حديث الصباح : بنكيران يخاف “صداع” التماسيح ويستهون سخط الجماهير

كل إصلاح يتحقق بالشجاعة والجرأة لكن ليس كل شجاعة وجرأة تحققان الإصلاح قيادة الحكومة ليست نزهة ولا امتيازا بقدر ما هي مسؤولية جسيمة تهم مصير الشعب ومستقبله. لهذا، فهي تتطلب من الخبرة والحنكة والدراية ما لا تتطلبه أي مسؤولية أخرى حزبية أو قطاعية. ولعل الخطأ الجسيم الذي سيكلف حزب العدالة والتنمية كثيرا، كحزب وحكومة ، هو افتقار قيادته إلى تجربة عملية في إدارة قطاعات حكومية من شأنها أن تجعل الحزب وقيادته على دراية «بالملعب الحكومي» وبالأطراف الأساسية التي تتحكم في لعبة صنع القرار، ذلك أن النية الحسنة وحدها لا تكفي لمجابهة من أسماهم رئيس الحكومة «بالتماسيح». وهذا سر الارتباك الذي طبع قرارات وزراء حزبه كما طبع مخاطبته الشعب المغربي مباشرة عبر التلفزيون ليلة الأربعاء 6 يونيو الجاري. لم يكن السيد بنكيران يدرك أن اتخاذ قرارات سياسية على مستوى الحكومة أمر بالغ الصعوبة والتعقيد وله تبعات لا يقوى على مواجهتها إلا ذو فطنة ودهاء؛ وهما ثمرتا التجربة والممارسة، لكن حزب العدالة والتنمية أضاع على مناضليه فرصة الاقتراب من الملعب/المطبخ الحكومي للاطلاع على قواعد الاشتغال وطبيعة الإكراهات التي تواجه أصحاب القرار السياسي يوم رفض المشاركة في حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، الأمر الذي جعل الفرق شاسعا بين كريم غلاب وعزيز رباح ومعه رئيس الحكومة في التعاطي مع لوائح المستفيدين من الرخص والمأذونيات. فإذا كان الأول، كريم غلاب، أعد لوائح المستفيدين، ولم ينشرها إدراكا منه لتبعات أي قرار لم تسنده وتصاحبه إجراءات إدارية ، فإن السيد رباح أخذته العزة بالشعبوية، فنشر اللائحة دون إسناد سياسي وإداري، فحدث «الصداع» الذي خشيه بنكيران وتراجع مكرها لا بطلا. والخطأ نفسه ارتكبه السيد الخلفي الذي ركب الشعبوية، فخذلته عند أول امتحان يتعلق بدفاتر التحملات. كريم غلاب استثمر رصيد الحزب من الذكاء السياسي الذي راكمه في العمل الحكومي فاستطاع تمرير مدونة السير رغم عيوبها، فيما فشل الرباح والخلفي في تمرير مشروعيهما. وهاهو السيد بنكيران يكرر التجربة/ الخطأ دون أن يستفيد من دروس من سبقوه، ذلك أن اتخاذ قرار الزيادة في ثمن المحروقات لم يكن اختياريا، بل اضطراريا سيق إليه رئيس الحكومة سوقا. والقرار في حد ذاته ليس بدعا ولا أمرا فريا، فقد فعلت الحكومات السابقة الشيء نفسه. ومن مسؤولية كل حكومة أن تدبر مشاكل الوطن بأقل التكاليف والخسائر. والانتقاد الذي سبق أن وجهه السيد بوليف، زمن كان في المعارضة، إلى الحكومة السابقة التي آخذها على العجز عن الوقوف إلى جانب مصلحة الشعب، حين وجه الكلام إلى نزار بركة قائلا «الحكومة خاصه تكون عندها القدرة باش تجابه الإكراهات »؛ مشددا على «فين الحكومة تتكون مفيدة وتفيد الشعب ديالها ؟ مللي كتجي لمحاين كتعاون الشعب ديالها»؛ هذا الانتقاد يوجه بالحدة والصرامة نفسيهما إلى حكومة بنكيران التي يصدق عليها المثل المغربي «اللي غلب على شي فار يقطع ليه ذيله». فالسيد بنكيران وجد الشجاعة لإثقال كاهل الفقراء، ولم يجدها لمواجهة «التماسيح»، كما لم يجد الطاقة والحنكة لمواجهة «الصداع» الذي أحدثه وزيره رباح بعد نشر لائحة المستفيدين من مأذونيات النقل بسبب هذا «الصداع»، تراجع رئيس الحكومة عن نشر باقي لوائح المستفيدين من اقتصاد الريع؛ واكتفى بالقول إن «الناس لي كيدخلوا لفلوس بطرق غير مشروعة ميقدرش بنكيران ينوض ليهم دقة وحدة»، بل أقر بأن «الإجراءات التي نتخذها لمحاربة الريع والفساد ثقيلة»، لكن للأسف، الإجراءات التي تثقل كاهل الفقراء تظل «خفيفة»، لأنها تشمل فئات «ما عندها سيدها ما عندها لالها»، فهي ضحية الفقر والتهميش والفساد والاستبداد. الأمر الذي يجعلها تحت طائلة المثل الشعبي "الطوبة في المعطوبة". هذه الفئة هي من يدفع الضرائب، وهي من يتحمل تبعات الأزمة فتدفع ثمنها فقرا (ثمانية ملايين ونصف فقراء)، وبطالة ( العاطلون والمعطلون معظمهم ينتمون لهذه الفئة الفقيرة ) وتهميشا على المستوي الاجتماعي والإداري والطبي والتعليمي. هذه الفئات علقت الآمال على حزب بنكيران وحكومته لمحاربة الفساد واقتصاد الريع وإرجاع الملايير المنهوبة، لهذا كان عليه أن يضع مصلحة الوطن فوق مصلحة "التماسيح"، ويجدّ في تجفيف البرك التي تنشط وتتكاثر فيها. كما كان عليه أن يقدم للشعب المغربي الدليل بمشاطرته الأزمة المالية، ولو كان دليلا رمزيا، حتى تطمئن القلوب بأن المغرب دخل فعلا عهد الإصلاح الجدي، وأن الذين يتولون تدبير الشأن الحكومي يقاسمونه أزمته كما يقاسمون المواطنين المشي في الأسواق والتنقل عبر القطار. فالمواطن البسيط بحاجة إلى أن يلمس من الحزب الحاكم مكاسب مادية واجتماعية وليس أن يرى وزراءه يزاحمونه في الأسواق الشعبية والمواصلات العمومية، رغم أهميتها السياسية في تكسير النموذج المخزني لأعضاء الحكومة. وأولى الخطوات التي كان على رئيس الحكومة اتخاذها لطمأنة الرأي العام تخفيض أجور الوزراء، ولو بنسبة محدودة مع التخلي عن كثير من الامتيازات ذات التكلفة. وأمام السيد رئيس الحكومة تجربتان: تجربة تونس مع الرئيس المرزوقي الذي خفض راتبه، وتجربة فرنسا، وهي الدولة الصناعية الكبرى، إذ لم تكتف الحكومة الفرنسية بتخفيض أجور أعضائها بمن فيهم الرئيس هولاند، بل قررت تخفيض أجور مسؤولي شركات الدولة بنسبة تتراوح بين 50 و 70 في المائة كخطوة أولى للضغط على باقي الشركات لاعتماد الإجراء نفسه بما فيها الشركات والمؤسسات العملاقة دون أن تساور الرئيس هولاند أدنى المخاوف من "فرار" الكفاءات والأطر أو من عدم رغبتها في تسيير هذه المؤسسات المنتجة والإستراتيجية برواتب "معقولة"، فيما أصر بنكيران على عدم المساس برواتب وأجور وتعويضات الوزراء والمديرين مخافة "فرار" الأطر ذات الخبرة. وهذا تبرير لا يستقيم مع الوضعية الاقتصادية والمالية التي يواجهها المغرب، كما لا ينسجم مع شعار "المعقول" و محاربة الفساد والتبذير الذي رفعه حزب العدالة والتنمية وخاض به حملته الانتخابية، لكن يظهر أن السيد بنكيران بات أحرص على الفئات المحظوظة من الموظفين والمقاولين والأغنياء، بل وأكثر كَرَما لها لما رفضت حكومته سن ضريبة على الثروة ولو من باب التضامن حتى تتحمل كل فئات المجتمع قسطا من الأزمة. لقد اختار بنكيران حل أزمة صندوق المقاصة على حساب الفئات الشعبية التي حملته أصواتها ليتصدر نتائج الانتخابات، دون أن تكون له الجرأة على فرض هيبة الدولة عبر وضع حد للتملص الضريبي كأضعف الإيمان. فكيف للحكومة أن تستجيب لانتظارات المواطنين في العيش الكريم والشغل، وهي تضغط على قدرتهم الشرائية فيما هي عاجزة وضعيفة أمام الفساد واقتصاد الريع؟ لا شك أن الزيادة في ثمن المحروقات دون أن تكون جزءا من إستراتيجية متكاملة ومتزامنة من حيث الإجراءات وسريعة من حيث التطبيق، ستعجل بإحراق "خبزة الحزب" مصداقا للمثل الشعبي "اللي شعل العافية أكثر على خبزتو باش الطيب غادي يحرقها". أكيد أن كل إصلاح يتحقق بالشجاعة والجرأة، لكن ليس كل شجاعة وجرأة تحققان الإصلاح.

حديث الصباح : بنكيران يخاف “صداع” التماسيح ويستهون سخط الجماهير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المدينة القديمة...طاحونة قتل

بنكيران: أنا "سانك سانك"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات