القاضي النموذج… الاستقلالية والحياد

من واجب القاضي النزيه القيام بعمله من غير مفاضلة ولا تحيز ولا تحامل ولا تعصب حثت مدونة القيم القضائية، التي أعلنت عنها الودادية الحسنية للقضاة قبل نحو سنتين، في إطار مشروع إصلاح القضاء، رجل القضاء على فرض استقلاليته عن جميع السلط الأخرى، وباقي مكونات المجتمع، وأن يبتعد عن إقامة علاقات غير ملائمة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعن الخضوع لأي تأثير منهما، كما شددت على ضرورة أن يقوم القاضي بمهامه بفعالية وأمانة، وأن يصون مقومات الحياد، ويمتنع عن الانتماء السياسي. ودعت المدونة القاضي إلى الحرص، في سيرته، سواء داخل المحكمة أو خارجها، على أن يكسب ثقة المتقاضين بصفة خاصة، والناس بصفة عامة، من خلال نزاهته، ونزاهة الجهاز الذي ينتمي إليه، والتحلي بكل الصفات الحميدة التي تجعله بمنأى عن كل طعن أو تجريح، وأن لا يقف في توجيهه للدعوى والإجراءات موقفا قد يوحي بميله إلى أحد الطرفين، أو يولد شعورا لدى الآخر بالشك في نزاهته.وشددت المدونة على ضرورة خلق جو من الثقة بينه وبين عموم المتقاضين، وذلك برفع مستوى أحكامه، وبنائها على أسباب تحقق الإقناع والاقتناع، والترفع عن كل ما يشين عمله، أو يقدح فيه، أو ينأى به عن الحق، كما تضمن هذا المبدأ نصيحة ثمينة إلى القاضي، من أجل التنحي عن النظر في المنازعات التي قد تثير الشبهة في نزاهته، أو كلما أحس بميل أو اهتزاز في وجدانه قد يضر أحد الطرفين، أو إذا كانت له أو لأحد أفراد عائلته مصلحة في الدعوى، أو كان محاميا سابقا لأحد الأطراف أو شاهدا في القضية.واعتبرت «مدونة القيم القضائية» أن من واجب القاضي القيام بعمله من غير مفاضلة ولا تحيز ولا تحامل ولا تعصب، بل يؤديه بما يعزز الثقة في القضاء، وأن يتفادى كل ما من شأنه أن يثير شبهة، سواء في علاقته بمساعدي القضاء (أي رجال الأمن والدرك والمحامين وكتاب الضبط ونحوهم)، أو مع الأشخاص المترددين على المحكمة.ودعت القاضي إلى عدم السماح لعلاقاته الاجتماعية أو الأسرية أن تؤثر في سلوكه أو أحكامه ومواقفه، وأن لا يجهر برأيه أثناء سريان الدعوى، ولا يفصح عن موقفه منها، وأن يمتنع عن إبداء أية تعليقات يمكن أن تؤثر في نتيجتها، ولو لم يكن هو الذي ينظر في هذه القضايا، كما لا يجب على القاضي أن يبدي أي رأي أو تعليق في الدعاوى التي ينظر فيها زملاؤه، ما لم يتعلق الأمر ببحث علمي، أو تدريب قضائي، كما حثت المدونة على ضرورة الالتزام بالسر المهني، وعدم الإدلاء بها إلى الغير، أو يستخدمها في أغراض أخرى.ونصت المدونة على أن يحرص القاضي على حسن سير الإجراءات المسطرية بين الأطراف المتنازعة بكل لباقة وصبر، وأن يبتعد عن أي قول أو فعل من شأنه التشكيك في حكمه، كما حثت على ضرورة ضمان المساواة بين الناس في مجلسه ووجه وقضائه، حتى لا يطمع شريف في حيفه، ولا ييأس ضعيف في عدله، وأن يتجنب، في كلامه وسلوكه، الظهور بمظهر الانحياز أو المحاباة نحو أي طرف.وشددت المدونة على أن يكون القاضي مدركا، ومتفهما للتنوع الموجود في المجتمع، وأن لا يسمح لموظفي المحكمة أو آخرين خاضعين لنفوذه، أن يميزوا بين الأشخاص المعنيين في قضايا معروضة عليه، ويفرض على الأطراف، أو من يمثلهم، أثناء مباشرته الإجراءات القانونية، الالتزام بالاحترام الواجب للخصوم.وعرفت مدونة «القيم القضائية» الشجاعة الأدبية بالجرأة على حسم الموقف واتخاذ القرار المناسب المستمد من القانون والعدل، أي الثقة في النفس، والإيمان بالحق والإحساس بجسامة المسؤولية، معتبرة أن ذلك لن يتحقق إلا إذا مارس القاضي مهامه على أساس تقديره الجيد للوقائع، وتفهمه الواعي للقانون، حسب ما يمليه عليه ضميره، ودون تأثير خارجي أو تحريض أو ضغط أو تهديد، أو تدخل مباشر أو غير مباشر من أي طرف كان.ونصت المدونة على ضرورة التحري عن الحق في كل قضية تعرض عليه، ويبذل الجهد والبحث والتقصي بغية الوصول إلى الحقيقة، بصرف النظر عما ينشر أو يذاع أو يشاع، وأن يحكم ضميره وقناعته وفقا للقانون، دون تأثر برأي الجمهور، وأن لا يخاف في الحق لومة لائم.وشددت المدونة على أهمية حفاظ القاضي على هيبته ووقاره، عن طريق الابتعاد عن كل ما من شأنه المس بهاتين السمتين، سواء من خلال تصرفاته أو مظهره، وأن يكون ورعا متزنا، يعطي الانطباع بالاطمئنان والركون إليه، والثقة فيه، مع الاتزان في الكلام، والحزم في التصرفات، لئلا يعطي الانطباع بالاستخفاف والابتذال، أو الكبرياء والتعالي.وزادت المدونة، أهمية حرص القاضي على تجنب اللوم والتجريح، وترسيخ ثقة الناس في الجهاز، ملفتة الانتباه إلى أن العدالة لا تتحقق بصورة مجردة فقط، ولكن بإعطاء الانطباع بأن العدالة تحققت فعلا، وأن يجسد القاضي، بسلوكه في حياته الخاصة، أنه فوق الشبهات، ويتصرف بما يؤدي إلى ثقة الشخص العادي بأمانته واستقامته، بشكل ينعكس على احترام القضاء، دون نسيان الظهور بمظهر الشخص الذي يحترم نفسه ومبادئه. محمد البودالي

القاضي النموذج… الاستقلالية والحياد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شكايات المواطنين... تظلمات لا تنتهي

جنايات البيضاء بطعم الجنح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات