وثيقة الاستقلال … من الكفاح إلى السلاح

ردت فرنسا بإلقاء القبض على قادة الحركة الوطنية ما أدى إلى اندلاع انتفاضة يناير كشف ملف سري وضعته مديرية الشؤون السياسية التابعة للحمالة في 23 مارس 1945، ومازالت توجد نسخة منه في أرشيف "إلكي دورسي" بباريس، أن الإقامة العامة راهنت على صغر سن محمد الخامس من أجل فرض سيطرتها على المغرب، ولتسخره حسب إرادتها. واعتبر التقرير أن متاعب الإقامة العامة تزايدت لأنها لم تعمل على توجيه السلطان وتأطيره في سنوات حكمه الأولى، في إشارة إلى أن المقيمين العامين حاولوا استمالته ليجعلوا منه الصديق الحميم لفرنسا، ولكنهم لم يتمكنوا من التأثير على شخصيته، إذ يؤكد التقرير على ذكاء الملك وحيويته، حيث كان يعمل ما في وسعه ليتخلص تدريجياً من سيطرة الإقامة العامة وكان يتهيأ لذلك داخلياً وخارجياً. وتعاظمت مكانة الملك إلى أن قدمت وفود حزب الاستقلال في 11 يناير 1944 نسخة من الوثيقة للملك كما تم الاتفاق على ذلك، وأخرى للإقامة العامة، كما رفعت نسختان للقنصلية البريطانية والأمريكية. وأدانت الوثيقة نظام الحماية الذي أخل بالتزاماته القانونية والسياسية، وأكدت على رغبة المغاربة في حصولهم على استقلال بلادهم تحت حكم جلالة الملك محمد الخامس، وطالبت بالتفاوض مع كل من فرنسا وإسبانيا للاعتراف باستقلال المغرب، والانضمام إلى ميثاق الأطلنطي، ودعت الملك إلى رعاية حركة الإصلاح الذي يتوقف عليه المغرب، بإحداث نظام سياسي شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في المشرق تحفظ الحقوق وتحدد الواجبات لجميع عناصر الشعب المغربي. ومنذ تقديم الوثيقة توالت الوفود من مختلف جهات المغرب ومن مختلف الشرائح الاجتماعية على القصر الملكي، معبرة عن تضامنها واستعدادها للتضحية إلى جانب الملك للحصول على الاستقلال. من جهتها ردت فرنسا بإلقاء القبض على قادة حزب الاستقلال وفي مقدمتهم أحمد بلافريج ومحمد اليزيدي وأحمد مكوار وعبد العزيز بن إدريس والهاشمي الفيلالي بتهمة الاتصال بألمانيا والإعداد لثورة مسلحة في المغرب، مما أدى إلى اندلاع انتفاضة يناير في عدد من المدن كالرباط وسلا وفاس ووجدة والدار البيضاء، مطالبين بإطلاق سراح الزعماء، فتصدت لها سلطات الحماية بعنف شديد وأصدرت أحكاماً بالإعدام وأخرى بالسجن في حق عدد من المتظاهرين. ومن النتائج التي أعقبت هذه الانتفاضة إصرار الملك محمد الخامس على تنفيذ ما جاء في الوثيقة. وقبل ذلك بعشر سنوات كانت زيارة محمد الخامس لفاس وحفاوة الاستقبال التي نظمتها الحركة الوطنية البذرة الأولى في اتصال الملك بزعماء الحركة الوطنية وفي تضامنه واتفاقه معها، وقد استمر هذا الاتصال وتوطد مع مرور السنوات بواسطة المذكرات والمطالب الذي كان الحزب يقدمها للملك في عدة مناسبات، وقد كان السلطان يتلقى أخبار تحركات الحزب الوطني عن طريق أحد الموظفين الذين كانوا يدرسون بالمدرسة الخاصة لتعليم أبناء الملك وهو محمد الفاسي، وعن طريقه كان يرسل للحزب أخبار محادثاته مع الإقامة العامة في شأن إدارة البلاد. مضايقات الحماية بحلول 1947 أصبحت العلاقات بين الإقامة العامة والقصر أكثر تأزماً، وأصبح السلطان لا يتردد في معاكسة مصالح فرنسا، مشددا على أنه لا يمكن أن يكون مع فرنسا ضد شعبه وذهب السلطان إلى رفض التوقيع على الظهائر الجديدة. وزادت مضايقات سلطات الحماية على رجال الحركة الوطنية، سيما في عهد المقيم العام جوان وكَيوم الذي مارس ضغوطاً على الملك محمد الخامس لحمله على التنازل عن العرش، وفي 20 غشت 1953 دبر مؤامرة خلعه ونفيه هو وأسرته إلى كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، وعين محمد بن عرفة ملكاً صورياً على المغرب، ما جعل الحركة الوطنية تعود إلى أسلوب المقاومة المسلحة وتطالب بعودة الملك الشرعي محمد بن يوسف إلى وطنه. ياسين قُطيب

وثيقة الاستقلال … من الكفاح إلى السلاح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أكادير تحتفل بالسنة الأمازيغية

لا جنود مغاربة في الغابون

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات