fbpx
منبر

تقليص المناصب الرسمية من شروط الإصلاح

د. ميلود العضراوي*
إعادة النظر في هيكلة البنية الإدارية للحكومة،مشروع دينامية إصلاحية تحتمه شروط التغيير السياسي التي يعمل الدستور الجديد على بلورتها. ومعضلة إصلاح البنية الإدارية للحكومة وتأهيلها وتقليص المناصب الوزارية والمناصب الرسمية في أجهزة الدولة، هما جوهر هذا المشروع الإصلاحي، القادر على تنفيذ برامج الإصلاح ومشاريع التنمية واحتواء الأزمات والطوارئ.
لذلك، فإن توسيع الحكومة بدل تقليصها، ليس رأيا صائبا، بل هو عين الخطأ، فإذا ساير بنكيران هوى النفوس المريضة لبعض حلفائه، وخضع للالتفافات التي تتربص به في ترهيل المجلس الوزاري، فإنه سيكون قد أخفق في أول امتحان له في تدبير الإشكال الأول من روزنامة المشاكل التي ستأتي تباعا. هناك أحزاب في دائرة التحالف، تشترط الحصول على نسبة من الحقائب لا تسمح بها الحصيلة العددية للتشكيلة الحكومية تبعا لشروط تأهيل الهيكل الإداري للحكومة وعقلنته، فطموح بعض المتحالفين في الاستحواذ، بمعيار الإرضاء،على القدر الأكبر من الحقائب الوزارية، لا يستحضر خيار الإصلاح في برنامج  التحالف السياسي، وهو شيء يضع الحزب الأغلبي أمام خيارين، إما إلغاء التحالف والبحث عن شركاء آخرين يتفهمون شروط الإصلاح والتغيير، وأولها تقليص المجلس الوزاري وإصلاح الهيكل الحكومي والاقتصار على حوالي 15 حقيبة وزارية هي المكون البنيوي السياسي لحكومة واقعية وموضوعية، أو الاستسلام لطمع الأحزاب وطموحهما وإصرارهما على  تكريس النموذج الحكومي المتهالك ونبذ الإصلاح.
فالحكمة إذن تقتضي أن يدبر المجال الإداري بمنتهى الحذر والتفطن، لما قد تتسبب فيه عشوائية التسيير من خسائر مالية وضياع للوقت لا تسمج بهما الظرفية الحالية التي تخوض الحكومة الجديدة غمارها، فالمغرب بلد فقير لا يتوفر على ثروات، وما باحتياطه من ثروة زهيدة، يجب أن يكون محل مساءلة ومراقبة دائمة حتى تسير الأمور كما يجب.
صعوبات المرحلة
لا شك أن صعوبة تدبير المرحلة الأولى لتشكيل الحكومة، ينبئ بسوء فهم خطير لمشروع التغيير الذي جاء في مضامين الدستور الجديد ومطالب الشارع المغربي
ويعمل على وأد خيار هذا التغيير الذي راهن عليه الشعب من قبل قوى سياسية رجعية، وذلك بعودة أسماء مألوفة إلى الحكومة، لم يتغير على يدها شيء وهي تتحمل مسؤوليات حكومية على مدى ثلاث ولايات متلاحقة، تريد الإبقاء على دينامية حكومية، هي مجرد حزمة من الأجهزة الإدارية المكدسة فوق بعضها البعض، تؤطرها بيروقراطية محرومة من سيادة القرار. وأغلب وزرائها حراس المصالح الفئوية الخاصة، وأعمالها ومنجزاتها، تقارير وتصاريح إعلامية تعكس وضعا حزبيا يتقاطع في لعبة المرايا السياسية المحدبة.
فهل هذه هي حكومة بنكيران ؟
المنطق يقتضي أولا، الاستغناء عن كل الأسماء والوجوه القديمة، ومباشرة التأهيل الوظيفي للحكومة الجديدة، بما تتطلبه مصالح البلاد وأولوياتها الضرورية، وذلك من خلال تنظيم إداري مرن يؤطر تأطيرا علميا وعمليا حكومة العهد الجديد، لتمتلك كل الوسائل الدستورية لقيام دولة مدنية عصرية تسير حثيثا نحو النظام الديمقراطي.
والجدير برئيس الحكومة أن يباشر من الآن عملية تشذيب شجرة الانتساب الحكومي، ويستغني عن وزارات غير ذات مردودية، ويعمل على تجاوز التضخم البيروقراطي في مرافق الدولة، الذي وصم مرحلة ما قبل الربيع المغربي، وصار علامة فارقة في فشل تدبير مؤسسات الدولة، فمن الأفضل التخلص من رواسب المنهج التقليدي المعمول به منذ عقود، فذلك يساعد جيدا على تدبير الترسانة الإدارية للدولة، ويؤهلها بمنطق العقلانية والتقنين ونبذ المنهج العشوائي في رسم التصميم الإداري للحكومة وخلق وزارات وهمية بحقائب حكومية لا تقدم خدمة بعينها، وبالتالي التخلص من محاصصة الريع السياسي للأحزاب التي كانت تقود حكومات ما قبل استحقاق نونبر 2011.
المستقبل لم يعد يحتمل النظرة التقليدية لتدبير الشأن العام، فالتغيير هو الوضع المناسب لحل المشاكل العالقة ولتخليص الهيكل الإداري للدولة من تناقض المصالح الإدارية وتضاربها واختلال التنسيق فيما بينها، ويساعد على طبيعة ومستوى وجودة الأعمال المنجزة.
الحكامة الجيدة للتدبير
إن المنهج العلمي، فيما يتعلق بالتنظيم الإداري بما في ذلك تصميم النسق الوزاري للحكومات وهيكلتها، يساعد على الحكامة الجيدة للتدبير الحكومي، ويبقى خيار تقليص الوزارات،أحد أسس هذا التنظيم، بغض النظر على أن من حسنات هذا المنهج، التأهيل الوظيفي للحكومة وتطهيرها من الزوائد والشوائب ويعفي الخزينة العامة من شر الإنفاق الحكومي العشوائي والتبذير المنهجي لميزانيات شؤون التسيير التي تزيد ثقل كثلة الأجور وميزانيات الإنفاق الحكومي، وتلتهم مبالغ طائلة من ميزانية الدولة.
فتجميع عدد من الوزارات التي تدور في فلك واحد أو تؤدي وظائف حكومية متقاربة، في وزارة واحدة، هو عين العقل، فوزارة التعليم، مثلا، يمكن أن تصير وزارة التربية الوطنية والشباب والتعليم والبحث العلمي وتكوين الأطر والتكوين المهني، وبذلك يتم الاستغناء عن ثلاث وزارات تدور في نفس الفلك،هي وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب ووزارة التكوين المهني.
أما وزارة المالية، فيمكن أن تتشكل من وزارة المالية والاقتصاد والسياحة والتجهيز والنقل وحذف وزارة سميت جزافا بوزارة الشؤون الاقتصادية والعامة، لصاحبها نزار بركة، فنختصر بذلك وزارتين تهيكلان في منظومة واحدة لوزارة المالية.
أما وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، فنضم إليها كل من وزارة الصناعة التقليدية والتجارة، بالإضافة إلى مهام وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا ومديرية لرعاية شؤون المهاجرين، ونستغني عن وزارتين لا ضرورة لهما.
أما وزارة الفلاحة، فتصير وزارة الفلاحة والمياه والغابات وشؤون الصيد البحري والملاحة البحرية والبيئة والمعادن.
أما بالنسبة لوزارة تهيئة التراب الوطني فتصير قسما في وزارة الداخلية التي تتكفل أيضا بمديرية البريد والاتصالات وشؤون الجماعات المحلية.
وبالمناسبة، هذه التركيبة الإدارية المدعوة الجماعات المحلية، لا تستوجب إنشاء وزارة مستقلة بذاتها، بقدر ما هي في حاجة إلى إعادة النظر في دورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وإيجاد حلول بديلة لهذه التركيبة الإدارية المعقدة والتي تعرف مشاكل متعددة أهمها الفساد المالي والريع الاقتصادي الذي تتخبط فيه وسوء التدبير، وانعدام آليات المراقبة المالية والمحاسبة والجزاء.
أما وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فلها أن تصير قسما في وزارة الثقافة أو يحدث العكس أي تندمج الثقافة في وزارة الأحباس والشؤون الإسلامية. وتلغى وزارة الاتصال من التشكيل الحكومي، وتبقى الوزارات الأخرى بدون تغيير لأهميتها الإستراتيجية.
طبعا كل وزارة محذوفة تصير مديرية في الوزارة التي ألحقت بها، والكل تحت إشراف الوزير المعني وإمرة رئيس الحكومة.
هذا في نظري هو التصميم الذي ينسجم مع شروط المرحلة لتلافي الفائض في دواليب الحكومة وتقنين المصالح الإدارية وعقلنتها. وعلى هذا المنوال، تتشكل حكومة من حوالي  خمسة عشر وزيرا على الأكثر، تتمتع بفعالية ودينامية كبيرة، ولها قدرة أكثر على التحرك والسرعة والكفاءة في إدارة ملفات هامة تعلق عليها البلاد آمالا كبرى. وما ينطبق على التنظيم الحكومي سيطبق أوتوماتيكيا على الإدارات اللامركزية والجهوية، وبالتالي مواصلة موكب الإصلاح في القطاعات العمومية كل على حدة .
من نتائج ذلك أيضا، المحافظة على ميزانيات مهمة في الخزينة العامة، بدل أن تستعمل في تغطية تكاليف مؤسسات حكومية تتقمص أدوار بعضها البعض وتستنزف من ميزانية الدولة مبالغ طائلة.. لذلك، فمسألة تأهيل آلية العمل السياسي الحكومي، أمر ضروري علاوة على مراجعة أدوار العديد من المصالح في مؤسسات وزارية تستعير مسميات متناقضة أو متشابهة وتقوم بالأدوار نفسها مع الاقتصار على بروز خصوصية الفاعل السياسي الذي يوجد على رأسها.
أغلب الظن أن التشابه الحاصل في هذه الوزارات من حيث المهام المنوطة بها، يعود إلى أن مهندسي “أورغانيغرام” الدولة، توخوا أن تنجز المهمة الواحدة بنسب متفاوتة على مستوى كل هذه الوزارات ذات الوظيفة الواحدة،وأن يتم ذلك بشكل من التضامن الوظيفي بين المسؤولين الكبار، فهناك مناصب لا داعي لوجودها،اقتضت المصالح المشتركة أن تكون استجابة لممانعة سياسية معينة وإرضاء لرغبات حزبية مقترحة، فـ”التوافقية السياسية” و”المنهجية الديمقراطية”، رسمت منذ عهد طويل أسلوب الإرضاء وجبر الخواطر. تلك سياسة جنت على النسق الإداري العمومي في المغرب وسببت له ترهلات خطيرة وزوائد إدارية يصعب التخلص منها،دون أن تتوفر شروط دمقرطة الأجهزة الإدارية عن طريق برنامج واضح للتطهير والإصلاح.

إعادة النظر في هيكلة البنية الإدارية للحكومة،مشروع دينامية إصلاحية تحتمه شروط التغيير السياسي التي يعمل الدستور الجديد على بلورتها. ومعضلة إصلاح البنية الإدارية للحكومة وتأهيلها وتقليص المناصب الوزارية والمناصب الرسمية في أجهزة الدولة، هما جوهر هذا المشروع الإصلاحي، القادر على تنفيذ برامج الإصلاح ومشاريع التنمية واحتواء الأزمات والطوارئ.لذلك، فإن توسيع الحكومة بدل تقليصها، ليس رأيا صائبا، بل هو عين الخطأ، فإذا ساير بنكيران هوى النفوس المريضة لبعض حلفائه، وخضع للالتفافات التي تتربص به في ترهيل المجلس الوزاري، فإنه سيكون قد أخفق في أول امتحان له في تدبير الإشكال الأول من روزنامة المشاكل التي ستأتي تباعا. هناك أحزاب في دائرة التحالف، تشترط الحصول على نسبة من الحقائب لا

Assabah

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد


يمكنكم تسجيل دخولكم أسفله إن كنتم مشتركين

تسجيل دخول المشتركين
   


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات

نود أن نشكركم على زيارتكم لموقعنا. لكننا نود أيضًا تقديم تجربة مميزة ومثيرة لكم. لكن يبدو أن مانع الإعلانات الذي تستخدمونه يعيقنا في تقديم أفضل ما لدينا.