العنف يهدد الأمن والسلم الاجتماعي

السلوكات العنيفة من أكثر العوامل المسببة للوفيات في العالم ما بين 15 و44 سنة قبل سنوات، أنجز باحث فرنسي دراسة حول شجرة عائلة الأديب ديستيوفسكي، فخلص إلى تعاقب مجرمين وقديسين في العائلة نفسها، حتى إن عمته قتلت زوجها بسقيه السم. واستند عالم النفس ليوبوك سوندي إلى هذه الملاحظة ليجزم بهذا التعايش "الطبيعي" في الشجرة العائلية الواحدة بين الشر والخير ، لينتقل بعد ذلك إلى صياغة فرضية مفادها أن الأساس البيولوجي هو واحد في كلتا الحالتين، في حين يكمن الفرق في الخيارات القدرية التي يختارها الشخص، مؤكدا أن التطرف المزاجي في عائلة ديستيوفسكي كان يسخر حينا لخدمة المثاليات فينتج قديسا، وحينا آخر ضدها فينتج مجرما، لكن هل يمكن أن يكون الشخص عينه قديسا ومجرما في آن معا؟يجيب الباحث في علم النفس أن قابيل، ابن آدم، قتل أخاه هابيل. و"بما أن البشر يتحدر جميعهم من قابيل، فإن نزعة العنف والرغبة بإلغاء أعدائنا (أي الرغبة في القتل واعية أم لا واعية) موجودة لدى الجميع"، لكن قسما من البشر يسمو بغرائزه وبهذه النزعة فيكون هابيليا وقسما آخر يستسلم لمشاعره السلبية (حقد، ثار غضب، كراهية ...) فتتعدى لديه الميول القابيلية.ويخلص سوندي إلى القول إن البذور الهابيلية موجودة لدى المجرمين كما أن الميول القابيلية موجودة لدى القديسين.ما سبق يفسر سلوك العنف الذي يعرف باعتباره فعلا إنسانيا يتسم بالقوة والإكراه والعدوانية، وقد يصدر عن فرد، أو جماعة، أو دولة، وموجه ضد الآخر بهدف إخضاعه واستغلاله في إطار علاقة قوة غير متكافئة، ما يتسبب في إحداث أضرار مادية، أو معنوية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.وأوضح آخر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية أن العنف يكبد الدول خسائر مادية ضخمة. وتشير الإحصائيات إلى أن الإصابات التي تنجم عن العنف تكلف الدول ما لا يقل عن 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن المعاناة الجسدية والنفسية المريرة. وحسب دراسة صادرة عن مؤتمر عقد، أخيرا بفيينا حول مكافحة العنف، فإن نحو 1.6 مليون شخص يموتون سنويا بسبب إصابات ناجمة عن العنف، كما يصاب ملايين آخرون بإصابات نفسية وجسدية مختلفة.وتشير الدراسة إلى أن العنف هو من أكثر العوامل المسببة للوفيات للفئة العمرية ما بين 15 و 44 عاما. وتتفاوت النسب بين الذكور والإناث حيث تبلغ لدى الذكور 14 في المائة، أما الإناث فتبلغ 7 في المائة. كما توضح الدراسة أن الذكور عادة ما يتم قتلهم بواسطة أشخاص غرباء، أما النساء فغالبا ما يتعرضن للقتل على أيدي أزواجهن أو شركائهن.وتشير الدراسات العلمية إلى أن العنف إفراز طبيعي لتنشئة أسرية غير سوية، وأوضاع اقتصادية متدهورة، وعلاقات اجتماعية تشوبها الكراهية والحقد، واعتبارات ثقافية يحكمها الجهل والتخلف والعدوانية والفهم غير الصحيح لما يدور في محيط الفرد.هذا يعني أن ثمة مجموعة من العوامل تتضافر في ما بينها لإفراز العنف في المجتمع سواء كانت أسبابا اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية أو ثقافية، وهي كلها عوامل تهدد الأمن والسلم الاجتماعي، لأن العنف يمثل عدوى تنتقل بين الأفراد والجماعات والمناطق المختلفة، وتؤثر بالسلب على مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في المجتمع.جرائم القتل والسرقة والاغتصاب التي أصبحت تفرض نفسها في المجتمع المغربي كلها سلوكات تعزز ثقافة العنف، وهي ظاهرة ليست منفصلة عن السلوك الإجرامي ككل. ويرجع البعض أسباب انتشار ظاهرة العنف إلى حالات الاختناق والازدحام والقلق التي أصبح المجتمع يعانيها، ولها تأثير سلبي على أسلوب حياة الأفراد، ما يجعلهم أكثر توترا وانفعالا وقابلية للتلفظ بالكلام النابي أو الدخول في مشاجرات لأسباب بسيطة، إضافة إلى أن القلق الذي يشعر به الفرد جراء تعرضه لضغوطات اجتماعية ونفسية شتى، يجعله أكثر هشاشة نفسيا، أو منغلقا على ذاته ومتعصبا لمواقفه ورافضا للآخر، وهو ما يجعل للعنف طريقا سهلا إلى سلوكاته سواء في علاقته بأفراد أسرته أو في مقر عمله أو في الشارع العام.وتربط نتائج الدراسات بين ظروف المعيشة ومعدلات التوتر والعنف العائلي، إذ ترتفع معدلات التوتر في حالات الأسر التي تعيش حياة صعبة والتي يعاني أفرادها البطالة وتدني مستوى الدخل، و كلما ارتفع عدد أفراد الأسرة، وتدهورت حالة السكن الذي يقيمون فيه، وافتقاره إلى الحد الأدنى للعيش الكريم، إلا أن للعنف أسبابا أخرى نفسية واجتماعية لا يمكن اختزالها فقط في المستوى الاجتماعي للأسر. الفقر والجهل والبطالة...خلفيات للعنف يعتبر الفقر والجهل والمرض الخلفية المناسبة لزيادة الأعمال العدوانية في المجتمع، وقد أسهم فيها تراجع دور المدرسة والجامعة، ما يهدد المنظومة الأخلاقية، خاصة في الظروف الاقتصادية التي تجبر الأم والأب على ترك المنزل لفترات طويلة أثناء النهار من أجل العمل، فيتركان أبناءهما للفضائيات، وما تبثه من قيم سلبية في كثير من الأحيان، ما ينعكس على النسق القيمي لديهم، ويهدد بجيل أكثر عنفا من سلفه. وتفضح الأحداث الأخيرة التي يطرحها الإعلام هذا الواقع الأليم، فهناك جرائم جديدة أصبح المغاربة يعيشون على إيقاعها لم يعهدوها من قبل، إضافة إلى ارتفاع معدلات جنوح الأطفال والمراهقين في صفوف الجنسين معا، فضلا عن العنف اللفظي والرمزي بين المغاربة في الشارع العام والمدرسة، والذي قد يفضي إلى تولد نزعة الانتقام وانتزاع الحقوق بالقوة، في ما يشبه تمردا ضد مؤسسات الدولة ونزعا للمصداقية عنها. يوسف الساكت

العنف يهدد الأمن والسلم الاجتماعي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

3 أسئلة :علي شعباني

مؤسسات عمومية ومحلات تجارية مسرح لأعمال تخريبية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات