السلفيون المغاربة في زمن الربيع العربي

"صحوة" السلفيين بعد نهاية مرحلة السجون والخروج إلى العلن مع وصول الإسلاميين إلى السلطة هل استعاد السلفيون المغاربة نشاطهم في زمن الربيع العربي؟ سؤال يبدو بديهيا، سيما أن أحداثا سياسية أعادتهم إلى الواجهة، بعد تخلصهم من تبعات الإيقاف التي تلت أحداث 16 ماي الإرهابية، ووصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة التنفيذية... وتكشف تحركات السلفيين أن هناك "جيلا" جديدا منهم استفاد من دروس الماضي، إذ أعلن بعضهم تأسيس ما سمي "تنسيقية أنصار الشريعة بالمغرب» بصفتها تجمعا للدعوة، فهل تخلص السلفيون من «عقيدة» التكفير؟ أم أن الأمر ليس إلا خطة هدفها الاستفادة من وصول «إخوانهم» إلى السلطة؟في تطور مفاجئ في الحقل السياسي الديني، أعلنت فعاليات سلفية في المغرب تأسيس تنظيم سياسي أطلقت عليه اسم «تنسيقية أنصار الشريعة بالمغرب»، ولجأت إلى بث على الصفحة الرسمية للتنسيقية بموقع التواصل الاجتماعي، بل أكثر من ذلك اختارت لها رمزا «انتخابيا» عبارة عن جرار مصحوب بجملة «أبناؤكم في خدمتكم.. أنصار الشريعة.. حملة لننشر شريعتنا»، قبل أن تغيير الرمز إلى شعار «لا إله إلا الله محمد رسول الله» على راية سوداء مرفوق بالآية الكريمة «ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون».ووسط زخم الجدال السياسي الذي تلا تعيين حكومة بنكيران، بدأت بوادر الإرهاصات الأولية للوجود السلفي على الساحة السياسية تلوح في الأفق، أحيانا في شكل مظاهرات لإطلاق سراح المعتقلين داخل السجون، أو وقفات لنصرة الرسول الكريم، بعد نشر الرسوم المسيئة، ثم خرج سلفيون «جهاديون جدد» إلى الوجود من خلال تهديد حكومة بنكيران في بيانات لم تقد كل التحريات الأمنية إلى كشف هوية أصحابها... محطات عديدة بدت خلالها «اللعبة» السلفية أشبه بتجارب دول شهدت الربيع العربي، خاصة تونس وليبيا ومصر، مع اختلافات بسيطة تتمثل في أن أغلب السلفيين «الجدد» لا يجمعهم قاسم موحد أو شخصية كاريزماتية من شأنها جمع شتاتهم، بل حتى من سموا «شيوخ السلفية» أصبحوا من الماضي في نظر بعضهم.أحداث كثرة تعيد طرح أسئلة حول طبيعة الوجود السلفي بالمغرب. فهل يتعلق الأمر بتنظيم جنيني بصدد الإعلان عن نفسه؟ أم أن هناك تيارات سلفية تتطاحن فيما بينها حول ادعاء تمثيليتهم، خصوصا أن «نخبة» هؤلاء السلفيين رفضت انضمامها إلى ما سمي بـ»تنسيقية أنصار الشريعة بالمغرب»، إذ نفت أم آدم المجاطي، زوجة كريم المجاطي الذي قتل رفقة ابنه آدم في أحداث بالعربية السعودية سنة 2005، انتماءها للتنظيم، رغم أنها تشكل أحد الأوجه المتنفذة في كل التحركات السلفية بالمغرب.كشف تحول السلفيين من مرحلة الخمول التي تلت أحداث 16 ماي الإرهابية إلى الإعلان عن تنسيقية أنصار الشريعة بالمغرب يبدأ من الورقة المذهبية لإعلان التأسيس، فهي تحدد أفكار هذه الفئة وتوجهاتها المستقبلية وعلاقتها بباقي التيارات الإسلامية الأخرى.عرفت التنسيقية نفسها بأنها إطار دعوي تربوي وسياسي سلمي، وتسعى إلى «التحذير من العلمانية والقوانين الوضعية، وتدعو إلى تحكيم الشريعة والمساهمة في عودة دولة الخلافة باعتبارها نظاما سياسيا جامعا لوحدة الأمة»، بالمقابل، اعتبرت العلمانية «غرسا خبيثا ودخيلا على الأمة وثقافتها، وهي كفر بواح ومروق ظاهر من الدين».وحدد واضعو الورقة المذهبية أسباب خروجهم إلى العلن، ومنها «الواقع المتردي وشيوع حالة الظلم والاستبداد السياسي والفساد والتخلف»، و»خلو الساحة من قائم لله بالقسط يدعو إلى حكم الشريعة»، ثم قدموا أنفسهم بديلا عن الجماعات الإسلامية الأخرى التي تراجعت «عن تحكيم الشريعة تحت ضغط الواقع»، حسب قولها.لم تخرج الورقة المذهبية عن «تاريخ» الوجود السلفي في المغرب، تماما كما في باقي الدول العربية، إذ وجدت في المساجد، منذ بداية الألفية، فضاء مثاليا في تأسيس النواة الأولى للسلفيين، فالمسجد هو المكان الأول لالتقاء قادة هذه التيارات، ثم سرعان ما تشكلت الخلايا الأولى. ورغم تعدد التنظيمات، إلا أنها تلقائيا اشترطت في أتباعها الالتزام بالمظهر الوهابي أولا (اللحية والجلباب).تخفي الورقة المذهبية حقيقة تأسيس التنظيم السلفي ومرجعيته السياسية ونشأته منذ سنة 2000، إذ ظل ينهل من المنهج السلفي وكتابات السلفيين المشارقة، كما التزم الأتباع بحضور دروس الشيوخ. وتشهد محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تفاصيل مملة عن لقاءات السلفيين والأماكن الخاصة بها وشيوخهم ونوعية الدروس التي يتلقونها، بل حتى الأشرطة المتداولة فيما بينهم.وتفادت الورقة المذهبية، في الوقت نفسه، الحديث عن مراحل نشأة التيارات السلفية، خلافا لتنظيمات أخرى، إذ بلغ السلفيون قمة تنظيمهم مع أحداث 16 ماي الإرهابية التي أجهزت على أحلامهم بالتوسع أكثر مما أفادتهم، كما حكى أكثر من سلفي ل»الصباح». وشهد السلفيون خطا تصاعديا، قبل أن تعصف بهم الحملة الأمنية التي تلت الأحداث الإرهابية.استلهم السلفيون، قبيل الأحداث الإرهابية، النموذج المشرقي في الاستقطاب، واعتمدوا في مجال «التجنيد» على استقطاب الملتزمين بتعاليم الإسلام، أيا كان انتماؤهم الفكري، اعتبارا أن خلافهم الرئيسي مع باقي الجماعات الإسلامية الأخرى يتمثل في (طريقة التغيير)، فإقناع الملتزم الديني بهذه الفكرة يحوله إلى شخص صالح للالتحاق بهم، لكن كانت لهم بالطبع بعض الملاحظات والخلافات القليلة والجوهرية مع جماعات السلفية التقليدية والعدل والإحسان، حتى أن مراكز جامعية كانت تشهد «حروبا» بين هذه التيارات في تفاصيل تخص العقيدة والسياسة.هناك نقط تقاطع داخل التيار السلفي في المغرب، فبعد «محنة» 16 ماي، كما يسميها بعضهم، ركن ما تبقى منهم خارج السجون إلى التقية، دون أن يتوقفوا أبدا عن نشاطهم في الاستقطاب وإعادة بناء الذات، فجاء الربيع العربي فشكل بذلك «هبة سماوية» جعلت أغلبهم يعلنون عن أنفسهم ويبدؤون أنشطتهم، مع تغيير قليل في الخطاب والاحتياطات الأمنية، مستفيدين من تجاربهم السابقة، ثم جاء تعيين حكومة بنكيران، فشكلت نقطة قوة جديدة، حسب اعتقادهم، لاستغلال وجود حكومة «إسلامية» لنيل بعض المكاسب السياسية، تمثلت أساسا في إطلاق سراح شيوخهم من السجن، والمشاركة في مظاهرات 20 فبراير أووقفات أخرى.ويبقى البناء التنظيمي من نقط ضعف التيار السلفي في المغرب، والإعلان عن «تنسيقية أنصار الشريعة بالمغرب»، جاء لسد هذه الثغرة، علما أن ورقتهم المذهبية نفت ارتباطهم بالتنظيمات الخارجية من قبيل أنصار الشريعة في السعودية وليبيا وتونس، بل أشارت إلى أنهم يسعون إلى اعتماد تكوين «رأي عام ملتزم بالشرع»، ودعوة الناس إلى الالتزام «بالدين وأداء الواجبات والكف عن المحرمات وهجر المبتدعات والتحلي بالأخلاق الفاضلة»، و»تحريك الشارع المسلم بالخطاب الشرعي الملتزم لنصرة قضايا الأمة»، عن طريق منابر المساجد والدروس والتجمعات والملتقيات وتوزيع الكتب والمنشورات، مع استغلال هامش الحرية الذي أتاحته ثورات الربيع العربي».وطبعا أثار الإعلان عن تأسيس التنسيقية ردود فعل من داخل التيارات السلفية نفسها، فنفى أبو حفص والحسن الكتاني وعمر الحدوشي صلتهم بالتنظيم، وتوجهت الأنظار إلى أم آدم التي سارعت بدورها إلى التخلص من جلباب الانتماء، دون أن تخفي وجود علاقة تقاطع بينها وبين التنظيم حين قالت لبعض وسائل الإعلام: «أتفق مع أي مشروع يهدف لتحكيم شرع الله بالمغرب»، لكن من يقود هذا التنظيم السلفي؟المبادرون إلى الإعلان عن تأسيس التنسيقية لجؤوا إلى إغلاق صفحتهم على موقع التواصل الاجتماعي وأصبح ولوجها يقتصر فقط على الأعضاء، ففضلوا التواري قليلا إلى الوراء، ريثما تتضح الصورة، حسب بعض المقربين منهم، بل أنها وجهت بيانها الأول تشير فيه إلى أنها «ليست تنسيقية حقوقية، بل هي تيار دعوي يدعو للإسلام، ومازالت في طور التأسيس والتكوين والتشاور»... لكن خطوتها بنشر الورقة المذهبية جرت عليها المتاعب... كيف ذلك؟يرى سلفيون أن خروج التنسيقية إلى العلن، جاء بهدف «الانتقال من معاداة الواقع ورفضه والحكم عليه بالكفر، إلى المساهمة في إصلاحه من خلال الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة»، ثم حاولت إصلاح ذات البين مع أطياف إسلامية أخرى، حين قالت إنها تحترم علماء، وتجلهم وتعرف فضلهم وحقهم، مشيرة إلى «أننا نتوسع لهم في التأويل فيما أخطؤوا فيه، ولا نعتقد بعصمتهم أو أنهم فوق الخطأ أو التعقيب، أو أنهم فوق أن يقال لهم أخطأتم أوأصبتم، ولا نتعصب لهم ولا لأقوالهم فيما يخالف الحق، ولا نتابعهم فيما أخطؤوا فيه، فالحق أولى بالاتباع، وهو أحب إلينا مما سواه»، ثم «المساهمة بما أمكن في خدمة الأمة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية من خلال العمل الخيري الذي يلبي بعض الاحتياجات الماسة».وخلف هذه القواعد الشرعية لم يتخل السلفيون عن تكفير العلمانيين، ف»العلمانية على اختلاف راياتها ومسمياتها وأحزابها المعمول بها في بلدان العالم الإسلامي، التي تفصل الدين عن الدولة والحياة، وشؤون الحكم والعباد، وتجعل ما لله لله، وهي المساجد وزوايا التعبد وحسب، وما لقيصر لقيصر، وهي جميع مرافق وشؤون الحياة، وما كان لله يصل لقيصر، وما كان لقيصر لا يصل إلى الله، وليس من حقه ولا من خصوصياته التدخل فيه غرس خبيث ودخيل على الأمة وثقافتها، وهي كفر بواح ومروق ظاهر من الدين»، حسب الوثيقة نفسها.وتحسبا لأي رد فعل، حددت الوثيقة مراحل الدعوة السلفية، فهم يؤمنون «في هذه المرحلة وهذه الظرفية بالعمل السلمي، نأيا بالأمة من الاحتراب الداخلي، الذي لن يجني ثماره إلا الأعداء، جمعا للكلمة وتوحيدا للصف وتحقيقا لمقاصد الشريعة»، مما اعتبره عدد من الباحثين تكتيكا جديدا يخفي نوايا السلفيين في اللجوء إلى العنف مستقبلا.لم تخرج الوثيقة عن الخطوط العريضة لـ"عقيدة" السلفيين في التكفير، وإن اختارت لغة سياسية أقرب إلى باقي التيارات السلفية الأخرى في تونس ومصر، وأعلنت عدم ارتباط بالخارج، إلا أن الأكيد أن سلفيي المغرب يتأثرون بشدة بالأحداث في هذه البلدان، ولا يرون في العمل السياسي إلا علمانيين «كفرة»، ولا وجود لمصطلح الديمقراطية أو حقوق الأقلية، بل يسعون إلى الدعوة إلى الإسلام، ولو اضطروا إلى اللجوء إلى العنف مستقبلا.خطورة الوثيقة المذهبية لتنسيقية أنصار الشريعة بالمغرب أنها تضع «البيض كله في سلة واحدة»، فتتحالف مع الحركات الإسلامية، ثم تعاديها، وتجامل العلماء ولا تضمن لهم عدم الخروج عنهم، وتشن حربا، بلا هوادة على باقي الأحزاب الأخرى بدعوى العلمانية، وخلال كل هذه المراحل تطفو على الساحة حالات لسلفيين «غير منضبطين» يلجؤون إلى العنف من أجل القتل أو محاربة الوثنية. إنجاز : خالد العطاوي

السلفيون المغاربة في زمن الربيع العربي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بين حركة"حسام" و"أنصار الشريعة" و"حزب" الفيزازي

عشرات الحجاج المغاربة دون مأوى

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات