فـاس عـلـى صـفـيـح سـاخـن

خمس وقفات في يوم واحد و"عدوى" الاحتجاج تطول الطلبة والعاطلين والسائقين والنقابات وسكان الصفيح تعيش فاس على صفيح ساخن إثر ارتفاع وتيرة الحركات الاحتجاجية، بطريقة حولت شارعي الحسن الثاني وعلال بن عبد الله إلى موقعين يتبارى فيهما "غاضبون"، على إطلاق العنان لحناجرهم المبحوحة، في محاولة لإسماع أصواتهم إلى المسؤولين. خمس وقفات في يوم واحد، أربع منها قبالة مقر الولاية.. وحدة الغضب زادت تأججا في صفوف العاطلين والطلبة ومهنيي سيارات الأجرة والأطر الطبية وقاطني حي الليدو.. وموجات الغضب الشعبي، لا تنتهي إلا لتفسح المجال لأخرى.. والبقية قد تأتي بمفاجآت يجب تحاشيها باستئصال أسباب تلك الاحتجاجات. يوم غضبالخميس 29 دجنبر الماضي ، يوم مشهود وغير معهود في فاس الهادئة. ناشطو نقابة حزب الوردة، وقفوا أمام البلدية، للاحتجاج على طرد عمدة المدينة، ناشطين في حركة 20 فبراير. وثلاث فئات للعاطلين تجندت لتعكير صفو هدوء مقر الولاية، جنبا إلى جنب مع سائقين غاضبين من استفحال النقل السري بالمدينة. وطيلة خمسة ساعات، شلت حركة السير بين مقري ولايتي الجهة والأمن بشارع علال بن عبد الله، ما كان له انعكاس ملحوظ على باقي الشوارع المختنقة بالعربات العابرة لها. طوقت قوات الأمن الموقع، دون تدخل عنيف، في هدنة أعقبت «لعبة القط والفأر» بينها وعاطلين في احتجاج مستمر منذ أسابيع. وعملت القوات العمومية جاهدة للحيلولة دون تدفق الغاضبين على مقر الولاية، فيما دقت طبول «الحرب» بشكل أغرق الشارع، بالمحتجين، بعد يوم واحد من احتجاج الأطباء والممرضين بمستشفى الغساني ضدا على تغيير إدارته في تقليد أسبوعي، ومسيرة الطلبة ضدا على اعتقال متابعة أربعة من زملائهم. العاطلون عن العمل، بمختلف فئاتهم، كانوا الحلقة الأهم في «يوم الغضب» أمام الولاية. نشطاء جمعيتي المجازين وحملة الشهادات، والاتحاد الوطني للمجازين المعطلين بفاس والنواحي، حضروا بالعشرات، للمطالبة بفتح حوار مسؤول معهم، وتوفير الشغل الضامن الوحيد لكرامتهم. حناجرهم بحت صدحا بشعارات استنكرت واقع التهميش والإقصاء ولغة الصمت «المريب»، غير مستسيغة «حوار الزرواطة» و»تهشيم العظام» و»بوقلة» الرؤوس، حسب وصف بيان اتحاد المجازين، القائل إن «العنف لا يولد سوى الحكرة، والحكرة تولد السخط الذي لا يمكننا حصر نتائجه». احتجاج أحمرالعشرات من سيارات الأجرة الصغيرة، رابطت قبالة الولاية ابتداء من العاشرة صباحا، في احتجاج أحمر منع على باقي العربات، المرور بالشارع. أبدع سائقون طرق نقل غضبهم للمسؤولين بما في ذلك التهديد بإحراق الجسد و»أشياء أخرى»، كما فعل سائق بدا في حالة هستيرية وهو ملقى أرضا. الاحتجاج على الوضعية المزرية للسائق المهني والقطاع، دافع للوقفة التي دعت إليها تنسيقية سائقي «الطاكسيات» الصغيرة، المشكلة من تعاونيتي «الوحدة» و»طاكسي كوم» وجمعيتي «البديل» و»المودة» والاتحاد المغربي للشغل والنقابة الشعبية للمأجورين والنقابة الوطنية لسائقي السيارات.«لا تنمية حقيقية بدون مقاربة تشاركية فعالة».. شعار أطر غضبهم «إغلاق باب الحوار الذي نطالب أن يكون بشكل دوري، حتى يتسنى لنا مناقشة جميع مشاكل النقل بالمدينة» بلغة بلاغ تلك التنسيقية المحلية التي بدت غير مرتاحة لعدم التعاطي الجدي مع ملفها المطلبي. ولا تستسيغ الهيآت السبع، «إفراغ العقد النموذجي من هدفه الإيجابي المتمثل في إجبارية مهنيته، حتى يكون الطرف الثاني، سائقا مهنيا»، و»اكتساح سيارات الأجرة الكبيرة للمدار الحضري» و»تفشي ظاهرة النقل السري» في كل الخطوط خاصة بين باب الفتوح والأطلس والنرجس والرصيف. مهنيو «الطاكسي الحمرا» الذين حاوروا مسؤولين أمنيين، لم يخفوا غضبهم من تنامي حوادث سرقتهم التي كان من آخر ضحاياها زميلهم بمنطقة وسلان، غير مستسيغين «عنترية» «الخطافة» الذين لا يتوانون في ادعاء حمايتهم من أطراف نافذة، دون «مباشرة حملات جدية لاستئصال الظاهرة». طبول الاتحادوضع الاتحاديون من جديد، عمدة المدينة، نصب أعينهم بعد هدنة مؤقتة لم تدم طويلا، وقرعوا طبول غضبهم على قراره بفصل الموظفين محمد الحراك ولحسن علابو، مدشنين أولى تحركاتهم بوقفة في اليوم ذاته، أمام مقر الجماعة، دعت إليها الفيدرالية الديموقراطية للشغل، المقربة منهم. المطالبة بالعدول عن عدم منح التعويضات لعدد من الموظفين غير المحسوبين على حزب الاستقلال، دافع آخر لهذا الاحتجاج، إضافة إلى «إغلاق باب الحوار في وجه النقابة» و»عدم تجاوب رئيس المجلس، مع الملف المطلبي المحلي الذي كان موضوع اتفاق سابق بين الطرفين». النقابة المحتجة تحدثت عن اقتطاعات من أجور 47 عاملا وموظفا جماعيا، وحرمان آخرين من التعويضات المذكورة. ولم يتوان ناشطوها المشاركون في الوقفة إلى جانب أعضاء في حركة 20 فبراير بالمدينة، في ترديد شعارات معارضة لرئيس المجلس، الذي طالبوه ب»الرحيل». واستحضرت القرار الذي وصفته ب»الجائر»، الصادر في حق علابو وحراك، لتنضاف بذلك إلى الاتحاد المغربي للشغل الذي سبق له أن نظم وقفة احتجاجية أمام البلدية في وقت سابق، للسبب ذاته، فيما كان الملف طغى على احتجاجات سابقة لحركة 20 فبراير أمام مقر ولاية الجهة. تحدث مصدر نقابي عن تضييق على العمل النقابي، دون أن يستبعد الدخول في أشكال احتجاجية تصعيدية ضدا على طرد الحقوقيين ناشطي الحركة، اللذين حرما من عملهما ومصدر عيشهما وأسرتيهما، بموجب «قرار لم يحترم الإجراءات القانونية المعمول بها في المجال». ظهر المهرازموجة الغضب بفاس، لم تقتصر على ما سلف، بل شملت فلاحين تراموا على بقعة أرضية في ملكية السكك الحديدية ببنسودة لإقامة مساكن لعائلاتهم، وطلبة كليات ظهر المهراز، وزملائهم في كلية الشريعة، ساحبي شهادات الباكالوريا من مصلحة شؤون الطلبة، احتجاجا على الرئاسة. وإذا كان "صراع المواقع" بالكلية، قد لا ينتهي بعرضه على أنظار القضاء، فغضب أطباء وممرضي مستشفى الغساني، ضدا على تغيير إدارته، متواصل كل أربعاء، في انتظار حل "منصف"، في ملف توجه أصابع الاتهام فيه، إلى وزيرة الصحة، المتهمة في شعارات المحتجين، بوقوفها وراء ذلك. واعتبروا قرارها، "شططا ومحاولة لتزكية المقربين منها، قبل مغادرة الوزارة"، مستغربين إعفاء مدير المستشفى، من مهامه رغم انضباطه وسمعته الطيبة بين العاملين في المؤسسة، ورغم أنه لم يمر على تعيينه سوى أشهر معدودة على رؤوس الأصابع، "لا يمكن تقييم عمله خلالها"."الصحة عمومية ماشي ضيعة استقلالية" و"عليك الأمان، عليك الأمان، عمر الصحة ما تزيان حتى يرحلوا شي قومان" و"فضيحة، فضيحة سياستكم عطات الريحة".. شعارات رفعوها، دون أن ينسوا المطالبة بتدارك واقع النقص في التجهيزات والأطر الطبية وشبه الطبية، وسوء تدبير القطاع. أما سكان دور الصفيح القريبة من المستشفى، فخرجوا عن صمتهم، معلنين غضبهم على "الخروقات التي شابت عملية إعادة إسكان قاطني "البراريك" المتنافية مع روح اتفاقية 2002"، مطالبين بفتح تحقيق في الموضوع، واسترجاع البقع الأرضية التي "تم بيعها للقطاع الخاص". وماذا بعد؟موجة الغضب المتأجج التي انضافت إليها مؤسسات تعليمية تحصي يوميا رقم احتجاج تلاميذها على الخصاص في الموارد البشرية خاصة بحي المصلى ودوار ريافة، لها أسباب متباينة ومختلفة. لكن تأججها في هذه المرحلة، قد تكون له تأويلات متنوعة، تختلف حسب المؤولين وانتماءاتهم. وفي انتظار "حقنة أنسولين" ناجعة لرأب الصدع وأسبابه، وقع مسؤولون مدنيون وسياسيون وجامعيون، عن إعلان يوم سنوي لفاس في الرابع من يناير، راهنوا على تفعيله في إطار حكامة محلية جيدة وموضوعية وهادفة، للسير بالمدينة، نحو "تحقيق الاستدامة واستئناف الريادة".وتعهدوا بأن يكون هذا اليوم، يوما للشروع في بناء المدينة، وموعدا سنويا وباعثا على تجديد العهد ومواصلة العزم لمعالجة الاختلالات وتأمين التوازنات، والحفاظ على أمجاد فاس ودورها التاريخي الذي نهضت به في تأسيس الدولة المغربية، ورسالتها الحضارية التي امتد إشعاعها عبر الزمان والمكان. الإعلان تعهد بالحفاظ على معالم فاس التراثية وأنساقها الحضارية ومراكزها العلمية وريادتها الفكرية، واستحضار رياضها الفيحاء وجنانها الغناء وأحيائها المشعة نظافة، المزهوة بجميل التساكن، وحسن الجوار، ووفاء لأعلامها ونسائها ورجالها الذي "صانوا الدين واللغة، وذادوا عن الحمى". وترقبا لتفعيل شعار "فاس الألفية الثالثة، أي تصور؟" المعلن لأول احتفال بقصر المؤتمرات، ينتظر سكان هذه المدينة العالمة بخباياها، أن "يتحلى مسؤولوها، بجرأة الاعتراف بالواقع والسعي لمحو كل ما يمكن أن يعكر صفو قاطنيها، من أهل فاس والنازحين، تلافيا لتكرار محطات سوداء في تاريخها". حميد الأبيض (فاس)

فـاس عـلـى صـفـيـح سـاخـن

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جـمـعـيـات مـحـمـيـات شـجـرة الأركـان تـدق نـاقـوس الـخـطـر

تطور الاستهلاك الأسري يرفع النمو الاقتصادي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات