الداخلية تقطع مع التقنقراط في تعيينات 2012

التعيينات الأخيرة روعي فيها معيارا الكفاءة والنزاهة لتفادي ممارسات ما قبل دستور 2011 كان منتظرا لدى كثيرين عودة وزارة الداخلية إلى احتضان خيرة أطرها في التعيينات الأخيرة لمناصب الولاة والعمال. فواقع الحال كان يقول إن تجربة التقنقراط لم تمر دون انتقادات، ولم تؤت أكلها عكس ما كان منتظرا. ففي التعيينات الأخيرة للولاة والعمال، اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن وزارة الداخلية آمنت بأهمية ونجاعة أطرها، ممن تدرجت في مناصب المسؤولية على مدى سنوات وعقود، وراكمت تجارب مهمة في الإدارة الترابية. والأكيد أن هناك خصائص ومميزات يتمتع بها رجال وزارة الداخلية لوحدهم، ولا تتوفر أبدا لغيرهم من التقنقراط، القادمين من تخصصات أخرى، غير التخصص الأمني المحض.والحال أن تخوفات وزارة الداخلية من الاستمرار في مسلسل تعيين التقنقراط لها مبررات، فالوالي أو العامل، الذي يعين من خارج دهاليز وزارة الداخلية، وتسند إليه مهام في مدينة أو إقليم ما، غالبا ما يصطدم بمن ينعت أصحابه بـ»الأعيان» وفئة خاصة من «المنتخبين» يعرفون جيدا كيفية توريط مسؤول الإدارة الترابية، في إمضاء قرارات غير قانونية ونحوها، لإحكام قبضتهم عليه.ويقول متتبعون لشؤون رجال السلطة إن الوالي أو العامل المعين حديثا، إذا كان مستقيما، وأوقعه حظه السيء تحت سطوة فاسدين، تعطى له مهلة قد تمتد إلى سنتين، تتكون خلالها خلايا لمتابعته وتعقب علاقاته وضبط نقاط ضعفه، والهدف الوحيد هو الإيقاع به، خوفا من افتضاح أمرهم بسببه، ولا يرتاح هؤلاء المفسدون إلا إذا عملوا على توريطه في عمليات مشبوهة.ويرى بعض المهتمين أن ما يشجع المفسدين على التمادي في فسادهم، هو إقدام وزارة الداخلية على استبدال رجل سلطة بآخر من عمالة أو ولاية أو باشوية، دون إجراءات تسليم السلط، ما يضيع بوصلة تحديد ما له وما عليه، بل إن المصادر نفسها اعتبرت أن ذلك يمكن أن يتسبب في خلط الأوراق بشكل يستحيل معه تحديد المسؤوليات، ما يؤدي إلى إفلات المرتشين والمفسدين الحقيقيين من العقاب، ويدفع رجل السلطة النزيه الثمن غاليا.وتتلخص مهام رجال السلطة في التأطير والتتبع والمراقبة واتخاذ القرار في الشأن السياسي والأمني للبلاد، وتتجلى أكثر في كل ما يتعلق بالأمن والنظام العامين.ومن الاختصاصات الجوهرية المنوطة كذلك برجال السلطة، تأطير التظاهرات في مناسبات معينة، خصوصا في بعض الاحتفالات الرسمية أو الزيارات الملكية ونحوها، إضافة إلى السهر على كل ما يتعلق بالأنشطة التي تقيمها التنظيمات والفعاليات المدنية والتجارية والنقابية والسياسية المحلية في دائرة نفوذهم الترابي، والمسؤولية عن أي خلل يمكن تسجيله في هذا المجال.ويبقى العامل أو الوالي مطالبا بإعداد تقارير يومية ترفع إلى وزارة الداخلية التي يشتغل تحت إمرتها، تتضمن معلومات مفصلة ودقيقة حول كل التنظيمات والفعاليات سالفة الذكر، إضافة إلى اهتمامات المواطنين وأنشطة الطلاب والفعاليات السياسية والمدنية والحقوقية، إضافة إلى أصحاب المرجعيات الفكرية المتشددة، وكذا الفصائل الدينية بأشكالها المختلفة مع التمييز بين الممارسات القانونية وغيرها.وعندما تم الإعلان عن إطلاق مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طرف الملك محمد السادس، أصبحت ميزانيات ضخمة تصرف للعمال والولاة من أجل الإشراف على تنفيذ مشاريعها. وتقول مصادر مقربة من وزارة الداخلية إنه يمكن أن تصرف للعامل أو الوالي ميزانية في ظرف ساعتين أو حتى نصف يوم، في سرعة زمنية قياسية غير مسبوقة في التاريخ.وكشفت المصادر أن هؤلاء المسؤولين الكبار بالعمالات والولايات، يتمتعون بأجور شهرية محترمة، إضافة إلى الامتيازات المتمثلة في السكن الوظيفي والسيارة والسائق والتكفل بمصاريف المحروقات وفواتير الكهرباء والماء وغيرها، إضافة إلى التعويضات الجزافية، التي تبقى لوزير الداخلية وحده صلاحية تحديدها.وعموما، لهؤلاء المسؤولين تأثير كبير على العملية الانتخابية غداة كل استحقاقات جماعية أو برلمانية. وقد حرصت وزارة الداخلية، في التعيينات الأخيرة، على اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة، لتفادي الممارسات السابقة لدستور 2011. وكثيرا ما راجت معلومات، في العهد السابق، عن مسؤولين يستدعون كبار المرشحين من ذوي المال والنفوذ، ويعقدون معهم جلسات تفاوضية حول المبالغ المالية التي يجب أن يدفعوها حتى يتمكنوا من ضمان مقاعدهم في البرلمان، وهذا ما حرصت الوزارة على القطع معه في التعيينات الأخيرة، خصوصا أنه كانت للفاسدين من موظفي وزارة الداخلية سهولة كبيرة للتلاعب في نتائج الانتخابات خلال كل استحقاقات انتخابية تشهدها البلاد، إذ لهم إمكانية تسخير المقدمين والأعوان والشيوخ، بل حتى القواد والخلفان والموظفين لخدمة هذا المرشح أو ذاك، واستغلال التأثير الكبير الذي لهم على المواطنين، لاستمالتهم ودفعهم إلى منحهم أصواتهم عن رضى وطيب خاطر. وزادت المصادر ذاتها أن الولاة والعمال هم الذين يختارون رؤساء مكاتب التصويت، والذين غالبا ما يكونون مجرد أساتذة لا دراية لهم بقوانين العملية الانتخابية، أو إنجاز محضر، الأمر الذي كان يجعل المتواطئين يستغلون جهلهم لتحقيق مآربهم الخاصة، والتلاعب بنتائج الانتخابات في عدد من المدن. عبد الله الكوزي

الداخلية تقطع مع التقنقراط في تعيينات 2012

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تصفية تركة مزيان بلفقيه في الإدارة الترابية

حكومة بنكيران تُكرس توجهها الذكوري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات