إضراب 1981 … الزويد: عشت جحيما لا يطاق

يحكي ظروف اعتقاله بالمقاطعة 46 وطريقة تلفيق المحاضر والأحكام الصورية «كنت رفقة زوجتي ووالدتي واثنين من إخوتي نتناول وجبة الغداء، في الساعة الواحدة من سبت قائظ على مشارف صيف 1981، حين سمعنا طرقا قويا على باب المنزل، ثم تكسيرا بالعنف، واقتحاما شاركت فيه عشرة عناصر من التدخل السريع والجيش». مشهد مرعب لا يفارق ذاكرة عبد الله الزويد الذي يستطيع بالكاد أن يستجمع حروفا مشتتة ليرمم بها وقائع وأحداثا يصفها بالاستثنائية سردها في شريط مصور السنة الماضية. يحكي عبد الله بصوت خافت تفاصيل يوم طويل، حين حشر رفقة عدد من الأشخاص في سيارة مصفحة، انطلقت بسرعة في اتجاه المقاطعة 46 (مقر عمالة مقاطعات البرنوصي سيدي مومن حاليا بشارع أبي ذر الغفاري). خارج المنزل، بدأت الأمور تنفلت فعلا مع وصول اللواء الخفيف للتدخل، التابع للدرك الملكي، وأخذت سيارات حاملة لأسلحة رشاشة في التجول داخل المدينة، والعربات المصفحة في توجيه فوهات مدافعها نحو المتظاهرين الذين لم يكن عبد الله واحدا منهم. وبين الساعة ال11 صباحا والثانية زوالا من اليوم نفسه، كانت القوات تكتفي بترهيب السكان واستعراض قوة الدولة، لكن ذلك لم يمنع من تزايد أعداد الخارجين إلى الشوارع والمنضمين إلى المتظاهرين. الساعة الثانية بعد الظهر، مستشفيات البيضاء تتلقى تعليمات باستنفار الأطباء والممرضين والدخول في حالة تأهب، ليبدأ إطلاق النار في الساعة الثالثة، الأوامر تقضي بإطلاق مكثف للنيران على جموع المحتجين، ورصاصات تستقر بين الأعين وعلى الجانب الأيسر من الصدر. بالموازاة، بدأت حملات اعتقالات عشوائية من داخل المنازل، والتوجه إلى مقر المقاطعة 46 الشهير. «في غرفة ضيقة لا تتجاوز مساحتها 12 مترا، قذف بنا مثل حشرات ضارة، حتى وصل العدد الإجمالي إلى أكثر من 80 معتقلا، حشروا في جحيم من الحرارة والأنين والبكاء والازدحام الشديد الذي يمنحك فقط حق تحريك أحد أطرافك، دون أن تستطيع إعادتها إلى مكانها السابق، لأن شخصا آخر ملء الفراغ». يصمت عبد الله، ثم يسترسل «كانت الحرارة لا تطاق وسط الغرفة لدرجة لم يتحملها عدد منا، فبدأت الجثث تسقط تباعا، ومنهم معتقلان لفظا أنفاسهما الأخيرة على غير بعيد عن قدمي، في مشهد مرعب لن أنساه أبدا، وأنا الذي لم أر في حياتي شخصا يموت أمامي». في اليوم الموالي، جاءت سيارات أخرى وحشرتنا بالطريقة نفسها إلى جهة أخرى، تبين لنا في ما بعد أنها سجن عين حرودة، حيث أعدت المحاضر على نار هادئة وتم حشوها بعدد بما لذ وطاب من تهم ثقيلة، دون طرح أي سؤال علينا، اللهم التعرف على الاسم الكامل واسم الأم واسم الأب». بهذه المحاضر الملفقة، انتقل عدد من المعتقلين إلى المحكمة الابتدائية التي شهدت جلسات صورية للمحاكمة، انتهت بإصدار أحكام متفاوتة. «صدر حكم صادم في حقي بسنة حبسا نافذا و500 درهم غرامة، دون أن تتاح لي فرصة الدفاع عن نفسي، أو حتى الحديث في قاعة المحكمة، إذ كان يسألنا القاضي عن الاسم الكامل فقط، بينما تتكلف محاضر البوليس الملفقة بباقي الحكاية». بعد الحكم، رحل جزء من المعتقلين، وعددهم بالعشرات، إلى سجن اغبيلة سيئ الذكر «الذي كتب فوق جداره الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود»، حسب تعبير عبد الله الزويد الذي مازال أياما برائحة الرصاص تحت وقع الصدمة، وهو الذي لم تطأ قدماه مقر كوميسارية في حياته، فوجد نفسه مرميا في أقذر سجن بالمغرب. يوسف الساكت

إضراب 1981 … الزويد: عشت جحيما لا يطاق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

48 ساعة تحت الحصار

رسالة من رئيس التشاد للملك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات