تحرير البنية التقليدية لاقتصاد الصحراء

محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية قال إن السياسات المعتمدة في الجنوب أثرت على واجب التضامن الوطني قال الأستاذ محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن الورقة التأطيرية للتنمية بالأقاليم الجنوبية، التي عرضها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، من شأنها أن تساهم في "بناء التراكم الأولي الذي يساعد على تحرير مجال خلق الثروة في الأقاليم الجنوبية من الاحتكار". وأضاف الغالي في حوار مع "الصباح"، أن الجهوية المتقدمة تشكل نمطا من التدبير المعاصر المعتمد على تثمين المقومات والخصوصيات المجالية، بإشراك السكان المحليين في كل مسلسل تنموي انطلاقا من حمولاتهم الثقافية . وأشار الغالي إلى أن هذه المبادرة "تشكل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح الذي سيحرر المجتمع الصحراوي من أسر اقتصاد يعتمد قيم الولاء المبني على قرابة الدم إلى الاقتصاد المبني على قيم الفعالية والنجاعة"، مضيفا أن طبيعة بعض النخب والأعيان في المجتمع الصحراوي تشكل أكبر عائق يحول دون إنتاج أنماط جديدة في الإدارة والتدبير أو تيسير عملها، تتجاوز البني التقليدية للاقتصاد في الأقاليم الجنوبية. في ما يلي نص الحوار: هل تعتقدون أن النموذج التنموي الذي اقترحه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كفيل بإعادة توزيع الثروة في المناطق الجنوبية؟ في اعتقادي هذه المبادرة، ولو أنها جاءت متأخرة، ولكن بالنظر إلى سياق إطلاقها تبقى مهمة وكفيلة لبناء التراكم الأولي الذي يمكن أن يساعد على تحرير مجال خلق الثروة في الأقاليم الجنوبية من الاحتكار، والذي يجد مشروعيته في مجموعة من العوامل الثقافية المرتبطة بطبيعة ثقافة المجتمع الصحراوي الذي يتميز بتضامنات تعتمد على الولاء للقبيلة، ومنها العائلات الكبرى النافذة، ليس في الاقتصاد فقط، ولكن كذلك في المجال السياسي. وعليه هذا النموذج التنموي يمكن أن يشكل مدخلا لإعادة هيكلة وبناء الاقتصاد في هذه الأقاليم حتى يتحرر من اقتصاد مغلق يعتمد على بنيات تقليدية تتميز بالاحتكار والولاءات، إلى اقتصاد منفتح يعتمد على التنافسية وتكافؤ الفرص بين مختلف الفاعلين في الأقاليم الجنوبية. ما هي في اعتقادكم، أهم الإشكالات التي تعترض تنزيل هذا البرنامج؟ أكبر الإشكالات تكمن في الثقافة التي تكرست لدى الناس، والمتمثلة في الكسب دون مجهود من خلال الحصول على بطاقات للدعم، مثل بطاقات الإنعاش، أو الحصول على رخص أو حصص من الوظائف في شكل كوطا. وهذه الثقافة المستشرية ولدت اعتقادا لدى سكان هذه المناطق يكمن في أن كل ما تقدمه الدولة لهم غير كاف ولا يصل إلى حد إشباع حاجياتهم بالقدر الذي يرضيهم، مما يخلق لهم دائما شعورا بعدم الارتياح. كما أنه من بين الإشكالات الكبرى تكريس ثقافة الاقتصاد غير المهيكل البعيد عن مراقبة الدولة من خلال التهريب وعدم التصريح بمختلف الأنشطة وهيمنة الصناديق السوداء في معالجة مجموعة من المشاكل، كما أن إعفاء هذه المناطق لسنوات من ضرائب كمية ونوعية، قلل من تربيتهم على واجب التضامن الوطني، وجعل شعورهم اتجاه الدولة خال من كل التزام اتجاهها، وساعد في المقابل على تشكيل زعماء أصبح لهم من الإمكانيات ما أهلهم في مجموعة من المحطات إلى تبوؤ مكانة المهدد للتوازن المؤسساتي للدولة. هل هي نهاية أدوار «كوركاس» من خلال برنامج المجلس الاقتصادي والاجتماعي و البيئي؟ يمكن الاحتفاظ بالـ»كوركاس» في نطاق معين، ولكن كمؤسسة استشارية يتم تكييف دورها مع التحولات المعاصرة. لكن مع نظام الجهوية المتقدمة سيتم قيام هياكل جهوية في الأقاليم الجنوبية من خلال مجالس تتمتع بالشخصية القانونية الكاملة، تمكنها من إدارة وتدبير الشؤون العامة لجهة أقاليم الصحراء بنوع من الاستقلالية، وذلك كفاعل له سلطاته التقريرية إلى جانب مؤسسات الدولة المركزية الأخرى؛ مما يعني أن سكان الأقاليم الجنوبية سيكون لهم دور أساسي في تحديد مصيرهم الاقتصادي والاجتماعي بشكل فعلي وعملي وليس بشكل صوري. كيف تقرؤون تحولات المجتمع الصحراوي على ضوء هذه التغيرات؟أعتقد بأن هناك تحولات عميقة طرأت على المجتمع الصحراوي، لم يتم بعد حسن قراءتها واستثمارها في الاتجاه الذي يتفاعل وطبيعة هذه التحولات، والسبب في ذلك هيمنة البنى المحافظة من خلال النخب التقليدية التي تتوفر على سلاح المال للتحكم، وبالتالي احتواء أي فعل أو أي تأثير للنخب الصحراوية المعاصرة التي تلقت تعليما عصريا ولها تصور جديد في كيفية إدارة وتدبير الأمور؛ وبالتالي مادام من يتحكم في مداخيل المال سيتحكم في توجيه البنى الاجتماعية واحتوائها، فقد يشكل هذا أكبر عائق في إنتاج أنماط جديدة في الإدارة والتدبير أو تيسير عملها، وفي أحسن الأحوال حتى لو فرض الإصلاح منطقه بقوة الشيء، فإن ذلك سيقود إلى إفراغه من روحه حيث نجد أنفسنا أمام بنىً بلباس عصري وعقلية تقليدية محافظة، يشكل الريع مصدرا أساسيا لتجديد مشروعيتها. الجهوية والبنى التقليدية للاقتصاد يمكن اعتبار مبادرة المخطط التنموي بداية حقيقية لإخراج المنطقة من أنماط التدبير المؤسساتي، إذ ما تزال محكومة بالبنى التقليدية التي يحضر فيها عامل الولاء بقوة للقبيلة بكل ما تحمله من أبعاد في انتاج وإعادة إنتاج قيم المجتمع الصحراوي. ومادامت الجهوية المتقدمة تشكل نمطا من التدبير المعاصر المعتمد على تثمين المقومات والخصوصيات المجالية من خلال ثراء الإقليم ومقدراته الحاضرة أو المستقبلية، وكذلك الاعتراف بدور السكان المحليين في كل مسلسل تنموي انطلاقا من حمولاتهم الثقافية التي يحددها نظام القيم السائد بينهم، فإن هذه المبادرة تشكل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح الذي سيحرر المجتمع الصحراوي من أسر اقتصاد يعتمد قيم الولاء المبني على قرابة الدم إلى الاقتصاد المبني على قيم الفعالية والنجاعة وحسن الأداء. في سطور - أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بمراكش- خبير في الدراسات البرلمانية والمجالس الجماعية- صدرت له مؤلفات في العمل البرلماني ومناهج البحث العلمي. أجرى الحوار: إحسان الحافظي

تحرير البنية التقليدية لاقتصاد الصحراء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اتساع دائرة المرحبين وتوجس وسط أغنياء الصحراء

الممثل محمد مجد يجتاز وضعا صحيا صعبا

مقالات ذات صلة