دراسة: على هامش محاكمة حسني مبارك ومن معه (2/2)

إهدار مبدأ الاقتناع الوجداني لمجرد وجود احتقان داخل المجتمع بقدر ما شد الحكم القضائي الصادر في حق رئيس مصر السابق ومن معه انتباه عموم الناس بعثر أوراق رجال القانون الذين ما انفكوا، في محاضراتهم وكتبهم ومقالاتهم، يستشهدون بأقصى درجة الاحترام التي يكنها أبناء مصر لقضائهم فأسقط في أيديهم !!. إن التعاطي مع قرار إدانة حسني مبارك الملتبس ومنطوق القرار أسسه النقد اللاذع الذي لا يخرج عما يلي:تأثير المجلس العسكري على المحكمة.تأثير المرشح أحمد شفيق على المحكمة.عدم قيام النيابة العامة بواجبها في البحث والتحري والتحقيق.إرضاء رموز النظام السابق.إضعاف القوى الحية داخل البلد.ضعف تكوين ومناعة الهيأة مصدره الحكم.إن الفئة المتنورة التي تعاملت مع القرار القضائي بهذه الوسيلة تعلم جيدا أن النعي على الأحكام القضائية لا يخرج عن طريق الطعن المنصوص عليه قانونا، إلا أنها بسلوكها هذه الوسيلة تريد أن تشكك في مصداقية القرار حالا واستقبالا وترجح كفة إعادة المحاكمة من جديد.- سابعا:تساءل الناعون على الحكم القضائي سوء التعليل بقولهم: إن القاضي – في معرض تعليله لقراره – القاضي بعدم مؤاخذة بعض المتهمين اعتمد علة مبدأ انعدام وسائل الإثبات، فكيف يقول بذلك والعالم بأسره عاين عبر قنوات القضائية موقعة الجمل ومواقع أخرى في مختلف أنحاء مصر. وهناك شهود على ذلك؟ إن هذا السؤال يجد جوابه في وجوب التفريق بين الحقيقة في الواقع والحقيقة القانونية أو القضائية، فإذا كان المبدأ القار في القانون القضائي الخاص هو عدم جواز أن يحكم القاضي بعلمه فإن ما يقدم أمامه من وقائع وما يعتمده الأطراف من وسائل الإثبات أو النفي هي المبررات التي يخلص بها القاضي إلى إصدار القرار الملائم، فهو لا يمكنه أن يعلل قراره بما شاهده على شاشة التلفاز أو ما عاينه بعلمه، ولذلك يجب التمييز بين الحقيقة في الواقع والحقيقة في القانون، أو ما يصطلح عليه بالحقيقة القضائية. فأي تقصير في الإثبات وأي شك يفسر لمصلحة المتهم عملا مبدأ ب»ادرؤوا الحدود بالشبهات»، ثم إن النيابة هي من تحرك الدعوى العمومية، فإذا لم تقو هذه الجهة على بسط وسائل الإدانة فإن القاضي لا يصدر الأحكام العاطفية إرضاء للجمهور بل هو يحتكم إلى القانون، وهذا مبدأ أصيل سواء في القضاء المقارن أو في أحكام القضاء في الإسلام.- ثامنا:هل يجوز إهدار مبدأ الاقتناع الوجداني لمجرد وجود احتقان داخل المجتمع وانقياد جارف نحو تكريس مبدأ القصاص والانتقام؟إن مبدأ الاقتناع الوجداني الذي تضمنته كافة الدساتير والقوانين القضائية المقارنة وتنادت به القيم الكونية ومجامع حقوق الإنسان يعزز سلطة القاضي الجنائية لتحكم وفق ما استقر في وجدانها من اقتناع غير منقاد نحو هذا التيار أو ذاك، فهذا المبدأ لا يمكن خرقة بصياح الجمهور بل إن محاكم النقض في مختلف دول المعمور لا تناقش مبدأ الاقتناع الوجداني إلا من زاوية الأسس المعتمدة في تكوين هذه القناعة، فإذا استبان لمحكمة النقض أن الاقتناع الوجداني أسس على الإنكار أو انعدام وسائل الإثبات أو استحالة أو تحقق سبب من أسباب الإباحة فهي ترفض الطعن بالنقض بعكس الحال، ولو لم ثبت لديها أن الاقتناع الوجداني للقاضي استقر في نفسه بناء علي ما راج أمامه وعلى ضوء الأبحاث التي قام بها، إذ يكون هناك تنافر بين الأسباب المعتمدة والنتيجة المستخلصة، لذلك يكون التشكك في الاقتناع الوجداني للقاضي هكذا بدون مبرر إعلانا صريحا عن عدم قبول المحاكمة في مجملها، تأسيسا على أن القضاء محايدا بل مجبرا على إصدار حكم وفق ما أملي عليه وليس على أساس الاقتناع الوجداني.السؤال التاسع: إن مبدأ تفريد العقاب والتدرج في العقوبة مسألة قضائية غير خاضعة لرقابة محكمة النقض متى طبق القاضي النص القانوني المتعلق بالنازلة المعروضة عليه، فإذا كان النص القانوني يتدرج في العقوبة من الحبس إلى السجن المؤبد إلى الإعدام.. فإن تكوين اقتناع القاضي الوجداني بالإدانة يستتبع بالتالي اختيار العقوبة الملائمة من بين تلك التي نص عليها المشرع، ويعتمد القاضي في إقرار العقوبة على طبيعة الفعل المرتكب ودرجة خطورة الجاني ووقع الجريمة في المحيط الذي ارتكبت فيها فإذا وقف الرأي القضائي على نوع من أنواع العقوبة فلا يجوز بأي وجه من الوجوه النعي على القاضي أنه قضى بالحبس بدل السجن و السجن المؤبد بدلا من الإعدام.. فالقاضي لا يرضي الجمهور بما يصدر من أحكام بل هو يرضي ضميره بداية ويحقق الردع العام والردع الخاص كأثر مباشر من تقرير العقاب، وبذلك النعي على المحكمة بأن العقوبة الملائمة بخصوص رئيس الدولة السابقة ووزير داخلية هي الإعدام بدل السجن المؤبد صوت نشاز خارج عن تقنيات العمل القضائي. فقط ممثل الحق العام هو من له صلاحية الطعن بالنقض بناء على تعليل مؤسس ليس فقط على تجريد قاضي الحكم من سلطة تفريد العقاب بل مثلا في متى أكفل الحكم جريمة أو ظرف مشدد يغير الوصف القانوني للفعل. إن القضاء لا يسمع إلى صوت الضحايا بقدر ما سمع الحدث القانون مراعيا في ذلك إعمال السلطات التي منحه إياها المشرع الجنائي فلو جاز عكس ذلك لفتح باب العدالة الخاصة في غير ما حاجة إلى طرق باب القضاء. ومن ثم فإن استهجان العقوبة رغم أنها سجن مدى الحياة في حق رئيس الدولة ومساعده في وزارة الداخلية إنما يدعمه لسان حال الجمهور الذي يقول: ألا ليعتبر رئيس الدولة في عداد المحكوم عليه بالسجن المؤبد بعدما ثار عليه الشعب المصري فماذا يضيره من القرار القضائي، ومن الذي يمنع أن يستفيد من ظروف الإفراج بناء على وضعه الصحي المتدهور؟السؤال العاشر: ألا يؤثر هذا كله على استقرار الوضع القضائي في مصر: إن القضاء هو صمام الأمان في أي بلد... وإن السماح لأي كان بأن ينعته بأحقر النعوت ويطعن في أسمى جهة بدون دليل لا جرم سوف يحط من منزلة القاضي، فالقاضي لا ينتقم للناس ولا يصدر أحكاما عاطفية، ولا يحابي أحدا، القاضي يملك الحياد... وهو قد لا يصيب أحيانا ولذاك خلقت طرق الطعن. إن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام بجميع مكوناته سواء داخل فضاء المحكمة أو بميدان التحرير أو بسائر المدن المصرية سمحت لدول العالم أن تستصغر علنا وسرا قيمة الأحكام التي يصدرها قضاء مصر الشامخ، ولذلك كان على ولاة الأمر أن يتعاملوا مع الحكم القضائي بطريقة أكثر تحضرا و ذلك بترك الباب مفتوحا للنيابة العامة كي تبدي أوجه طعنها على القرار بطريقة حضارية ملائمة، فالاتهامات والشعارات المناهضة ليست طريق طعن عاد أو غير عاد.. بل هي عملية صب البنزين في قطاع يضمن الاستقرار، إنه قطاع القضاء... بقلم: رشيد مشقاقة, رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين

دراسة: على هامش محاكمة حسني مبارك ومن معه (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"حديدان" يحقق ثروة خيالية في الجزء الثاني

الرميد يقسم المحامين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات