جنايات البيضاء بطعم الجنح

كثرة الملفات ومتقاضون غير راضين عن الأحكام وإدانة مسبقة لنزاهة القضاء محكمة الاستئناف بالبيضاء، صورة مصغرة لمجتمع أضحت الجريمة داخله تدق ناقوس الخطر، فما إن تطأ قدماك بوابة المحكمة حتى يجذب انتباهك ذلك الكم الهائل من المواطنين الذين يتوافدون على قاعاتها، إما متقاضون أو مؤازرون لأقاربهم.تختلف الحكايات والتهم من شخص إلى آخر، إلا أنها تتوحد في النظرة التي تطبع غالبية الوافدين إلى المحكمة من ترقب وخوف وتذمر في حالات عدة من طريقة التعامل التي يلاقونها من العاملين بها، قضاة أو موظفين وحتى رجال الأمن. تحكي امرأة في الأربعين من عمرها أنها أحست ب»حكرة « شديدة سمعت أن اعتدى على ابنها سيطلق سراحه دون أن يلقى أي عقاب، بعد أن قرر القاضي إدانته بالحبس موقوف التنفيذ ، وهو الأمر الذي لم تستسغه واعتبرت أن هناك أيادي تدخلت في الملف لكي لا يأخذ طريقه الصحيح فابنها ضحية ضرب وجرح عمدين وأصيب من جراء ذلك بعاهة مستديمة، إلا أن الجاني عوض أن يلقى عقابه أطلق سراحه، وتساءلت الأم المكلومة عن أي قضاء يمكن الحديث إذا لم ينصف المظلوم. حكاية تلك السيدة تشبه إلى حد كبير العديد من الحكايات التي يرويها وافدوا المحكمة والذين يؤكد غالبيتهم أن هناك سماسرة يمكنهم قلب الحقائق، شغلهم الشاغل هو الوساطة، بين بعض القضاة والمتقاضين وحتى المحامين، فبين من أغبن في حقه إلى من اعتبر أن الحكم غير عادل إلى من شكك في نزاهته، إلى غيرها من تشكيات، التي يحملها المتقاضون في المحاكم خاصة عندما يكون الحكم الصادر في غير صالحهم، ويعتبرون ذلك ظلما في حقهم.خلال زيارة الصباح إلى محكمة الاستئناف بالبيضاء لاحظت منظرا مثيرا يخص عدد القضايا التي تدخل بها هيأة المحكمة في الجنايات العادية، بعيدا عن جرائم الأموال التي تخصص لها هيأة خاصة، فقد يفوق عددها في حالات معينة مائة ملف، ما يثير التساؤل حول كيفية مناقشتها أو مناقشة حتى نصفها خاصة أنه معلوم في الجنايات أن الهيأة إذا أنهت مناقشة الملف واستمعت إلى المتهم والنيابة العامة ودفاعه فإنها تحجز القضية إلى المداولة، وعليها أن تصدر حكمها فيها في اليوم نفسه، وهي الملاحظة نفسها التي حملتها شهادة محام من هيأة البيضاء. يحكي المحامي أنه في سنوات الثمانينات لم تكن المحكمة تشهد مناقشة هذا النوع من الملفات إذ كانت مختصة في الملفات الكبرى أو ما يعرف ساعتها بالجنايات الكبرى، ولم تكن هناك ملفات من قبيل الضرب والجرح والسرقة الموصوفة، والتي أضحت السمة الغالبة على جنايات البيضاء إذ أنه في بعض الحالات تدخل الهيأة بأزيد من 150 ملفا وتنظر فيها كلها، وما يتطلب ذلك من جهد مضاعف سواء لهيأة الحكم أو الدفاع، ما يفرغ الجنايات من قيمتها، إذ أضحت تشبه الجنح، في تلك اللحظة استمع صراخ اتجهت الأنظار إلى الجهة المنبعث منها فكانت القاعة 6 ليتم إخراج سيدة مغمى عليها لم يعرف ساعتها سبب ذلك، وتضاربت الروايات بين من قال إنها لم تتمالك أن ترى ابنها داخل قفص الاتهام، ومن قال إنها لم تتقبل الحكم، ليسمع صراخ لرجل يهم بمغادرة إحدى القاعات وهو يردد «اللهم إن هذا منكر»، وتصاحبه تعقيبات لعدد من الوافدين على المحكمة كلها تصب في اتجاه إدانة القضاء.توالت الأحداث والتعقيبات وبين الفينة والأخرى كان رجال الأمن يتدخلون لتفريق «حلقات نقاش» المتقاضين، التي كانت تصب جلها حول ملفاتهم وثقتهم في القضاء وتقييمهم لعمل القضاة الذين ينظرون ملفاتهم، وجلهم يحمل فكرا مسبقا عن مآل ملفهم. غادرت الصباح مقر المحكمة وهي تحمل أسئلة عن سبب الصورة القاتمة التي يحملها المتقاضون عن القضاء في المغرب والحكم المسبق الذي يدين «نزاهة القضاة». كريمة مصلي

جنايات البيضاء بطعم الجنح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

القاضي النموذج... الاستقلالية والحياد

محكمة الأسرة بالبيضاء..."طلاق ليلة تدبيرو عام"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات