“فيلا دي ليلا”…فندق صحي لمرضى الأمراض العقلية

أول مصحة من نوعها في المغرب وإفريقيا أشرت الوزيرة السابقة على تدشينها وتواجه صعوبات التكفل ينبغي أن تكون مصابا بانفصام في الشخصية وتعاني اضطرابا نفسيا مزمنا كي تفكر في استثمار أموالك في قطاع الصحة العقلية بالمغرب، بل وتصرف آخر فلس من «تحويشة العمر» في تخصص طبي «تعتقله» الدولة داخل عنابرها و«زنازينها» العمومية، وتضعه الوكالة الوطنية للتأمين الصحي ومؤسسات التأمين في ذيل أولوياتها، باعتبارها قطاعا «غير منتج» لا يخلف وراءه غير الهم وصداع الرأس. واحد من هؤلاء «المجانين» اسمه الدكتور هاشم محمد تيال، احتفل يوم الخميس 14 فبراير الماضي (عيد الحب) بالسنة الثانية من افتتاح مصحته الخاصة للأمراض العقلية، وهي الأولى في المغرب وإفريقيا، التي تقدم خدمات الاستشفاء والعلاج النفسي والعقلي والعصبي بمواصفات المبادرة الخاصة، ومفتوحة أمام جميع المواطنين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية بهامش كبير من المخاطر. الليلك كلمة السر وسط بساتين الأغراس وأحواض النباتات بالوازيس بالدار البيضاء، تنتصب «فيلا دي ليلا» للأمراض العقلية بألوان واجتها البيضاء البنفسجية والحجرية التي تمتحها من زهرة الليلك، أو زهرة الجمال الملكي، الشهيرة في أوساط البستانيين بأريجها العبق وأزهارها المتدلية وأوراقها التي تشبه شكل القلب، وهي الزهرة نفسها التي يقام على «شرفها»، ربيع كل سنة، احتفال باذج بحدائق النباتات الملكية بكندا التي تضم أكثر من ثمانمائة نوع من زهور الليلك المزهرة، مزروعة على مساحة 2700 هكتار، بينها أنواع برية نادرة وأنواع فرنسية تزهر مرة أو مرتين في وقت مبكر من السنة، إضافة إلى أزهار الليلك البنفسجية ذائعة الصيت.في المغرب، يحتفي الدكتور هاشم محمد تيال، الأخصائي في الأمراض النفسية والعقلية، بزهرة الليلك بشكل مختلف ولا يختار منها غير ألوانها الباردة والهادئة التي تبعث على الهدوء النفسي والطمأنينة والثقة في النفس، لذلك اختار هذه الزهرة اسما لمصحته الخاصة، كما وزع ألوانها البيضاء والأرجوانية والبنفسجية على فضاءاتها وأقسامها وتسلسلت إلى جدران غرف النوم وأغطية الأسرة «كنت ضد فكرة إطلاق اسم مباشر على المصحة الخاصة، مثل مصحة الدار البيضاء للأمراض العقلية، أو مصحة الشفاء للأمراض العقلية، أو غيرها من الأسماء التي تبعث على القشعريرة والخوف، لذلك دافعت باستماتة أمام شركائي وعائلتي على اسم محايد لكن له دلالة على المستوى النفسي، فجاء اسم فيلا دي ليلا».تقع «فيلا دي ليلا» على مساحة 1125 مترا مربعا، ولا توحي واجهتها البيضاء وتصميمها الخارجي أن الأمر يتعلق بمؤسسة صحية تضم في أحشائها أطباء وأخصائيين وممرضين وتقنيين ومرضى، بل مجرد إقامة سكنية بألوان مميزة وسط شريط الإقامات والفيلات الفاخرة على امتداد شارع عبد المومن في اتجاه محطة القطار الوازيس.«هذا بالضبط ما كما نطمح إليه»، يقول الدكتور هاشم محمد تيال، المدير العام، ويضيف «كان هدفنا تشييد فندق شبه فاخر يصلح لفترة إقامة محدودة لعدد من المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية حادة وأمراض عقلية وعصبية، باعتبار أن المحيط الهادئ والصحي المساعد على العلاج هو بالضبط ما يحتاجه المريض النفسي، وليس الأدوية والعمليات الجراحية، لذلك حرصنا، منذ بداية المشروع على التركيز على هذا الجانب سواء من حيث التصميم وشكل الغرف والتجهيزات اختيار الألوان». فكرة مجنونة كأنه الأمس فقط، يتذكر الدكتور هاشم محمد تيال حفل افتتاح مصحته الخاصة يوم 14 فبراير 2010 بحضور ياسمينة بادو، وزير الصحة السابقة، ومناديب الوزارة ومسؤوليها الجهويين وعدد من الشخصيات الطبية المعروفة وزملاء المهنة «كان حدثا مميزا، لم ينسنا رغم ذلك حجم الصعوبات التي لقيناها خلال ثلاث سنوات متواصلة من بداية المشروع إلى يوم الافتتاح» يقول المدير العام.وأضاف أن الصعوبة تأتي من طبيعة الفكرة نفسها التي اعتبرت لدى الكثيرين فكرة مجنونة تتعلق ببناء مصحة خاصة للأمراض العقلية والنفسية مفتوحة على العموم، «فـــــــي وقت لم يكن لدينا أي ضمانات لنجاح المشروع، إذا علمنا أن أحد أهم عوامل نجاح الاستثمار في القطاع الصحي الخاص توفر المصحة على قاعة أو قاعات للعمليات الجراحية التي توفر مداخيل مالية شهرية قارة، وفي حالتنا ليس هناك قاعة ولا عمليات جراحية فقط تشخيص وفندقة وعلاج وأنشطة جماعية أو فردية موازية».ويفضل الدكتور هاشم محمد تيال «التكتم» عن كلفة استثمار بمشروع بهذا الحجم، ومسارات التمويلات البنكية التي حصل عليها والضمانات التي قدمها لمؤسسات الاقتراض، مؤكدا أن أكثر ما يقلقه الفراغ القانوني الحاد للتكفل بمرضى الأمراض العقلية والنفسية، إذ تتوفر أنظمة التأمين في عدد من دول العالم على أربعة أقسام أساسية هي الطب السريري، والطب الجراحي وطب الإنعاش وطب الأمراض العقلية والنفسية ويتم التعويض على هذا الأساس وفق معايير محددة، إلا في المغرب الذي يعوض على الأقسام الثلاثة الأولى دون القسم الرابع».وتشكل صعوبة الولوج إلى التكفل بمرضى الأمراض العقلية والنفسية بخصوصياتهم وأنواع العلاجات والأنشطة المقدمة لهم، أحد الهواجس الكبرى أمام مشروع من هذا النوع، رغم سيل المراسلات التي توصلت بها الوكالة الوطنية للتأمين الصحي ومؤسسات التأمين الخاصة والوزارات والقطاعات الحكومية المعنية لحل هذا الإشكال في التعديلات التشريعية المقبلة. فندق أربع نجوم تتكون «فيلا دي ليلا» من طابق أرضي وطابقين علويين وعدد من المرافق وفضاءات الاستراحة والاسترخاء والأنشطة الموازية. وتقدم، عبر عدد من الأقسام والمصالح، عددا من العلاجات مثل طب المستعجلات الخاص بالأمراض العقلية والنفسية والعلاجات النفسانية الفردية والجماعية وعلاج الإدمان الذي يحل جزء كبيرا من أنشطة المركز، ثم أنشطة إعادة التأهيل والعلاج النفسي عبر الأنشطة الجماعية وعلاج اضطرابات النوم والسلوك الغذائي والعلاجات العصبية والفزيولوجية.وباستثناء قاعة العناية المركزة التي تضم سريرين مجهزين بأحدث الأجهزة الخاصة بالتخطيط الدماغي والتبنيج والعلاج بالصدمات الكهربائية والمنغاطيسية في الحالات المستعجلة والمستعصية، تتوزع أقسام المصحة الخاصة على المرافق الإدارية وفضاءات الاستقبال والسكرتارية، لتستحوذ قاعات النوم والأجنحة الخاصة على حصة الأسد. وتضم «فيلا دي ليلا» المصنفة ضمن المؤسسات الفندقية الصحية «أربعة نجوم أ» 27 قاعة بسرير فردي، أو سريرين وأجنحة «في أي بي» مجهزة بآخر صيحات التأثيث الفندقي من أسرة بعلامات تجارية شهيرة وملاءات وألوان حجرية وبنفسجية هادئة ومريحة، كما يسافيد جميع النزلاء والمرضى، بفئاتهم المختلفة، من أجهزة تلفاز من نوع «إل.سي.دي» وخط أنترنيت لا سلكي «وي.في» وتجهيزات أخرى خاصة، مثل المراحيض والحمامات. وتنقسم المصحة الخاصة للأمراض العقلية على جناحين، أحدهما مغلق خاص بالحالات الصعبة التي تتطلب حماية ومستوى عال من الحرص واليقظة من طرف فريق الممرضين والمساعدين، ويضم عددا من الغرف وجناحين اثنين. وقال الدكتور هاشم محمد تيال إن هذا الجناح يستقبل المرضى والنزلاء الذي تتسم سلوكاتهم وتصرفاتهم وردود فعلهم بدرجات معينة من الخطورة، لذلك نحرص على وضعهم في غرف غير مغلقة داخل جناح مغلق، كما هو معمول به في جميع المراكز الاستشفائية من هذا النوع، مؤكدا أن هؤلاء يستفيدون من فسح منظمة، وأنشطة جماعية وفردية موازية، كما يحرص عليهم فريق مختص من الممرضين لا يفارقهم». في الطابق الأول، يوجد جناح شبه مغلق خاص بالحالات الأقل خطورة، أو الحالات المرضية شبه مستعصية، ويضم الغرف الفردية والأجنحة نفسها التي توجد في الجناح المغلق. وقال الدكتور تيال إن أغلب ضيوف هذا الجناح من المرضى الذين يعانون حالات إدمان، ويتطلب وضعهم تحت حراسة طبية خاصة للتخلص من هذه العادة، بموازاة استفادتهم من العلاج الجماعي، أو حصص الحديث الجماعي التي يشرف عليها أخصائيون. يوسف الساكت

“فيلا دي ليلا”…فندق صحي لمرضى الأمراض العقلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"أطلس المغرب" يعيد تارودانت إلى الواجهة

من "علامات الساعة"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات