محاربة الفساد…شعار موقوف التنفيذ

زملاء بنكيران استسلموا أمام التماسيح والعفاريت والتفتوا جهة جيوب الفقراء لإفراغها بنى حزب العدالة والتنمية برنامجه على شعار كبير اسمه «محاربة الفساد والاستبداد»، في تماه مع مطالب فئات عريضة من الشعب المغربي خرجت يوم الأحد 20 فبراير 2011 للاحتجاج والضغط لتفكيك قلاع «دويلة» الفساد المالي والاقتصادي والإداري الذي يحتمي بجدار سميك من الاستبداد السياسي موفرا له أسباب النمو والاستقرار والمـــــقاومة . الشعار براق، وقد استغوى عددا كبيرا من المغاربة، ضمنهم فئات لا تنتمي مجتمعيا وإيديولوجيا إلى الحزب الإسلامي، للتصويت بكثافة على إخوان عبد الإله بنكيران الذين تنافسوا، في مختلف الدوائر الانتخابية، في شرح مضامين هذا الشعار وفضح بؤر الفساد ولوبياته والتعهد بالتصدي لها والقصاص منها واستئصال جذورها بمجرد تسلم زمام أول حكومة ما بعد الربيع المغربي. هكذا بدت الصورة في 5 نونبر الماضي، حيث اكتسح الحزب الإسلامي «أغلب» مقاعد مجلس النواب، ما منحه، دستورا، صفة الحزب الأغلبي الأول المؤهل إلى قيادة الحكومة، ما تم فعلا، في أول تنزيل ديمقراطي للوثيقة الجديدة، إذ استقبل الملك الأمين العام للعدالة والتنمية، وقلده أمانة أول رئيس حكومة بالمغرب وكلفه بتشكيل الحكومة. بعد أقل من شهرين، قدم الفريق الحكومي الجديد برنامجا أمام مجلس النواب، أقرب إلى تصريح بالنوايا، جاء عبارة عن تجميع غير موفق، حسب عدد من المراقبين، لبرامج الأحزاب المشكلة للأغلبية في إطار مقاربة تشاركية ضيعت الجوهر وتمسكت بالشكل والقالب العام، إذ ضاع شعار العدالة والتنمية بمحاربة الفساد والاستبداد بين «الرجلين»، وإن ظل حاضرا في تصريحات متفرقة لوزراء الحكومة، قبل أن يجهض مباشرة بعد إعلان لائحة «الكريمات» من طرف وزارة النقل والتجهيز، ليتفرغ عبد الإله بنكيران، بعدها، إلى تفريغ غله في «التماسيح» و»العفاريت» و»الجنون» التي يقفون لحراسة أبواب الفساد المالي والإداري ويمنعون الحكومة من الاقتراب منها.الكثيرون رأوا في خطاب بنكيران عن «التماسيح» صيغة شعوبية لجيوب المقاومة التي ظل يشكو منها عبد الرحمان اليوسفي في أول تجربة للتناوب بالمغرب، وهاجر المغرب إلى كان وفي قلبه غصة كبيرة لم يطفئها مرور الأيام، لكن الفرق بين اليوسفي وبنكيران أن الأول كان يتحرك في هوامش سلطة ضيقة بلا ضمانات تقريبا غير عقد غير مكتوب، أو قسم فوق المصحف بينه وبين الملك الر احل الحسن الثاني، أما الثاني، فلا مبرر له في سرد كل هذه «المخلوقات الغرائبية» وتقديمها حجة على فشله، أو تعثره في محاربة الفساد وإرجاع أموال الدولة المنهوبة، وهو الذي أتى إلى الحكومة محمولا على أكتاف ربيع مغربي غير عدد كبيرا من المعطيات بالمغرب، وعلى يمينه ثقة ملكية مصرح بها، وبيساره وثيقة دستورية متطورة، نسبيا، تعطي صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية ورئيسها وتضع بيده أشكالا من العصي لتأديب المخالفين ومحاربة المفسدين مهما كان موقعهم، لكنه لم يفعل.في وقت سابق، جرب عبد الإله بنكيران وضع يده في «عصيدة» السلطة ولسعته حرارتها المفرطة، فقرر التراجع إلى الخلف في عدد من الملفات التي كانت تبدو، قبل نونبر 2011، مجرد قضايا حكومية عادية تتطلب إجراءات إدارية وقضائية محددة للتعاطي معها، قبل أن يكتشف أن الأمر أصعب مما كان يتصور فريقه، ما جر عليه سيلا من الانتقادات التي وصفته بالعجز وافتقاده إلى الشجاعة السياسية لمواجهة الفساد ولوبياته، بل اتهم في وقت من الأوقات بالتستر عليها والتواطؤ معها. وحتى في الحالات القليلة التي أعلن فيها عن مبادرات لمحاربة الفساد، وجدت من يعارضها من داخل الأغلبية الحكومية نفسها، مثل الهجوم الذي شنه نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية ووزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، على مبادرة زميله عبد العزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز، بالإعلان عن اللوائح الأولية للمستفيدين من رخص النقل العادي بالمغرب.وكان بنعبد الله أن يتسبب في أزمة سياسية في حكومة لم يمر عليها ستين يوما بعد، حين طالب بتفادي الفرقعات الإعلامية في تدبير ملفات الفساد، مؤكدا وجود مقاربتين لمحاربة الفساد: الأولى أشبه ما تكون بـ»سباق المائة متر»، وهي المقاربة التي تبلورت بإطلاق تصريحات رنانة في موضوع محاربة الفساد والرشوة دون أن تكون لذلك تبعات على المستوى الإجرائي. أما الثانية فهي مقاربة «سباق الماراثون»، التي تدرك جيدا أن محاربة الفساد ترتكز على مقاربة عميقة، و»تقتضي نفسا طويلا ومعالجة في إطار بلورة ما هو منتظر منا في مجال السياسات العمومية، وهي المقاربة التي أؤمن بها»، يقول بنعبد الله.وبعد مرور مائة يوم من عمر الحكومة، كانت الخطة الحكومية لمحاربة الفساد والمفسدين، الذين يضيعون على الدولة فرصا اقتصادية هائلة وأموالا بالملايير، في عمق النقاش الوطني، قبل أن يتوصل الجميع إلى شبه قناعة أن فريق عبد الإله بنكيران غير جاد بالمرة في التعاطي مع هذا الموضوع، وأن شعار «محاربة الفساد والاستبداد» لم يكن سوى للاستهلاك الانتخابي، مع اعترافنا ببعض التجني في هذا الاستنتاج، في وقت لم تثبت الحكومة العكس. إغناء الأغنياء وتفقير الفقراء قد يبدو العنوان شعوبيا للوهلة الأولى، لكن يصلح لتفسير قرار الزيادات في أسعار المحروقات والفيول الصناعي، في مقابل الرفض المطلق لفرض ضريبة هزيلة على ثروات الأغنياء سماها البعض ضريبة تضامنية لسد بعض الثقوب في موارد القطاعات الاجتماعية التي لا ارتباط وثيقا بالفئات الفقيرة والمعوزة. فأمام ذهول الجميع، قررت الحكومة التراجع عن قرار فرض الضريبة على الثروة، كما تم إقرارها بمجلس المستشارين خلال مناقشة لمشروع قانون المالية. المقترح الذي تقدم به الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية كان يقضي باحتساب 1 في المائة على ثورة تتراوح ما بين عشرة ملايين وأقل من ثلاثين مليون درهم، وإقرار نسبة 1.5 في المائة على الثروات التي تتراوح بين ثلاثين مليون إلى أقل من خمسين مليون درهم، أما الثروات التي تفوق هذا الحجم، فاقترح الفريق أن تطبق عليها نسبة 2.5 في المائة. وقد تدخلت الحكومة لرفض التعديل بحجة صعوبة تطبيقه، متخوفة من تنامي ظاهرة تهريب الأموال، عكس حكومة عباس الفاسي السابقة التي اقتنعت بوجاهة المقترح، في ظل الضائقة المالية التي يعيشها المغرب، وارتفاع متطلبات صندوق المقاصة التي قاربت 45 مليار وارتفاع نسبة العجز، قبل أن تقترح، في نهاية ولايتها، التحضير لإحداث صندوق للتضامن تكون مصادره التمويلية مما ستتم جبايته من مستحقات ضريبية ستفرض على ذوي الدخل المرتفع من الأثرياء. يوسف الساكت

محاربة الفساد…شعار موقوف التنفيذ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شبح أحداث 1981 يطارد حكومة بنكيران

الزيادة في أسعار المحروقات تثير جدلا واسعا بالبرلمان

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات