير الشريف لسنة 1937، الذي يوضح أن دور المرشد البحري يتمثل في "خدمة مصلحة الميناء أولا وثانيا السفن التي تقصده، إذ أنه يتولى تقديم كل الإرشادات والمعلومات إلى ربابنة السفن وقيادة السفن إلى داخل الميناء وإلى خارجه... إنه ملزم بأن يؤدي هذا الدور بكل تجرد عن أي إغراءات كيفما كانت طبيعتها". ولا يلج هؤلاء المرشدون هذا المجال المهني إلا بعد حصولهم على دبلوم من المعهد العالي للدراسات البحرية (بالبيضاء) بعدما يكونون قد قضوا هناك خمس سنوات من الدراسة، إضافة إلى تكوين ذي طابع تقني على متن السفن التجارية، وذلك طيلة فترة تكوينهم، كما أنهم قبل الالتحاق لابد أن تتوفر فيهم بعض الشروط، خاصة ما يتعلق باللياقة البدنية والنجاح في اجتياز مباراة تجرى لهذا الغرض، ثم بعد ذلك يكون على المرشد المرشح لهذا المنصب أن ينجح في فترة التدريب، التي تُنظم لتأهيله للعمل داخل محطة الإرشاد البحري... محمد أرحمني

المرشدون البحريون… عيون لا تنام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جهة البيضاء تدرس سبل تنمية مواردها الجبائية

ياسمين الحسناوي : المقترح الأمريكي سيشعل فتيل العنف بالصحراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات