محاكم طنجة… متقاضون في حاجة إلى صبر أيوب

الزايدي: الوضعية نتاج مشاريع وسياسات انتهجت في العقود الأخيرة واتسمت بالعشوائية أعرب عدد من المتقاضين والمحامين في مدينة طنجة عن تذمرهم واستيائهم البالغين إزاء الغليان والهستيريا التي أصبحت الوجه البارز والسمة الطاغية لكل المرافق القضائية بالمدينة، إذ يكاد الجميع يخلص إلى أن الداخل إليها يحتاج إلى التسلح بالصبر أو المال، سواء كانت حاجته تتعلق بمعرفة مآل قضية أو مصير معتقل أو الحصول على شهادات أو مستندات أو الإطلاع على نتائج تخص بعض الحقوق... ومن خلال جرد سريع لعدد من الآراء والانتقادات، فإنك تقف على حقائق مفجعة داخل هذه المرافق المشحونة، التي أصبحت تعيش وضعا عبثيا يعكس انعدام الحس بالمسؤولية الوطنية تجاه مرفق متصل بحريات وحقوق المواطنين وبالأمن القضائي والاستقرار الاجتماعي والمال العام، وتحولت إلى بؤر توتر كبرى تتسبب في الاحتقان والإحباط النفسي والذاتي لكل المنخرطين في هذا القطاع، من متقاضين ومحامين وقضاة وأطر وموظفين... وركزت جل الانتقادات على مشاكل عميقة تتعلق بكيفية الولوج للعدالة، التي أصبحت معقدة ومرتبطة ارتباطا كبيرا بكيفية ووسائل الحصول على الغايات والمتطلبات، وكذا البطء الحاصل في معالجة القضايا والنزاعات المتزايدة بشكل مهول من سنة إلى أخرى، بالإضافة إلى كثرة الإجراءات والمساطر المعقدة وطول مواعيد الجلسات والإشكالات الكبيرة في التبليغ والتنفيذ، محملين الدولة وكافة الأطراف المعنية من نقابات وأحزاب سياسية وهيآت مدنية ومهنية مسؤولية هذه الوضعية الحرجة وتداعياتها الخطيرة.كما تطرق عدد من الذين التقت بهم «الصباح» إلى حال البنيات التحتية لهذه المرافق الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، وذكروا أنها أصبحت متهالكة وغير قادرة على أداء وظيفتها واستيعاب هذه الحشود الهائلة من المتقاضين، الذين يحجون يوميا من كل صوب وحدب لتتبع قضاياهم المدنية والاجتماعية والأسرية والجنحية، مبرزين في الوقت نفسه أنها أضحت لا تساير التطور الذي سارت عليه بعض الإدارات العمومية التابعة للداخلية أو المالية، رغم التعهدات والتطمينات التي أعطاها المسؤولون في كثير من المناسبات.وفي هذا السياق، ذكر عبد الله الزايدي، وهو محام بهيأة طنجة وباحث في الشأن القضائي، أن هذه الوضعية هي نتاج مشاريع وسياسات انتهجت في العقود الأخيرة على مدار أربع وزراء تداولوا على هذا المرفق، مبرزا أن الإصلاحات الطفيفة التي شملت أنظمة المعلوميات والتكوين والتأطير وتحديد جدولة للبت في القضايا وتحرير الأحكام والحصول على المستندات، لم تكن كافية بل ساهمت في استفحال الوضع أكثر.كما وجه الزايدي انتقادات للهيأة العليا لإصلاح المنظومة القضائية، وشكك في جدواها بالنظر للطابع السياسي والأخلاقي والإعلامي الذي يغلب عليها، وكذا غياب المعنيين من نادي قضاة المغرب وهيأة كتابة الضبط والمهنيين من محامين وعدول وخبراء، فضلا عن مكونات المجتمع المدني وجمعيات الدفاع عن المستهلك وحقوق الإنسان... ما جعلها، في رأي الباحث، تتحول إلى فضاء لمداخلات تغيب عنها الرؤى والمشاريع وتفتقر لما هو مطلوب ومنشود.وقال الزايدي لـ «الصباح» إن «العدالة منظومة أخلاقية وتربوية، كلما اتسعت واستوعب المواطن حقوقه وواجباته، سهل عليه تدليل كل الصعاب وتحقيق ما يستحقه بالسرعة والنجاعة المطلوبتين، وهذا ما هو غائب حاليا في منظومة العدالة، مما ينعكس سلبا على المواطن وحقوقه، ويجعله ينتقد بشدة مرفق القضاء لكونه يراه غير منصف ولا يحقق له رغباته وحقوقه، التي تضيع أمام إشكالات قضائية في الإثبات والمسطرة والتبليغ والتنفيذ».واختتم الباحث حديثه بتأكيد على ضرورة خلق منظمة قضائية متكاملة سريعة وواضحة وبسيطة تجيب عن المتقاضي واحتياجاته، وذلك عبر تكييف قنوات قضاء القرب والتبليغ والتنفيذ، وكذا وسائل الإثبات على المستوى المدني والعقاري، بما جرت به العادات والأعراف والتقاليد، لأن ذلك يمكن المواطن، الذي جله يتميز بالأمية، من إدراك حقيقة القضاء وتمكينه من حقوقه على درجتها وقوتها في مكان سكناه، عوض الدفع به إلى وسط مدينة بكل إكراهاتها وتعقيداتها، وهو المواطن المغلوب على أمره والفاقد لإمكانيات تؤهله لولوج مرفق العدالة في مشاكل بسيطة. من جهتها، لم تخف مصادر قضائية مسؤولة امتعاضها من الانتقادات والنعوت الموجهة للمنظومة القضائية بالمدينة، مؤكدة أن معظمها غير واقعي في ظل النقص الخطير الذي تعاني منه البنيات التحتية والموارد البشرية والمالية، وكذا في غياب قانون صارم يعزز الإصلاحات ويعطي مصداقية لسلطة القضاء.وقالت مصادر «الصباح» إنه «رغم المجهودات التي يبذلها كثير من المسؤولين من أجل التغلب على هذه الصعوبات، إلا أن المشاكل البنيوية، من قلة الأطر وغياب الإمكانيات وكثرة المسؤوليات والصراع مع اليومي، تؤثر سلبا على مردودية القضاة، وتجعل الوظائف لا تنجز في وقتها بكيفية تحقق العدالة وتضمن الحقوق، وهو ما يجعل مطلب بناء محكمة جديدة وتزويدها بكل المتطلبات البشرية والمادية أمر لا مفر منه، لأن كل البدائل لن تتحقق لطنجة وساكنتها في ظل ظروف تزايدت فيها حدة الصراعات الاجتماعية، الجنائية والجنحية والمدنية والتجارية والشخصية». المختار الرمشي (طنجة)

محاكم طنجة… متقاضون في حاجة إلى صبر أيوب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القاضي بين تحقيق العدالة وتطبيق القانون

تكدس الملفات يقلق المتقاضين بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات