دراسة في القانون: تصورات حول نجاعة العدالة الجنائية (الحلقة الثامنة)

قلة عدد القضاة المختصين في القضايا الجنائية يؤثر على جودة القرارات والأحكام رغم أن العدالة هي قيمة إنسانية تختلف عن كل التصورات الاقتصادية التي تعتمد وسائل العمل والإنتاج والكلفة والجودة، فإن التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية التي عرفها العالم، وحاجة المواطن إلى عدالة ناجعة وجيدة،كلها وغيرها أسباب دفعت إلى تفكير الفقه والمسؤولين الحكوميين والقضائيين، بالمغرب وخارجه في إعمال تلك التصورات على العدالة الجنائية. في البداية لا بد من ملاحظات أربع، الأولى هي ضرورة إتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل احترام، وتشجيع إستقلال وتجرد القضاة مع ضمان نجاعتهم وكفاءتهم ، والرفع من رواتبهم ورواتب جميع الأطر والموظفين، والتمييز في مهامهم بين ما هو قضائي، وما هو تدبيري وتسييري.والثانية هي هشاشة البنيات التحتية لبعض المحاكم، إضافة إلى بعد المسافات بين المرافق القضائية في المدينة الواحدة ( الدار البيضاء كمثال ) ما يقتضي تشييد المركبات القضائية اللازمة لإعطاء المحاكم هيبتها ولإنقاص عناء التنقل بين المحاكم على المتقاضين، دون أن يتم، وقت البناء، إهمال ما يحتاجه ذوو الإحتياجات الخاصة من مرافق صحية وولوجيات ومصاعد، وما يحتاجونه هم وغيرهم من تشوير واضح ومراكز استقبال يعمل بها مختصون في الإرشاد والتوجيه. والثالثة هي حالة بعض الملفات المعروضة على المحاكم، سيما ملفات غرف الجنايات، ووضعيتها التي تدعو للشفقة، فالأوراق غير مرتبة، وكلما طال عمر الملف كلما زاد تبعثره وتحول عن توصيف ملف واقترب من كيس يجمع شتات أوراق، الأمر الذي يؤثر على جودة الخدمة القضائية ومن ثمة على نجاعتها؛ لذلك فإن الحلم للوصول سنة 2020 إلى عدم مادية الإجراءات la dématérialisation des procédures لن يتأتى أبدا، مالم يتم البدء من الآن في ضبط الملفات وترتيبها على الشاكلة التي تضبط عليها ملفات الرسوم العقارية بالمحافظة عن طريق ملفات فرعية مرقمة ( SD ) تمهيدا لنقلها إلى مرحلة "اللاتجسيد"، بل إن في ملفات المحكمة الخاصة للعدل سابقا والمحكمة العسكرية نموذجا لحسن حفظ الملفات وضبطها، لأن المرحلة الإنتقالية من المادية الى "اللاتجسيد"، تقتضي أن لا تكون الملفات على الشاكلة الحالية. والرابعة هي تداخل ما هو قضائي محض، بما هو إدارة قضائية ومهام تدبيرية وتسييرية ومالية، سواء على مستوى الرئاسة ( رئيس أول – وكيل عام للملك، رئيس محكمة ووكيل الملك لديها ) أم على مستوى رئاسة كتابة الضبط لدى هذه الجهة وتلك، بحيث بات لزاما تحديد المهام والفصل بينها لضمان النجاعة والفعالية. ويمكن مناقشة حسن تدبير وتسيير العدالة الجنائية في جانبهما المتعلق بالعنصر البشري والمادي وجودة الخدمات القضائية، ثم في التحديث والعصرنة وإمكانية تأثيرهما على المحاكمة العادلة، وعلاقة تلك العدالة بالإعلام، وأخيرا في حسن التتبع والتقييم.فمن حيث العنصر البشري، يلاحظ أن الخطاب الملكي قد أكد على ضرورة " تأهيل الموارد البشرية، تكوينا وأداء وتقويما "؛ كما أكد جلالته على " تأهيل الهياكل القضائية والإدارية، وذلك بنهج حكامة جديدة للمصالح المركزية لوزارة العدل وللمحاكم، تعتمد اللاتمركز، لتمكين المسؤولين القضائيين من الصلاحيات اللازمة ".فهناك التكوين والأداء والتقويم، ونهج الحكامة الجديدة والجيدة، ممايقتضي وضع أسلوب منهجي لحسن تدبير الموارد البشرية وحسن تكوينها تكوينا أساسيا ومستمرا وتخصصيا، مع ربط ذلك بالتحفيز وبتحمل المسؤوليات، لأن" ضمان جودة الخدمات القضائية، إن كان يقتضي وضع نظام فعال للتحفيز، فإنه يقتضي في الوقت ذاته ربط ذلك بالمساءلة". ويلاحظ في هذا الإطار أن سوء تدبير وتسيير العنصر البشري واحد من أسباب عدم نجاعة العدالة الجنائية، فالخصاص لجهة والوفرة بجهة أخرى، ومن يقوم بكل شيء ومن لا يقوم بأي شيء، ومن لا يعرف جيدا طبيعة عمله، أو يعمل في غير مجال تخصصه، كلها من بعض سمات العدالة الجنائية، كما أن " النقص في عدد القضاة وفي عدد الموظفين، وضعف التكوين وخاصة في مجال فلسفة العقاب، يعتبران من الأسباب المعيقة لتطور القضاء ". وأن قلة عدد القضاة، المختصين في القضايا الجنائية يطيل أمدها، ويؤثر على جودة القرارات والأحكام التي يصدرونها، مما يقتضي إيلاء موضوع التكوين والتكوين المستمر للقضاة المختصين في الموضوع أهمية خاصة، والقول نفسه يصدق بالنسبة للخبراء وغيرهم من العاملين في مجال العدالة الجنائية، وخاصة المحامين الذين أضحى مطلوبا منهم اليوم أكثر من أي وقت مضى التخصص والتخصص داخل التخصص، ومواكبة التطور التكنولوجي في مجال المعلوميات، مع تنظيم الديمومة بهيآتهم. أما سوء تدبير وتسيير الموارد المادية، فإن لكل ملف كلفته المالية الخاصة، وعبؤه على خزينة الدولة، وعلى الذمة المالية للمتقاضي ولمحاميه، بل إن لكل إجراء كلفته، ففي تنقل المحامي إلى المحكمة لغرض معين دون تحقيقه، وفي نقل السجين من السجن إلى المحكمة وعودته إليه كما جاء، وفي تأخير الملفات بسبب وبدونه، وحضور الشهود وعودتهم، في ذلك كله كلفة.لذلك أضحى من الضروري التفكير في موضوع تدبير وقت العدالة الجنائية، وربط ذلك بالكلفة المالية، ووضع قواعد وترتيبات لأحسن الطرق لاقتصاد المصاريف، وبعبارة أخرى لا بد من وضع أسلوب منهجي للتدبير والتسيير système de marketing " "Unعن طريق مختصين في ذلك يتم إلحاقهم بالمحاكم، يساعدون، في "إطار كتابات عامة لدى بعض المحاكم الكبرى أولا، ثم لدى غيرها فيما بعد، على التدبير والتسيير، بما في ذلك التنظيم المحكم للجلسات القضائية والإعلان عنها، من خلال جدول زمني مضبوط، بموجب استدعاءات واضحة وكاملة، وبالوسائل التي من شأنها أن تطلع المتقاضي ودفاعه بكل سهولة ويسر على مكان وجود المحكمة وميقات الجلسة، بالساعة والدقيقة، ومكان انعقادها، والهيأة القضائية المكلفة بها وغير ذلك من المعلومات، وتحري أسباب التأخيرات وتقييمها والعمل على الحد منها، ومن عدم ترشيد النفقات. بقلم: طيب محمد عمر, المحامي بهيأة الدار البيضاء

دراسة في القانون: تصورات حول نجاعة العدالة الجنائية (الحلقة الثامنة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إيقاف متربصين بالملك في شوارع الرباط

الحاضي يقتل تسعة أطفال ويصبح آلة انتقام بالسجون

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات