كـيـكـو تـنـفـض غـبـار الـذل لـتـعـيـش

سكان من القرية نظموا مسيرة إلى إفران للمطالبة برفع التهميش عنهم لم تشفع لكيكو، تلك القرية القابعة بين جبال التهميش والإقصاء والنسيان والتناسي، غاباتها وثرواتها ونوع أغنامها المتميز وبطاطسها وبصلها ورمالها وأحجارها، في وقف نزيف معاناة سكانها العزل إلا من عزة النفس فيهم، وهم يحبسون دموعهم حسرة على واقعهم المزري الذي لا يحسدون عليه. العشرات منهم، خاصموا لغة الصمت منذ نحو سنة. ودخلوا في احتجاجات من آخرها مسيرتهم في 2 يناير، إلى القصر الملكي بإفران، لإسماع أصواتهم لجلالة الملك، بعد كبح صيحاتهم في مهدها. ويعقلون آمالا على تدخلات تنتشلهم من براثين التيه بين «النضال» والبحث عن لقمة عيشهم. مسيرة نحو القصر«كيكو المنسية، لا صحة، لا تنمية».. شعار أطر غضب نحو 262 شخصا ساروا الاثنين الماضي، في مسيرة، نحو قصر إفران، في خطوة تصعيدية ردا على عدم تفعيل وعود رسمية بالالتفاتة إلى مطالبهم، أعقبت اجتماعات ماراثونية «دون نتائج ملموسة»، مع مسؤولي إقليم بولمان.«باب القصر هو الملاذ الأخير لإنصافنا ورفع الحيف عنا».. هذا بعض ما صدحت به الحناجر، التي لم تنجح كل محاولات المسؤولين، في كبحها في مهدها، وثني الشباب والأطفال والنساء والرجال الغاضبين، عن مواصلة المسير بحماس وإصرار، بعد قطعهم نحو 35 كيلومترا، غير مبالين بالتعب والتبعات. خطوتهم الاحتجاجية، جاءت بعد أن لم تجد صيحات حناجرهم المبحوحة ونداءاتهم المتكررة بإصلاح أوضاع كيكو، الآذان المصغية، بل «قوبلت بمزيد من اللامبالاة»، رغم وعود «عسلية» تلقوها من مسؤولي العمالة، في لقاء السكان بالعامل بمقر القيادة، وحوار الفعاليات المدنية مع عدة مسؤولين. واستنفر تيار الغضب الجارف، مختلف الأجهزة الأمنية المحلية والإقليمية، معززة بقوات التدخل السريع الوافدة من مدن مجاورة، لاحتواء الاحتجاج. لكن هذا الحضور الأمني المكثف، لم يفرمل عزيمة «السائرين» في «مسيرة الغضب»، الذين وصلوا إفران، رغم المحاولات اليائسة لإيقاف زحفهم. وتحدث مصدر حقوقي عن نهج المسؤولين لكل السبل لتوقيف المسيرة الداعية إلى «رفع التهميش والإقصاء الممنهج المضروب على كيكو، ضحية لوبيات الفساد ومافيا الانتخابات»، ب»الحوار حينا والقمع والترهيب أحيانا»، مؤكدا تتويجها بحوار مع عامل إقليم إفران بتكليف من وزير الداخلية. فيضانات أججت الغضبكل سنة يتكبد سكان هذه المنطقة الفلاحية بامتياز، خسائر مادية فادحة في مزارعهم وديارهم، لفيضان نهر وافد من جماعة تمحضيت. ومنذ فيضانات 2008 التي توصف بالأكثر ضررا، انطلقت شرارة الغضب بين سكان كيكو، دون أن يكلوا في المطالبة بالالتفاتة إلى أوضاعهم وأحوال قريتهم.متقاعدون عسكريون ومدنيون، جمعيات وفاعلون نقابيون وحقوقيون وعاطلون، وسكان نظموا منذ ذلك التاريخ، وقفات احتجاجية أمام الإدارات المحلية، بل خرجوا يوم 16 فبراير الماضي، في مسيرة مماثلة لتلك المنظمة الاثنين الماضي، التي فشلت كل وسائل الإقناع في كبحها. أما شباب قرية كيكو، «الذاكرة المنسية في وسط جبال الأطلس المتوسط، رغم حضورها المميز في ملحمة الكفاح ضد المستعمر الفرنسي»، بتعبير أحد أبنائها البررة، فأسس حركة استهلت مسارها الاحتجاجي في فبراير الماضي، بعد أيام قليلة من خروج حركة 20 فبراير إلى الشارع. واستمر الغضب بتنظيم أشكال احتجاجية متنوعة، ما «أرغم المسؤولين على تقديم وعود من خلال لقاءات رسمية مع ممثلي السكان، لم تجد طريقها إلى التفعيل»، يؤكد فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببولمان، الذي تبنى ملف الغاضبين بكيكو الموجودة على مرمى حجر من إفران. الفرع الذي دعا كل الهيآت الديمقراطية إلى تشكيل «جبهة موحدة لدعم نضالات سكان كيكو»، حمل مسؤولية الأوضاع التي تعيشها المنطقة، إلى الدولة التي بنظره «سمحت للوبيات الفساد ومافيا الانتخابات بنهب ثرواتها وخيراتها»، مستنكرا «المقاربة الأمنية المنتهجة لمواجهة محتجين سلميين». مشاهد الألم والقلقسكان عزل لا حول ولا قوة لهم، يتألمون من شدة الفقر. مسنون عجزة مرميون بين الأزقة والدروب. أطفال مشردون تائهون بين بيع السجائر بالتقسيط و"الميكة الكحلة أو الملونة بسواد أيامهم". مقاه مفتوحة في وجه "ناس ما عندهم ما يدار"، عدا مباريات "الروندة" و"الكارطة" وأشياء أخرى.فتيات ونساء من مختلف الأعمار، اضطرتهن أوضاعهن الاجتماعية الصعبة، لامتهان "أقدم مهنة في التاريخ"، يسترخصن أجسادهن "المتآكلة" في وجه العابرين ومياومي الحقول الفلاحية، لمواجهة تكاليف الحياة. لا بديل لهن عن ذلك، وهن سجينات اللذة المفقودة، في براريك بدون عنوان. شباب ضائع بين براثين بطالة لا ترحم، وقد انسدت في وجوههم الآفاق وانفتحت أمامهم أبواب ولوج عالم المخدرات بحثا عن مسكنات لآلام لا تنتهي إلا لتتجدد مع كل صباح، في قرية "تزداد مآسيها اليوم، وتتكاثر جراحاتها"، دون أن ينفع في شيء، بصلها وبطاطسها وغنمها وفرشتها المائية. بطالة جارحة وجارفة تتلون وتتقنع بكل الأقنعة. كهول ونساء وشباب، بعربات مجرورة، ينتظرون من ينعم عليهم ب"البقشيش" نظير نقل أمتعة المتسوقين، في انتظار التفاتة توفر لهم، عيشا كريما، بقرية معزولة عن العالم الخارجي بدون مكتبات عمومية ولا أدنى شروط الفعل الثقافي. كلها صور لمشاهد يومية تعيشها قرية بمؤهلات فلاحية هائلة، ويمتزج فيها الألم بالقلق والترقب المشوب بالحذر والتخوف، لمستقبل يبعد أهلها عن مرارة العزلة والتهميش والأوضاع المزرية التي تحمل الجمعية الحقوقية ببولمان، مسؤوليتها للدولة وأجهزتها بهذا الإقليم القابع بين أسوار "الانتظار". فـي انـتـظـار كـودوفي انتظار تفعيل الوعود بتأهيل هذه القرية وبنياتها التحتية، المقدمة في لقاء السكان بعامل إفران الاثنين الماضي، تبقى أوضاعها مثيرة للتقزز خاصة في ما يتعلق بافتقار المركز الصحي للتجهيزات والموارد البشرية و»عدم التزام الموجودة بواجبها» بلغة بيان لفرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ببولمان. هذا الفرع الذي واكب مسيرة السكان المحتجين على طول مسارها، غير راض عن الخصاص في الأطر التعليمية وواقع الاكتظاظ والأقسام المشتركة، وعدم احترام حقوق شغيلة القطاع الفلاحي، خاصة في ما له علاقة بالحد الأدنى للأجور والانخراط في الضمان الاجتماعي والتغطية الصحية. أما فعاليات القرية، فلا يرضيها انتشار أوكار الدعارة، «المهنة المضمرة والمستترة» بلغة الحقوقي محمد بلكميمي، ما «ساهم في انحلال العائلة وانتشار الطلاق»، و»يتسبب في اشتباكات واصطدامات بين زبناء اللذة وأبناء المنطقة»، موضوع عدة شكايات توصل بها الفرع المحلي للجمعية الحقوقية. يقول حقوقيون إن الغابة بالقرية تعرضت لتدمير ممنهج و»أضحت جرداء تجر عليها فيضانات» بعد أن «تعرضت لعمليات قطع غير قانونية لتوفير الحطب لمواكبة برد القرية القارس، بل «أصبحت مصدرا أساسيا لبعض الأغنياء والأعيان بدعم من سياسيين، للاستفادة من أصوات الناخبين»، يقول بلكميمي. ويحمل أبناء المنطقة مسؤولية كل ذلك وتآكل البنايات والبنيات التحتية، إلى المجلس المحلي، الذي «لم يقدم شيئا يحسب له»، لتبقى كيكو بحفرها التاريخية ومعقلا للكلاب الضالة التي تستأسد في شوارعها وأزقتها الغارقة في أوحالها، في انتظار «كودو» الذي «قد يأتي وربما لن يأتي أبدا». دعوة إلى استثمار المؤهلاتلا يطالب سكان كيكو، إلا باستثمار مؤهلاتها التي برأيهم «تبقى تحت رحمة السماسرة ومن يدعمهم من الخلف»، خاصة أنها من «أهم المناطق التي تصدر الموارد الفلاحية، دون أن ينصفها القيمون من حقها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والبيئية»، يقول الحقوقي محمد بلكميمي. يؤكدون حاجتهم الماسة إلى معامل وشركات موازية لإنتاج البطاطس والبصل اللذين «تزود السوق الوطنية بكميات وافرة منهما»، من حيث التخزين والتصنيع، وأخرى للنسيج لوفرة الصوف نتاج قطيع مهم من الأغنام التي تشتهر المنطقة بأنواع خاصة منها، وقدرها مصدر حقوقي بأكثر من 300 ألف رأس. ويعد إحداث شبكة لتصريف الواد الحار، إصلاح الأزقة المحفرة، توسيع كهربة الأحياء.. بعض من مطالب يحلم السكان بتحقيقها وأن تنال نصيبها من اهتمام المسؤولين، على الأقل «تلافيا للحرج الذي نحسه من استقبال ضيوفنا، حتى لا نخجل من مطالبتهم بقضاء حاجتهم الطبيعية في الهواء الطلق». ويدعون إلى الاهتمام بثرواتها الطبيعية من غابات ومقالع الرمال والأحجار، مطالبين بتحسين صورة مركز الجماعة الذي تنعدم فيه البنية التحتية الضرورية من طرق معبدة وأزقة مبلطة، «ما يحوله إلى بركة ماء ووحل ملوث لامتزاج المياه العادمة بمياه الأمطار» التي لم يسلم منها السوق الأسبوعي.هذا السوق يدر على خزينة الدولة، 300 مليون سنتيم سنويا، ويشكل متنفسا أسبوعيا، للتبضع وترويج المنتوج المحلي بهذه القرية التي يستغرب شبابها لإغلاق دار الشباب بها، كآخر أمل لهم في مستقبل يعفيهم متاهة الضياع والانحراف، ويفتح لهم أفق التنشيط الثقافي والفني والتربوي. حميد الأبيض (فاس)

كـيـكـو تـنـفـض غـبـار الـذل لـتـعـيـش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سـلـطـات تـطـوان تـهـدم بـنـايـات عـشـوائـيـة

اللبرالية كسبت... في مصر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات