حديث الصباح: إصلاح إعلام القطب العمومي… الورش متواصل

الأنسب اليوم أن يتم التحول من مقاومة الإصلاح إلى الانخراط في مناقشة مضامينه مفيد جدا أن نطرح سؤال أين وصل قطار إصلاح إعلام القطب العمومي؟ وأين رست سفينته؟ بعض وسائل الإعلام، وفي خضم النقاش الذي تفجر حول دفاتر التحملات، فضلت أن تؤول الاستقبال الملكي لرئيس الحكومة ووزيريه في الدولة والاتصال، كما لو كان فرملة للإصلاح، وإعادة دفاتر التحملات إلى نقطة الصفر، فلم تجد خيارا لتسند قراءتها سوى أن تزعم بحصول إجبار وزارة الاتصال على التراجع! ومع اليقين بأن المؤشرات البديهية في علم السياسة، البصير بتقاليد الممارسة السياسية المغربية، تمنع هذا الاستنتاج، فقد تم التعامل معه كتحليل قابل للأخذ والرد، ريثما تتوفر المؤشرات التي يمكن البناء عليها. عمليا، يمكن الوقوف على ثلاثة مؤشرات أساسية: الأول تصريحات وزير الاتصال التي رد فيها على هذه التحليلات، وأكد استمرار وزارته في مسار الإصلاح، مؤكدا أن مصير هذه الدفاتر هو اليوم بيد الحكومة، والثاني، وهي تدخلات وزير الاتصال في الدفاع عن مشروع وزارته الإصلاحي، سيما تدخله في البرلمان الذي أعقب مباشرة الاستقبال الملكي، والذي حضر فيه العمق السياسي بقوة، كما حضر فيه النقاش المهني بكل ما يتطلبه من معطيات كثيفة. أما المؤشر الثالث، وهو البدء الفعلي لقنوات القطب العمومي في تنزيل مقتضيات دفاتر التحملات ابتداء من فاتح ماي. مؤشرات السياسة واضحة في أن معركة دفاتر التحملات قد حسمت لجهة إرادة الإصلاح على الجملة، وأن النقاش المثمر الذي انطلق في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال، هو نقاش داخل المشروع، وليس خارجه. وما يؤكد هذا المعطى أنه مع الاختلاف الواضح بين وجهات نظر الفرق البرلمانية في اجتماع أول أمس، فإن الاتفاق كان حاصلا على دعم الشق المتعلق بالحكامة الجيدة والشفافية ومحاربة الفساد والريع في المرفق الإعلامي العمومي. بل حتى النقاش حول بعض القضايا التي تفجر فيها الخلاف، لم يكن بالنفس ذاته الذي انطلق غداة مصادقة الهيأة العليا للسمعي البصري على دفاتر التحملات، وإعلان الوزارة البدء في تنزيل مشروعها الإصلاحي، بدءا من فاتح ماي. ففي هذه اللحظة، كان العنوان العريض الذي تفجر عنده الخلاف هو قضية التعدد اللغوي وقضية الانفتاح والانغلاق والخوف على هوية القنوات سيما القناة الثانية، والخوف من فرض إيديولوجية دينية على المجتمع باستثمار الإعلام العمومي!اليوم، كل هذه الافتعالات تبخرت أمام النقاش الديمقراطي الذي انضبط للمرجعية الدستورية، وصار النقاش حول الإكراهات التي تمنع تنزيل المقتضيات الدستورية الخاصة بضمان التعددية اللغوية والتعبير عن مكونات الهوية المغربية، فالنقاش الذي أثير ابتعد عن أطروحة فرض النزعة «العروبية» أو استهداف الفرنسية، وارتبط أكثر بالجانب التقني وما يتعلق بتوفير الإمكانيات الضرورية التي تفي بتحقيق هذه المقتضيات الدستورية، وذلك في ظل وجود نقص حاد في الموارد البشرية والحاجة إلى التكوين والتدريب. لقد تبين، من خلال سقف هذا النقاش، أن المعركة التي افتعلت ضد دفاتر التحملات لم يكن القصد منها سوى خلق تقاطب مدني يقوى على إيقاف هذا المشروع وعرقلته، وهو ما تم تحقيق فشل ذريع فيه، بعدما اصطفت أغلب مكونات المجتمع المدني، وأصحاب الرأي والشخصيات الوازنة في المجتمع إلى جانب مشروع الإصلاح. لقد كانت بعض الجهات تنتظر، بعد خرجات مسؤولين في إدارة إعلام القطب العمومي، أن تتحرك القوى المدنية المنسوبة إلى الحداثة، وتشكل نسيجا مجتمعيا قادرا على خوض المعركة وإيقاف المشروع، لكن خطأ هذا التكتيك وعطبه القاتل، أنه تم الضغط على الزر الخطأ الذي كان مفعوله معاكسا، فمن يستطيع أن يصدق أن قلب مسؤولي الإدارة في الإعلام العمومي على استقلالية الإعلام؟ ومن يستطيع أن يصدق أن هؤلاء يدافعون عن المقاربة التشاركية؟ بكلمة، لقد كسب مشروع الإصلاح الذي ترجمته وزارة الاتصال في دفاتر التحملات، نقاطا عديدة، أولها أنه فتح النقاش العمومي، ولأول مرة عن دفاتر لم يكن حظها في أحسن أحوالها سوى أن تكون أوراقا تمر في صمت، لا يراها أحد، ولا يعرف المواطن التعاقدات التي على أساسها يمد يد الدعم إلى الإعلام العمومي، وثانيها أنه أدخل الحكامة الجيدة إلى المرفق الإعلامي العمومي، وأتاح للرقابة، ولأول مرة، أن تعمل آلياتها لترشيد المال العام ومنع الريع الإعلامي ومحاربة جميع أوجه الفساد في التعامل المالي، وثالثها وهذا هو المهم، هو أنه نجح في أن يجعل الوثيقة الدستورية مرجعية حاكمة في إصلاح الإعلام العمومي. لا يهم، بعد هذه النجاحات، أن تمضي دفاتر التحملات إلى مداها التفصيلي، وإن كانت المعركة تتطلب الاستمرار والإصرار وتجديد وسائل الصراع، ولكن الأهم من ذلك كله، أن تغييرا كبيرا سيحصل في مرفقنا الإعلامي العمومي، وسيمس الجميع، مهنيين وشركات إنتاج ورأيا عاما، وموارد حكومة... المهم في هذه اللحظة أن يستمر التدافع على القاعدة ذاتها التي تركز على مدخل الحكامة والشفافية، وأن يتم تجنب تحريفها عن مسارها وإدخالها في منعرجات لا تخدم عمق المشروع الإصلاحي الإستراتيجي، وأن يتم التنبيه إلى كل المقاومات التي تعكس إرادة معاكسة للإصلاح، والالتجاء إلى الإسناد المجتمعي لإفشال مناوراتها. إن الذين يقاومون اليوم دفاتر التحملات، فقدوا كل الأسلحة التي يمكن أن يتم الاعتماد عليها في الصراع: فقدوا سلاح المرجعية، وفقدوا سلاح الاحتماء بالنخب المتنفذة، وفقدوا الدعم المجتمعي، وفقدوا قبل ذلك وبعده، المصداقية التي تؤهلهم لخوض الصراع. ولذلك، الأنسب في هذه المرحلة، أن يتم التحول من مقاومة الإصلاح إلى الانخراط في مناقشة بعض مضامينه، فربما كانت هذه أذكى طريقة للالتفاف عليه، أما الإعلان عن مناكفة المشروع، فقد فات الوقت، وانطلقت السفينة. بقلم: بلال التليدي, باحث

حديث الصباح: إصلاح إعلام القطب العمومي… الورش متواصل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

هروب سجين من مستشفى ابن رشد بالبيضاء

بنشماس: أخشى أن يدفع بنكيران ثمن بيع الوهم للمغاربة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات