أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

الإعفاء من العقوبة لا يستفيد منه إلا الفاعل وحده باعتباره ظرفا شخصيا (الحلقة الخامسة) بقلم: الحطاب أبو مسلم* نص الفصل 143 من القانون الجنائي على المبدإ العام الذي يرجع إليه في كل حالات الإعفاء المتناثرة في مقتضيات خاصة. وسنتناول، وبإيجاز، أهم جوانب الإعفاء: شكلا، وموضوعا، في مبحثين، نخصص أولهما للموضوع، ونخصص ثانيهما للشكل (على طريقة اللف والنشر) المقررة في علم البلاغة، الذي قيل عنه: "كل كلام خال من البلاغة يلحق بأصوات الحيوانات العجماء". المبحث الأول: الإعفاء من حيث الموضوع من المقرر أن حالات الإعفاء من العقوبة (أو الأعذار القانونية) ظروف محددة في القانون، تمحو العقوبة، أو تخفضها، ولا يستفيد منها إلا الفاعل وحده باعتبارها ظروفا شخصية، على عكس أسباب الإباحة. وقد نصت الفصول 196/4 و211 و213 و9-218 و1-256 و336 و355 و534 و589 من القانون الجنائي عن بعض الحالات التي يَكون فيها الإعفاء كليا (جوازا كما في حالة الفصل 196. أو وجوبا كما في غيره من الفصول الأخرى). كما نصت الفصول 416 و417 و418 و419 و420 و421 من القانون نفسه على الحالات التي يكون فيها الإعفاء جزئيا. وإذا كانت أغلب هذه الفصول، خصوصا ما يتعلق منها بالإعفاء الجزئي، لا يطرح أي أشكال في تطبيقها، فإن الفصلين 416 و418 يثيران الملاحظات الآتية. 1- أن المشرع اعتبر الاستفزاز في حد ذاته عذرا مخفضا للعقوبة، إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب قد ارتكب نتيجة لاعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على الفاعل أو على غيره، وجعله قاصرا عليها، بعد أن كان عذرا معفيا من العقوبة المالية عن جريمة السب العلني في الفصل 48 من قانون الصحافة بالمغرب، الأمر الذي كان يحتم على سلطة الاتهام البحث عن البادئ بالسب، قبل حذفه واختفائه من المادة 85 من القانون رقم 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، ولا ندري سبب اختفائه. إذ أن هذا الاختفاء أو الحذف يؤدي إلى إلحاق ضررين، مادي، ومعنوي، بالطرف الذي وقع عليه السب علانية ابتداء. كما أن بعض التشريعات لا تعتبر الاستفزاز عذرا إلا في حق "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنى وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها". ثم إن الحديث عن الاستفزاز كعذر مستقل، وقائم بذاته طبقا للفصل 416، يجرنا إلى طرح السؤال التالي: هل تعتبر "الدغدغة" المفاجئة التي تسمى لدينا بالهُر وبالفرنسية(CHATOUILLE) - ، وهي نخس إبط أحد الأشخاص فينفعل انفعالا يثير الضحك، وتدفعه في الوقت ذاته إلى ارتكاب فعل مجرم-عذرا قانونيا، أو سببا مخفضا للعقوبة؟ وهو سؤال سيظل الجواب المقنع عنه معلقا، بكبار فقهائنا في المادة الجنائية، أو من قضائنا المحترم الذي يتوفر على القدرة العلمية والكفاءة القانونية العالية لتحقيق العدل، والسهر على حسن تطبيق القانون. ومع ذلك، فإننا لا نرى مانعا من اعتبارها استفزازا، متى توفرت شروط الفصل 416. 2- أن بعض الفقه يذهب إلى أن الزوج هو الذي يفاجَأ بضبط زوجته وشريكها متلبسين بجريمة الزنى (الخيانة الزوجية)، لا الزوجة (مع العلم بأن مشرعنا سوى بين الزوجين في هذه الحالة)، ويرتبون على ذلك عدم استفادة الزوج من أي عذر مخفض للعقوبة، في حال ارتكابه ضدهما قتلا أو جرحا أو ضربا، إذا كان متأكدا من خيانة زوجته له فنصب لها كمينا لرصدها وقتلها وشريكها انتقاما منهما، في حين أن الزوج هو الذي يفاجئ زوجته، وهو ما يستفاد من صيغة الفصل 418 التي عبر فيها بقوله "عند مفاجٲتهما" فلو كان الزوج هو الذي يفاجأ لقيل عند مفاجأته، فتكون إضافة الضمير "هما" إلى المصدر "مفاجأة" من إضافة المصدر إلى مفعوله. وقد عبرت بعض التشريعات عن ذلك صراحة بقولها "من فاجأ زوجته.....". ومع التسليم بقاعدة "لا مجال للاجتهاد، مع وجود النص" على اعتبار المفاجأة عذرا قانونيا، نرى من المفيد أن نشير إلى أن للفقه رأيا آخر، فيما يخص طبيعة المفاجأة، ونتائجها، حيث اعتبرها بعضهم سببا من أسباب التبرير والإباحة، بحجة أن المراد بالنفس التي تتعرض للاعتداء، ويكون الدفاع عنها دفاعا شرعيا "مجموعة الحقوق اللصيقة بالشخص، وهي تشمل الحقوق في الحياة، وفي سلامة الجسم والحرية والعرض والشرف..."، في حين اعتبرها البعض الآخر عذرا معفيا من العقاب، ولعل هؤلاء على حق، ما دام مشرعنا قد اعتبرها في النصوص الحالية (الفصل 414 ق.ج) عذرا قانونيا مخفضا للعقوبة فقط، غير آبهٍ بما يكون عليه الزوج من ثورة نفسية تفقده صوابه، وتجعله يختار بين أمرين أحلاهما مر، فإما أن يأخذ حقه بيده دفاعا عن عِرضه، ويهيئ نفسه لعقوبة مخفضة. وإما أن يهيئ نفسه لحمل أرذل الصفات وأقبحها، وهي صفة "الديوث"، والديوث هو الزوج الذي لا يغار على زوجته ممن يدخل عليها أو يختلي بها من الرجال. وغير خاف أن هذه الصفة سوف تنعكس على أفراد العائلة، وخصوصا بنات الزوجة الفاجرة وقديما قيل "لأن تكون مطرقة خير من أن تكون سندانا". ثم إن الكلام عن حماية العرض، يدفع إلى التساؤل عن عدم توفير عذر ما للمرأة في حالة اغتصابها، إذا ما ارتكبت ضد مغتصبها قتلا أو جرحا (بما فيه الإخصاء) أو ضربا، وعن عدم توسيع دائرة هتك العرض، وعدم رفع سن المجني عليه إلى ما دون الثامنة عشرة التي هي سن الرشد. وقد تعمدنا إثارة هذا الموضوع (موضوع حماية العرض) عنصرا من عناصر الأخلاق الحميدة، إبرازا لقيمة الأخلاق وأهميتها في حياة الأمم والشعوب إلى حد اعتبارها سببا من أسباب بعثة الأنبياء والرسل. فقد جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". المبــــحث الثاني: الإعفاء من العقوبة من حيث الشكل (المسطرة) من المقرر أن التشريع الجنائي يحدد أفعال الإنسان التي يعتبرها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي، ويقرر لزجر مرتكبيها –في إطار سياسة جنائية تتطور بتطور المجتمع - عقوبات و تدابير وقائية ويطلق على هذا النوع من التشريع "قواعد الموضوع"، وأن تطبيق هاته العقوبات والتدابير سيظل، في حد ذاته حبيسا للنصوص المقررة لها، ويجعلها في حالة سكون تام، إلى أن تأتي قواعد الشكل أو الإجراءات، أي ما يطلق عليه "قانون المسطرة الجنائية" ليحرك تلك العقوبات والتدابير، ويفتح لها باب التطبيق على أرض الواقع، وأن العبرة في تحديد طبيعة هذه القواعد، تكون بموضوعها، لا بموضعِها، كما هو الشأن في حالات الإعفاء من العقوبة (أو الأعذار القانونية). * دكتور في الحقوق رئيس غرفة (سابق) بمحكمة النقض قــــــــــاض شرفي من الدرجة الاسـتثنائية مـــــــحام بهيأة البيضاء

أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لوحات فنية لملياردير تستنفر الأمن

العشوائي بأموال المبادرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات