شاطئ سلا… بركة آسنة ترتادها الأسر

الأزبال تغطي كل شبر من رماله ومتعاطو المخدرات يجدون فيه ملاذهم الآمن صراحة لم يكن معدو التقرير السنوي لجودة مياه الشواطئ في حاجة إلى أخذ عينات من مياه شاطئ سلا ونقلها إلى المختبرات العلمية المختصة لفحصها من أجل الوصول إلى خلاصة أنه «شاطئ ملوث وغير صالح لاستحمام البشر». كانت تكفيهم جولة قصيرة في أطرف هذا الشاطئ، الشبيه بنصف دائرة، وعلى الممرات الصخرية، التي تفصل بينه وبين نهر أبي رقراق وتلك التي تصد عنه أمواج الأطلسي القوية، ليقفوا على حجم التلوث المتفشي في كل شبر من رماله وعلى ضفاف مصب نهر أبي رقراق.أول مشهد يستقبلك بمجرد وصولك إلى شاطئ سلا، الذي صار شبه مطوق بالمباني غير المكتملة والسياجات التي وضعتها وكالة تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق لتشييد مشروع باب البحر، هو قنينات مياه معدنية فارغة تتقاذفها رياح تنفثها أمواج متهالكة. القنينات البلاستيكية يستخدمها المصطافون لجلب الماء من نهر أبي رقراق لإزالة ما علق بأجسادهم من رمل وملوحة مياه البحر الحارقة.أطفال وشباب ونساء وعواجز، وبعد أن نالوا نصيبا وافرا من القذارة التي تختلط بمياه ورمال شاطئ العدوة الشقيقة للعاصمة الإدارية للمملكة، أخذوا في التناوب على حمل القنينات إلى مصب نهر لتعبئتها بمياه أقل تلوثا تزيل عنهم حبيبات الرمل الصغيرة التي تسبب دغدغة مزعجة، وتخفف عنهم وطأة الاصطلاء بملوحة مياه البحر الممزوجة بمياه الصرف الصحي والنفايات المنزلية والصناعية.حتى رمال هذا الشاطئ فقدت هويتها البصرية، جراء عمليات التلويث البشرية والطبيعية المتواصلة التي يتعرض إليها، إذ استحال لونها إلى لون هجين بين الرمادي والبني. المساحة المغطاة بالرمال من الشاطئ تناقصت كمية الرمال بها حتى صارت أشبه بموقع واحد من مقالع الرمال التي نهشت الجرافات وجهها الذهبي البراق والساحر. ليس هذا فحسب، بل إن تلك البقعة التي صارت أقرب إلى الخلاء منها إلى شاطئ بحري لمدينة عرفت تاريخيا بازدهار كل الأنشطة البحرية بها سواء الملاحة البحرية أو المعارك البحرية أو حتى أعمال القرصنة، خلاء لا تملؤه إلا الأزبال وحتى بعض الكلاب والقطط الضالة.الغريب أنه، ورغم التحذيرات التي يوجهها التقرير السنوي الذي تعده كل من وزارة التجهيز والنقل ومديرية الماء والبيئة التابعة لوزارة الطاقة والمعادن، بخصوص حجم التلوث المتفشي بين مياه ورمال شاطئ سلا، فإن الإقبال عليه كثيف، ويزداد خلال أيام عطلة نهاية الأسبوع.غالبية الذين يقصدون شاطئ سلا، المدينة التي تُصنف على أنها ثاني أكثر مدن المملكة كثافة سكانية بعد الدار البيضاء، يتحدرون من أحياء شعبية وفقيرة بالمدينة، مثل قرية أولاد موسى وسهب القايد وعنق الجمل وحي كريمة والولجة وحي السلام واشماعو والقرية وأحياء المدينة القديمة...فبسبب ضيق ذات اليد وقلة الحيلة لم تجد العشرات من الأسر المتحدرة من هذه الأحياء ملاذا عن الجو المتقلب هذه الأيام والأكثر ميلا إلى الحر إلى التوجه شاطئ سلا، رغم أن عددا من الآباء والأمهات الذين يرافقون أبناءهم وبناتهم سمعوا على أمواج الإذاعات وتابعوا على شاشات التلفزيون وقرؤوا على صفحات الجرائد أن مياهه ملوثة وتشكل خطرا على المصطافين به...عبد الله الصغورني واحد من الذين لم يجدوا بديلا عن هذا الشاطئ الملوث. يقول، في تصريح ل»الصباح»، «كالو راه موسخ، ولكن حنا ولفنا نجيبو ليه الدراري وحنا من صغرنا وحنا كانعومو فيه». ويوضح الصغورني القادم من القرية والذي يعمل جابيا بإحدى شركات النقل الحضري، أنه يعمل جاهدا من أجل «يتمتع» أبناؤه الأربعة، على غرار أقرانهم، بالاستجمام في مياه البحر، ثم يضيف بانكسار «إيوا الغالب الله أوليدي، ماكرهناش نديوهم للمهدية أو صابل دور (تمارة)»..في الوقت الذي كان يتحدث إلينا عبد الله الصغورني كان أبناؤه الأربعة يتمرغون في الرمال داكنة اللون والأقرب إلى الوحل، بينما أمهم تحاول أن تحتمي من أشعة شمس عصر الأحد الماضي (الأحد 8 يوليوز الجاري). البقعة التي نصبت فيها عائلة الصغورني عدة الاصطياف (شمسية وقطعة حصير بلاستيكية ومناشف) تحيط بها الأزبال من كل جانب إلى درجة أن كل حفنة رمل يحمل الأطفال الأربعة لابد أن تكون ضمنها قطعة نفايات، إما ورقية أو خشبية أو معدنية أو عضوية.وذلك هو حال العشرات من الأسر التي اختارت أن تنصب عدة اصطيافها أو فقط تكتفي بافتراش شيء ما بالقرب من ضفة مصب نهر أبي رقراق أو على بعد أمتار من مياه الشاطئ الملوث. كثيرون بدورهم اختاروا أن يرتموا في مياه المصب التي استحالت زرقتها إلى لون أخضر داكن، ورغم ذلك مازالت تستهوي الكثير من الأطفال الذين تعجبهم بسبب ركودها إلى درجة أنها تشبه مياه مسبح فسيح لولا أن كم القاذورات الذي تحمل على سطحها وفي قعرها وعلى الرمال المتراكمة بجنباتها يجعلها أقرب إلى بركة آسنة منها إلى مصطاف يستقبل المئات من الأسر عندما تشتد حرارة فصل الصيف. محمد أرحمني

شاطئ سلا… بركة آسنة ترتادها الأسر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مطالبة بتفعيل إجراءات محاربة الصيد السري

الأحرار يتهم الحكومة باستهداف خصومها السياسيين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات