خارطة طريق لخلخلة ريع “أغنياء الحرب” في الصحراء

مخطط التنمية بالأقاليم الجنوبية يكشف الخلل في احتكار الثروة ويوصي بإعادة تشكيل قنوات المساعدات بالمنطقة بعث أقطاب الصحراء إشارات سلبية إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، شكيب بنموسى، على خلفية الجولة الأخيرة إلى العيون والداخلة، لتقديم المخطط التنموي بالأقاليم الجنوبية. فقد قاطع مجموعة من البرلمانيين والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، بالمنطقة لقاءات متحججين تارة بغياب التنسيق، كما حدث في العيون، وتارة أخرى بتدخل الإدارة الترابية، كما جرى في اجتماع بنموسى بمدينة الداخلة.إشكالية الريع في اقتصاد الصحراءلقد غاب البرلمانيون عن هذه الجولة، وبعثوا رئاسة إلى بنموسى يشتكون فيها من "التصرفات والإجراءات المتخذة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، رافقت إعداد ومناقشة الورقة التأطيرية حول نموذج التنمية بالأقاليم الجنوبية". النواب اشتكوا أيضا، من استثنائهم خلال إعداد هذه الورقة و"في ذلك نوع من الاستخفاف بالدور المنوط بالنواب والمؤسسة التشريعية". الرسالة التي بعث بها النواب انتقدت "الاستعجال الذي طبع المشاورات، عند الإعداد وبداية المناقشة، وعدم إعطاء فرصة زمنية كافية لمن تمت استشارتهم"، معتبرين أن ذلك من شأنه أن "يجعل الاستشارة شكلية، ويشكل نوعا من اللامبالاة والاهتمام، وعدم تقدير لأهمية هذا المشروع".وأثار المخطط التنموي، الذي يعرضه مجلس بنموسى، جدلا واسعا بسبب حديثه عن الريع الاقتصادي بالأقاليم الجنوبية، وسوء توزيع الخدمات والموارد التي تقدمها الدولة، ما سمح ببروز فئة جديدة من الأقطاب الصحراويين، يتحكمون في عصب الاقتصاد، في قطاعات الصيد والفلاحة وتوزيع الأغذية والمنافع، يطلق عليهم اليوم "أغنياء الحرب". فقد أشار تقرير المجلس بوضوح إلى مظاهر الريع الاقتصادي، حين اعتبر أن التوترات الاجتماعية التي تعانيها الأقاليم الجنوبية، مردها بالأساس إلى تفشي معدلات البطالة (17 في المائة)، رغم ما تستفيد منه هذه المناطق من آليات مساعدة التي تضخ في قنواتها الدولة ما يقارب 4.6 ملايير درهم. التقرير كشف أن هذه الإمكانيات لا تستفيد منها الفئات الاجتماعية كلها، وهي "وضعية نتيجة آليات المساعدات المباشرة وغير المباشرة المخصصة للمنطقة، منها الإنعاش الوطني، والمساعدات الغذائية، والأجور المضاعفة، والإعانات في مجال التغذية والمحروقات، والإعفاءات الضريبية وغيرها"، ذلك أن هذه الآليات "وفي غياب نظام من شبكات اجتماعية خاصة تغطي مجموع حاجيات المنطقة، بدون أن تستهدف بالضرورة الفئات الأكثر عوزا".إمكانيات التنمية وواقع الحالتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن الصحراء، تحدث عن مجموعة من المؤشرات الإيجابية التي تبين حجم الجهود التي بذلتها الدولة لإنجاح تجارب التنمية بالأقاليم الجنوبية، فالمنطقة "تتوفر على مؤشرات اجتماعية من بين أفضل المؤشرات على المستوى الوطني، كما يشهد بذلك المؤشر الجهوي للتنمية البشرية، المقدر بنحو 0.729، مقابل 0.672 على المستوى الوطني، ونسبة محو الأمية التي تبلغ 63 في المائة مقابل 57 في المائة على المستوى الوطني، ونسبة الفقر التي تقدر بنحو 6.5 في المائة، مقابل 10 في المائة على المستوى الوطني". كما أن نسبة ولوج السكان إلى الخدمات العمومية مرتفعة مقارنة بالأرقام الوطنية فـ"تغطية الكهرباء 84 في المائة مقابل 70 في المائة وطنيا، والماء 69 في المائة مقابل 55 في المائة وطنيا"، وهي كلها مؤشرات مرتفعة مقارنة بما تحقق في باقي جهات المملكة، غير أنها لم تنجز إقلاعا اقتصاديا بالمنطقة، رغم التحفيزات المالية من قبيل الإعفاء الضريبي عن الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة والرسوم المحلية.بالمقابل، اعترفت الورقة التأطيرية للأقاليم الجنوبية، بفشل نهج الدولة في مقاربة التنمية بهذه الأقاليم، فقد ساهمت هذه السياسة في خلق فئات اجتماعية تعيش على اقتصاد الريع، باتت تحتكر الثروة اليوم، وتعيد توزيعها داخل حلقة ضيقة انتخابية أو قبلية. وهو ما يعني أن مراجعة هذه المقاربة بات ضرورية لإنتاج الثورة أولا ثم توزيعها ثانيا، بما يشكل مقدمة لتنزيل الجهوية الموسعة، التي يفترض أن تجد الإطار الاقتصادي الصلب لتسيير الصحراويين شؤونهم بأنفسهم، في إطار نظام حكامة ترابية يروم تعزيز سلطات الهامش وتخليصها من التبعية إلى المركز. خارطة طريق بنموسى في الصحراء ركز المجلس الاقتصادي والاجتماعي على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية في تنزيل المشروع التنموي بالأقاليم الجنوبية. ويعتمد المجلس في تحقيق هذه المقاربة على ثلاث ركائز أساسية، أولاها، الاعتماد على المبادئ المحددة في الدستور وذلك باعتبارها "إطارا معياريا يعتبر تفعيله الجيد في حد ذاته رافعة مهيكلة من أجل إعادة صياغة ناجحة ومستدامة للسياسات التنموية للجهات الجنوبية". أما الركيزة الثانية، ففي ترمي إلى تجسيد الأهداف المسطرة في الميثاق الاجتماعي الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لـ"تمكين الأقاليم الجنوبية من الاستفادة من ذلك وضمان الولوج إلى الحقوق والخدمات الأساسية، والنهوض بالرفاه الاجتماعي والوقاية من الإقصاء وتشجيع الإدماج ومظاهر التضامن والارتقاء بالحوار الاجتماعي والحوار المدني والشراكات، وتدعيم الحكامة المسؤولة والأمن الاقتصادي، وتشجيع المبادرة الخاصة وترسيخ الديمقراطية الاجتماعية"، فيما تراهن الركيزة الثالثة على تحقيق مشاركة للسكان في تنزيل هذا البرنامج بالاستماع إلى الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين واستقاء وجهات نظرهم. إحسان الحافظي

خارطة طريق لخلخلة ريع “أغنياء الحرب” في الصحراء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المجلس الاقتصادي والاجتماعي يواصل جولته الحوارية في الصحراء

اتساع دائرة المرحبين وتوجس وسط أغنياء الصحراء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات