حديث الصباح: من بالتزار غارسون إلى قاضي طنجة… أين المعجزة؟

إننا نعيش أزمة قيم وأزمة تفعيل القانون لن يخفف حدتها إلا إعلان الثورة ضد الرشوة لو التقى القاضي بالتزار غارسون مع القاضي المعتقل من طنجة، ماذا عسى أن يقول الواحد منهما للآخر؟ لا أدري، والجواب بين فكيهما ولا أحد يمكن أن يقرأ الكف أو الفنجان، ولكـــن:بالتزار غارسون ومن هم من طينته من القضاة مهما كانت عقيدتهم أو جنسياتهم، يفرضون الاحترام ويستحقون أكثر منه، إنهم يستحقون قيادة ثورة قضائية عالمية من أجل ميثاق دولي للأخلاق القضائية، ومن أجل مقاومة الإفلات من العقاب وفرض المساواة أمام القانون.بالتزار غارسون وقف قبل أيام، أمام أعلى محكمة بإسبانيا وأمام قضاة بلده ليحاكم، ومعه قلوب كل قضاة العالم تُحييه وتحميه وتشد أزره، ووراءه أشهر المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان. إنه يحاكم، لكنه لا يحاكم من أجل فساد السلوك ولا من أجل تلقي رشوة ولا من أجل انحراف أخلاقي، ولا من أجل تهاون مهني... إنه يحاكم لأنه أراد أن يؤدي مهمته كمحقق بضمير ونزاهة وقناعة للكشف عن مصير أكثر من مائة ألف ضحية من ضحايا الزمن الفرنكوي القمعي. إنه يحاكم لأنه أراد أن يجسد استقلال القضاء في السلوك. إنه يحاكم فقط لأنه أراد أن يمارس وظيفته بكامل الحرية، ويمارس شجاعته بكل جرأة دون حدود ولا حواجز. إن القاضي الإسباني غارسون ليس وحيدا داخل القفص. إنه يحاكم ومعه مئات الملايين من عشاق أيادي القضاة النزيهة، ومعه عالم القضاة والمحامين والحقوقيين من كل العالم، من داخل وخارج كل قاعات محاكم العالم، لأنهم كلهم يحبون العدالة ويخافون على القضاء، إذ لو ضاعت العدالة وانحرف القضاء لوصلت الإنسانية كلها إلى نقطة الصفر ولغرقت في طوفان الفناء والفتن.وما الفرق بين مدريد وطنجة؟ بين القاضي بالتزار والقاضي بطنجة؟ الفرق بالطبع سيقوله القضاة في أحكامهم، ولكن الأول مشتبه فيه لأنه أراد أن يكشف بعض جرائم نظام فرانكو، والثاني موضوع تحقيق في عملية "رشوة". ملف الأول يطرح موضوع قوة القاضي وسلطته وجرأته في محاربة الجريمة وحماية الضحايا، وملف الثاني يطرح قوة المال لشراء القضاة والأحكام وإفساد العملية القضائية لعرقلة كشف الحقيقة. ملف الأول يواجه فيه القاضي الإسباني سياسيين من اليمين والنيو فرانكويين الذين ينزعجون من التحقيق القضائي ويريدون قتل الحقيقة. وملف الثاني يتحامل فيه البعض مجانا لينتقد وكيل عام النيابة بطنجة وقاضي التحقيق بها اللذين باشرا مهامهما من أجل أداء واجبهما لفائدة الحقيقة ودخولهما بشجاعة مجال ثقافة محاربة الفساد والخروج من الحياد السلبي المعهود في المؤسستين والذي استمر عقودا من الزمن، حتى أصبح وكلاء الملك وقضاة التحقيق من بين المؤسسات المتهمة بالتستر على الراشين والمرتشين والمتسترين على الفاسدين، العاجزين عن المساهمة في نشر التخليق وإنقاذ المال العام، من المتسببين في عرقلة عجلة التنمية. الأول يرافع خلال المحاكمة والثاني يرافع قبل المحاكمة، وبين الأول والثاني في النهاية تاريخ من التجربة ومن المواقف ومن المعارك...وبين حالة مدريد وحالة طنجة، تحمل وزير العدل الجديد مسؤوليته السياسية، ويبقى على القضاء أن يتحمل المسؤولية القضائية ويسير بكل حرفية ونزاهة لأداء دوره، مع التوقف فقط عند الخط الأحمر والعامل الحاسم، أي ضمان النزاهة والأخلاق في التحقيق والمحاكمة وحقوق الدفاع، واحترام سرية التحقيق، والتعاطي الصحافي والإعلامي بالمهنية العالية مع الموضوع واحترام الدستور الذي يمنع التأثير على القضاء، وهكذا سيشعر الجميع بالمسؤولية في زمن محاربة الفساد مهما كان اسم الفاسدين ومواقعهم وانتماءاتهم. اليوم وبكل أسف يشكو المغرب بشهادة الجميع، أزمة اقتصادية ومالية وأزمة قيم وأزمة تفعيل القانون، لن يساهم في التخفيف من هولها إلا إعلان الثورة ضد الرشوة وتبييض الأموال وتهريبها، والانطلاق في عملية تخليق القطاعات الحيوية والإستراتيجية بالمغرب، وفي طليعتها قطاع العدل والمنتسبون إليه من قضاة ومحامين وغيرهم من مساعدي القضاء، مع الجرأة في تطبيق قواعد الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب قبل القانون الوطني، وفي مقدمة ذلك اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمحاربة الرشوة، وتفعيل آليات التخليق القضائية، والاصطفاف مع كل محب لهذا الوطن من شباب ونساء ورجال المغرب ممن لهم عزيمة لمحاربة الفساد، ومن مسؤولين كل حسب موقعه بمن فيهم وزير العدل والحريات وبمشاركة كل مساعديه وفي نطاق استقلال تام للقضاء، خصوصا أنه يعرف كما يعلم العديد منا أن الحكومات بالمغرب وحكومات عدد من دول العالم، هي من أشد المحافظين بل المحاربين أحيانا لعمليات التخليق والمستفيدين من انتعاش الرشوة والأمثلة أمامنا من بريطانيا لما رفضت التحقيق في صفقة الأسلحة للعربية السعودية، وإيطاليا لما ألغت المندومية السامية لمحاربة الرشوة، وفرنسا لما رفضت الكشف عن الوثائق الأساسية المتعلقة بفضيحة فرقاطات تايوان...علينا كمجتمع وكمناضلين وكمواطنين أن نسجل أن الجرأة القضائية لكل قضاة طنجة في امتحان، وهي في حد ذاتها عمل نابع من الشعور بالمواطنة ومن الوعي القضائي والدستوري. من شأن فتح التحقيق في الشكاية بالدقة والموضوعية كما قال الزميل حجي، أن يطلق دينامية التحلل من عقدة التخوف من الفاسدين، ومن دون اعتبار أن في الملف رجل قضاء فهذا أمر لا يهم، بل يهم الملف ومن بيده الملف الذي لاشك سيتهم أو لا يتهم بناء على قناعته، بل التحدي الحقيقي في اعتقادي يفرض علينا جميعا التصدى لمن يريد أن يجهض قيام القضاء بمهامه في محاربة الفساد و تطبيق حكم القانون والسهر على المحاكمة العادلة في عمقها وبكل مقاييسها الكونية، ومدى قدرتنا أن ندعم القضاء ونقنعه بأنه قوي لا يمكنه أن يُسَاهم مع الفاسدين في إضعاف العدالة وعرقلة أدوارها.إن من يصنع المعجزات القضائية والأحداث الكبرى في سجل العدالة هم في البداية القضاة أنفسهم، وقضاتنا بالمغرب لن يتضامنوا مع الفساد لأنهم يشاهدون الحراك العربي والمغربي ضد الفساد، والأمل أن نرفع مع الحوار الوطني من أجل العدالة الذي دعا إليه وزير العدل، شعار " القضاء والمتقاضون ضد الفساد" إننا نريدها حقيقة نراها، ولن ننام لكي لا نحلم بها فقط، كما يعلمنا الشاعر الكبير محمود درويش. بقلم: النقيب عبد الرحيم الجامعي

حديث الصباح: من بالتزار غارسون إلى قاضي طنجة… أين المعجزة؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

انتهاء التحقيق مع 12 مسؤولا سابقا بشركة "كوماناف"

خلافات والي القنيطرة والعدالة والتنمية تشرد 100 أسرة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات