قراءة: مسرحية “احتفال الجسد” لمحمد الوادي

صدر، أخيرا، للكاتب المغربي الدكتور محمد الوادي مؤلف جديد بعنوان "احتفال الجسد" عبارة عن نص مسرحي ينتمي إلى جنس ما يعرف ب"الاحتفال المسرحي" الذي يعتبر توجها مسرحيا قائم الذات عرف انطلاقته قبل حوالي ثلاثة عقود بالمغرب مع عدد من الأسماء المسرحية التي تعتبر رائدة في هذا المجال على رأسها عبد الكريم برشيد. واكبت هذا التوجه المسرحي بالنقد والتأليف أسماء أخرى منها عبد الرحمن بن زيدان وعبد المجيد فنيش، وفي ما بعد، محمد الوادي الذي جاء نصه المسرحي الحالي مستثمرا للعناصر النظرية ل"جماعة الاحتفاليين" التي عرفت لها نظراء في الشرق مثل "السرادق" (مصر) و"مسرح الشوك" (سوريا) و"الحكواتي" (لبنان).ونص "احتفال الجسد" مكتظ بأجناس أدبية وفنية، بشكل يصعب معه على القارئ، لأول وهلة، الفصل بين ما هو شعري وما هو نثري، والتساؤل الذي يتبادر إلى الذهن، هو هل يمكن اعتبار هذا النص "مسرحا" أم هو تمرد عليه، خاصة أن تفاصيل هذا النص مغرقة في الغموض، لم تستطع اللغة الموظفة فيه تبديده، وكأنه غير قابل للقراءة الإخراجية التي لا يبدو أنها هي الأخرى قادرة على إجلائه.ولعل هذا ما وعاه المؤلف محمد الوادي حين دعا القارئ بأن "لا ينخرط كليا في عوالم المسرحية، لأن هذا الانخراط قد يضيعه ويجره إلى متاهات لا حد لها".وعلى هذا الأساس بنيت معالم نص "احتفال الجسد" إذ بين الفينة والأخرى تتكسر الحوارات، إما عن طريق توظيف اللغة الدارجة، وإما عن طريق الانتقال الموضوعاتي وتوظيف الرمز واللغة الإشارية (وفق الاستعمال الصوفي) قصد تنبيه المتلقي إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون لعبة متفقا عليها سلفا حتى لا ينجرف وراء الاندماج الكلي، ويصدق أنه يعيش حدثا حقيقيا.ونص "احتفال الجسد" رصد للوضع العربي المهترئ، ولا يخلو من سخرية لاذعة له بأسلوب جديد وطريف. كما لا يقوم هذا الرصد على استحضار "الماضي الجميل" باللغة البكائية المعهودة، بل يشكك في الحاضر الذي يعتبره "مزيفا".وتنطلق المسرحية من فكرة، تبدو تقليدية شيئا ما، لكن أسلوب معالجتها هو الذي يتضمن عناصر الجِدّة، وفيها يتم استحضار شخصيات متحدرة من عمق التاريخ البعيد وربطها بالحاضر الحابل بالتناقضات، إذ تظهر شخصية "ليلى العامرية" (بطلة المسرحية) في رقعة جغرافية غير متوقعة بالنسبة إلى شخصية تاريخية مثل هاته، وهي منطقة "عين الذياب" في الدار البيضاء، بكل ما يختزنه هذا الفضاء من دلالات في أذهان عموم المغاربة.وتشرع "ليلى العامرية" في استعراض مشاكلها والبوح بهمومها، بالتوسل بوسائط لغوية وسيميائية، للتعبير عن حنينها إلى الماضي الذي يرمز إلى قيم الصفاء والحب والإخلاص، وتستحضر حبيبها "قيس" الذي ترى فيه أيضا منقذا ومخلصا لها مما هي فيه.ويتنقل المؤلف محمد الوادي من الهم الفردي ل"ليلى العامري" إلى الهم الجمعي للأمة العربية برمتها، فتتحول إلى رمز يشمل الأرض والكرامة والحرية.فشخصية ليلى تنتمي إلى الإرث الثقافي العربي، وإذا كان "قيس" هو خالق هذه الشخصية ومخلدها من خلال قصائده العابرة للقرون، فإن نص "احتفال الجسد" يقلب المعادلة فيجعل من ليلى هي التي تتحكم في قيس وتحركه، من خلال فعلي الاسترجاع والتغييب، كما أنها تمثل في هذا النص الشخصية المرجعية التي تحتل مساحة شاسعة داخل النص، بينما يكتفي قيس بدور هامشي يبدو فيه ضعيفا ومنهكا.ولعل الزج ب"ليلى العامرية" في متاهات "عين الذئاب"، يدفع، إلى استحضار نص آخر ينتمي إلى المسرح الاحتفالي هو "ابن الرومي في مدن الصفيح" هو الآخر، كيف استقدم عبد الكريم برشيد الشاعر ابن الرومي وجعله كائنا يتجول في مدن الصفيح وفيه تعيش هذه الشخصية الشعرية على هامش مدينة بغداد، مثقلة بالخوف من قطاع الطرق والسماسرة، بينما رُميت "ليلى العامرية" في قلب الدار البيضاء وعلى ساحلها المتقد وليلها المؤثث بالرغبة والمتع المسروقة، فينبت خوفها من تجار اللحم البشري وإغراءات البيترودولار ومن ذاتها أيضا، فتبدو معشوقة شاعر تروم الاعتراف. عزيز المجدوب

قراءة: مسرحية “احتفال الجسد” لمحمد الوادي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

10 سنوات سجنا لموظف بابتدائية الرباط

نويجا يعرض لوحاته الفوتوغرافية بالرباط

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات