قافلة خيرية لتخفيف وطأة البرد عن سكان أزيلال

جمعويون من الحي المحمدي بالبيضاء ينظمون قافلة تضامنية لتوزيع الملابس والأغطية والأدوية على سكان قرى تحاصرها الثلوج والفقر عجلة الحظ اختارت سكان الجماعة القروية لواولى، وهؤلاء من جملة التجمعات السكنية المحاصرة بين قمم جبال الأطلس المتوسط التي كانت على موعد مع قافلة تضامنية نظمتها "كنفدرالية جمعيات عين السبع الحي المحمدي" بتنسيق مع فعاليات جمعوية ومدنية بإقليم أزيلال. القافلة التي أطلق عليها "قافلة تضامنية لفائدة سكان المناطق الجبلية التابعة لإقليم أزيلال"، كانت فرصة لنقل عدة أطنان من الألبسة إلى سكان الجماعة القروية والدواوير التابعة لها، زيادة على الأدوية وأطقم طبية لإجراء فحوصات لفائدة سكان هذه المناطق، التي تعاني حرمانا على صعيد البنيات التحتية والخدمات الأساسية، وفي مقدمتها التطبيب... الفكرة كانت نيرة وربما غير مسبوقة في تاريخ العمل الخيري الموجه إلى المناطق الواقعة بين فجاج وأعالي السلاسل الجبلية، إذ اختار منظمو القافلة التضامنية أن ينطلقوا صوب منطقة واولى عشية مع منتصف الليلة التي كان العالم غارقا فيها في احتفالاته برأس السنة الجديدة، غير عابئ بأولئك الذين لا يجدون حتى ما يسدون به رمقهم أو يستدفئون به في عز موجة البرد القارس التي تجتاح المنطقة منذ نهاية شهر أكتوبر الماضي وتتواصل إلى اللحظة التي تقرؤون فيها هذه التغطية وستستمر إلى ثلاثة أو أربعة أشهر المقبلة، كما أكد ذلك ل"الصباح" عدد من سكان المنطقة. حركة دؤوبة بالحي المحمدي طيلة نهار يوم الاثنين الماضي، ظل العشرات من الشباب؛ من الجنسين، منهمكين في إعداد وتهييء وتحميل المساعدات الموجهة إلى سكان "الجبال"، كما يسميهم كثيرون، على متن حافلتي أسفار كبيرتي الحجم وحافلتين متوسطتين وسيارة متوسطة الحجم. استمر الجميع في عمل دؤوب على قدم وساق إلى حدود منتصف الليل من تلك الليلة الباردة، وهم يشحنون المئات من كومات الملابس والعلب الكارتونية المملوءة أدوية. نشاط هؤلاء الشباب والأطفال وكذلك النساء والرجال وحتى بعض الكهول والشيوخ، خلق جوا من المرح والحماس بحي دار لمان بالحي المحمدي، وبالضبط عند مقر إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة الموجودة بالقرب من نهاية خط الحافلات رقم 87. فرادة الفكرة لا تتوقف عند التوجه إلى تلك المناطق شبه المنكوبة طبيعيا، بل إن قوة تميزها تنبع أيضا من عدد الأشخاص الذين فضلوا التوجه في ليلة رأس السنة إلى المنطقة سعيا وراء إدخال البهجة والفرح والسرور على أنفس سكان واولى وبعض الدواوير المحيطة بها، إذ بلغ عددهم 250 شخصا أغلبهم من الأطفال والشباب. هؤلاء ساهموا في التبرع وكذلك جمع التبرعات، خاصة الملابس والبطانيات، وخرجوا في ليل البيضاء البارد، وتحملوا برد أزيلال ونواحيها القارس، كما كانت لهم قدرة كبيرة على تحمل تعب الطريق الطويلة والمنهكة والتي تتلوى وسط المرتفعات الجبلية كأنها ثعبان يزحف نحو القمم المكسوة بالثلج. حماس وقوة تحمل العدد الكبير من الأطفال، ذكورا وإناثا، والرجال والشيوخ، الذين ساهموا في هذا العمل الخيري، اختاروا أن يبرهنوا على هذا التضامن بفعلين. أولا ساهموا بالمال والملابس والأغطية، وهي مساهمة مادية، وثانيا ساهموا معنويا بأن توجهوا إلى المنطقة التي لا يعرف أغلبهم واقعها وظروف عيش أهلها إلا من خلال ما تنقله بعض الروبورتاجات البئيسة للقنوات التلفزيونية "الوطنية"، أو الصور الموسمية التي تُطبع على صفحات الجرائد.تحملوا مشقة الطريق الطويلة نسبيا، وبرزت قوة تحملهم أكثر عندما بلغوا الطرق الملتوية التي تقود إلى تلك المناطق المنعزلة، حيث تبدأ هبات الريح الباردة في التسرب إلى داخل الحافلتين مثيرة قشعريرة في أجساد الأطفال الذين لم يتعود معظمهم، إن لم يكن كلهم، على درجات حرارة تكاد تدنو من الصفر أو تحته. المائتان وخمسون شخصا، ومعهم النشطاء الجمعويون، أبانوا عن قدرة تحمل كبيرة عندما صمدوا في وجه طول المسافة والبرد والسهر. فطيلة الرحلة، التي استمرت حوالي سبع ساعات، لم ينم إلا القليلون وعلى فترات متفرقة استمرت بضع دقائق لا أقل، خاصة مع الاهتزازات الناجمة عن طبيعة الطريق، التي تبدأ تسوء بمجرد مغادرة مدينة ابن جرير.لم يخفف من وطأة ساعات السفر الطويلة وجو الرتابة الذي يخلقه الليل البارد والسماء الملبدة سحبا، إلا بعض الشباب الذين سعوا إلى بث روح المرح والدعابة في أوساط المتضامنين، إذ تنابوا على ترديد مقاطع غنائية ينسجم غالبها مع المرحلة العمرية للأطفال المشاركين في القافلة التضامنية، ثم تبادل النكات، كما ساهما سائقا الحافلتين الكبيرتين في تخفيف عبء طول الرحلة من خلال أشرطة غنائية تطرب لها النفس وتبتهج. الرجال والشيوخ الذين رافقوا القافلة، انخرطوا من جهتهم في أحاديث ثنائية أو رباعية الأطراف يحكون فيها تجارب بعضهم في مناطق مشابهة في ظروفهم للمنطقة التي تقصدها القافلة التضامنية، وآخرون تناولوا واقع عيش أهالي الجبال القاسي موضوعا للنقاش والتعبير عن التعاطف معهم والإشفاق لحالهم. لسعات برد أزيلال مباشرة بعد انطلاق الرحلة، على إيقاع ضحكات الأطفال ومرحهم وشغبهم البريء، شرعت إحدى المشاركات في القافلة في توزيع أكياس بلاستيكية على الذين يحتمل أن يشعروا بالغثيان أو تنتابهم رغبة في التقيؤ، خاصة أولئك الذين ليس لهم تجربة في الرحلات الطويلة مثل هذه التي يخوضون صوب إقليم أزيلال. لكن رغم هذه الخطوة الاحترازية، فإن أحد المشاركين لم يتمالك نفسه فبدأ في لفظ كل ما تناوله ذلك اليوم من أطعمة ومشروبات، رغم أن الحافلة كانت بالكاد قد ابتعدت عن مدينة الدار البيضاء. سائق الحافلة اضطر إلى التوقف عدة دقائق من أجل إجراء عملية تنظيف وإزالة آثار القيء. بمجرد أن دخل الموكب التضامني إلى المجال الترابي لإقليم أزيلال، مباشرة مع بداية انبلاج الظلام الدامس واندفاع أول أشعة سماء المنطقة المبقعة غيوما والتي تزداد قتامة كلما تعمقت القافلة التضامنية في فجاج جبال أزيلال، حتى بدأت لسعات البرد الحقيقية، والتي تزيد حدة وقعها على نفسية المسافرين عندما يتطلعون إلى القمم المغطاة بالبياض والتي بدأت تلوح في الأفق، لكن ذلك لم يطفئ شعلة الحماس في نفسية الأطفال الذين ازدادوا ابتهاجا بتلك المشاهد، وبدؤوا يتسابقون في من يرصد قمة جبلية مغطاة بالثلج، وهم يشيرون إليها بالبنان متوهمين أنها على بعد خطوات فقط من أناملهم الصغيرة... وأخيرا وصلوا... عندما حط الموكب الرحال بالجماعة القروية لواولى كانت عقارب الساعة قد دنت من التاسعة صباحا. سماء الجماعة ملبدة غيوما، وفضاؤها تخترقها هبات ريح شديدة البرودة تخترق المسام وتنفذ إلى العظام وتبث في الجسد قشعريرة تهز الأوصال، وكثير من أهلها تجمعوا حول منصة نُصبت في وسط السوق الأسبوعي للمنطقة، مزينة باللافتات المرحبة بالقافلة والأعلام وتحيط بها ثلاثة مكبرات صوت. نساء ورجال وأطفال وشيوخ جاؤوا ليستفيدوا مما تحمله القافلة التضامنية. بعضهم يرغب في كشف طبي وأدوية، وآخرون يحتاجون إلى سترات وقمصان وسراويل وجوارب وأحذية وأغطية وبطانيات تقيهم حر البرد الشبيه بوخز الإبر.فريق التنشيط المرافق للقافلة التضامنية خلق جوا من الاحتفالية رغم الجو البارد، وزاد سكان المنطقة بهجة وهم الذين يكفيهم فقط أن بضع عشرات من سكان المغرب النافع تذكروهم في هذه الفترة بالضبط من السنة التي يشتد فيها البرد وتظهر فيها بحدة درجة الخصاص في المواد الغذائية. غالبية أطفال المنطقة يرتدون ملابس متواضعة يحاولون أن يحتموا بها من البرد وضراوته، والنساء بدورهن يغطين أجسادهن بأكوام متنوعة من الملابس خشية لسعات البرد. حجرات مجموعة مدارس واولى كانت الفضاء الذي تم بها إجراء الفحوصات الطبية وعمليات الإعذار الجماعية لأطفال المنطقة (والتي وصل عدد المستفيدين منها إلى أكثر من 300 طفل)، إذ تم إفراد قاعة لكل تخصص، فواحدة للطب العام وأخرى لطب العيون وثالثة لطبيبة أمراض القلب والشرايين ورابعة لطب العظام، فيما تم تخصيص قاعة كاملة لاستقبال المرضى الذين تم الكشف عليهم من أجل تسليمهم الأدوية التي وصفها الأطباء الذين أجروا الفحوصات، إذ وصل عددهم إلى أكثر من ألف شخص. القافلة نقلت 200 ألف درهم من الأدوية إلى المنطقة، زيادة على أطنان من الملابس والأغطية، وهي المواد التي تطلب جمعها ثلاثة أشهر من العمل الدؤوب. وتم توزيع هذه المساعدات على سكان الجماعة القروية لواولى، غير أن الخدمات الطبية، التي رُصدت لها سيارة إسعاف كاملة ومجهزة، فلم يكن لسكان دواوير منطقة "تيسقيما" نصيب منها لكنهم نالوا حصة من الملابس والأغطية لتخفف عنهم وطأة البرد المتدفق من الجبال التي تطوقهم من كل جانب.هذه القافلة الخيرية شارك فيها كذلك عدد من الوجوه البارزة، في مقدمتها وزير الشباب والرياضة محمد أوزين، الذي انتقل إلى المنطقة واطلع على سير عملية توزيع المساعدات، وكذلك الفحوصات التي خضع إليها السكان، كما انتقل رفقة عدد من المشاركين إلى دواوير منطقة "تيسقيما"، حيث وقف على حجم معاناة سكانها. كما شارك فيها الرياضي العالمي عبد العاطي إيكيدر، أما البطلة الأولمبية نجاة الكرعة، فإنها أصرت كثيرا على مرافقة القافلة، لكن تدخل بعض المشاركين لثنيها عن ذلك نظرا لحالتها الصحية، كما شارك ضمن القافلة الفنان الكوميدي "جواج". إنجاز: محمد أرحمني (موفد الصباح إلى أزيلال)

قافلة خيرية لتخفيف وطأة البرد عن سكان أزيلال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قائد نجل جنرال يعتدي على نقابي في "البيجيدي"

تحطم طائرة سياحية ينهي أحلام أسرة مالك "كولورادو"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات