“جنان الخير” لتلقين تقنيات الفلاحة الطبيعية

ضيعة تجريبية اشتغل فيها مزارعون وتمكنوا من إقامة مشاريع خاصة بهم هل الطلب المتنامي على المنتوجات البيولوجية أو الطبيعية، التي تنتج دون استعمال المبيدات والمواد الكيماوية والبذور المعدلة جينيا، ناتج عن وعي لدى المستهلكين بالأهمية الصحية لهذه المنتوجات، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون موضة وتقليد للبلدان المتقدمة؟ من الصعب الجزم بجواب بهذا الخصوص. لكن الشيء المؤكد أن هناك طلبا متزايدا على هذه المنتوجات يعكسه انتشار الضيعات المتخصصة في هذا النوع من الزراعات، فغير بعيد من الدار البيضاء، وبالضبط في جماعة دار بوعزة، تنتشر عشرات الضيعات التي تنتج الخضر البيولوجية، على غرار الضيعة التجريبية «جنان الخير»، التي توجد بالقرب من دوار «الرأس العالي»، التابع لجماعة دار بوعزة.تعتبر هذه الضيعة مركزا للتكوين، إذ أن العديد من الذين اشتغلوا بها تمكنوا من الاطلاع على تقنيات الزراعة البيولوجية وتحولوا بدورهم إلى منتجين لهذه المنتوجات. وتعتبر فطومة الجيراري بن عبد النبي، صاحبة المشروع، أن الهدف من إنشاء هذه الضيعة هو، بالدرجة الأولى، تشجيع الفلاحين على الفلاحة البيولوجية، من خلال تمكينهم من تقنيات هذا النوع من الزراعة، إذ تعتبر ضيعة تجريبية من أجل تأطير الراغبين للتعاطي لهذا النوع من النشاطات. وبالفعل تمكن عدد من سكان المناطق المجاورة من تلقي الدروس التطبيقية داخل هذه الضيعة، واكترى أرضا رفقة شريكين وشرعا في إنتاج المنتوجات البيولوجية. ما شكل حافزا لأشخاص آخرين من أجل السير في هذا التوجه. ويلاحظ، في هذا الصدد، بجوار ضيعة «جنان الخير»، انتشار مجموعة من الضيعات ذات الإنتاج الطبيعي، وهناك طلب متزايد على هذه المنتوجات، إذ توجد لائحة انتظار طويلة بالنسبة إلى الراغبين في اقتناء محصول هذه الضيعات.في بداية المبادرة كان مقتنو هذه المواد من المؤمنين بالفكرة وأرادوا إنجاحها من خلال شراء ما تنتجه هذه الضيعات، إذ أن البعض يؤدي مسبقا على أن يتم تزويده بمختلف الخضر المنتجة طبيعيا على رأس كل أسبوع، وبعد أن عرفت هذه الزراعة انتشارا في هذه المنطقة حظيت باهتمام شركات كبرى متخصصة في هذا النوع من الزراعات، إذ يتصل مسؤولو هذه الشركات بأصحاب هذه الضيعات من أجل اقتناء محصولهم، ما يعني أنه لم يعد هناك مشكل في تسويق هذه المنتوجات، بل المشكل يكمن في رفع المحصول للاستجابة للطلب المتزايد، علما أن أصحاب هذه الضيعات يصرون على تأمين تموين الزبناء الأوائل، الذين تضامنوا معهم في بداية مسارهم، فأصحاب الضيعات يعتبرون أن هناك دينا عليهم تجاه من شجعهم عند انطلاق مشاريعهم.تعتمد الزراعة البيولوجية على التنوع، إذ لا يمكن زراعة نوع واحد من النباتات على المساحة الزراعية، فنجد صفوفا متجاورة من مختلف المزروعات، لكن ذلك يتم وفق قواعد محددة تأخذ بعين الاعتبار علاقات النباتات ببعضها. وأوضحت فطومة الجيراري بن عبد النبي أنه عندما نزرع الجزر بالقرب من الطماطم فإن كلا منهما يحمي الآخر، إذ أن رائحة الجزر تمنع الذبابة المضرة بالطماطم من الاقتراب منها، كما أن الحشرة التي تضر بمحصول الجزر لا يمكنها أن تهاجم هذا المنتوج إذا كان مزروعا بالقرب من الطماطم. وهكذا فإن النباتات تتضامن مع بعضها.وتسعى الضيعة التجريبية «جنان الخير» إلى تأطير الراغبين في التعاطي لهذا النوع من الزراعة من أجل الإطلاع على التقنيات والأساليب التي يتعين اتباعها في مثل هذه الزراعات. فهناك قواعد علمية لا بد من احترامها، ويحضر مختصون أجانب من أجل تأطير المزارعين. وأصبحت ثقافة إنتاج واستهلاك المواد البيولوجية تنتشر بالمغرب رغم غياب الدعم اللازم من السلطات العمومية. لكن تظل الضيعات المتخصصة في زراعة المنتوجات العضوية عبارة عن مبادرات فردية وميدانا للعمل بالنسبة إلى جمعيات المجتمع المدني، التي تنشط في مجالات البيئة والتنمية البشرية على غرار جمعية «الأرض والإنسانية».وتمكنت هذه الجمعيات من إقناع العديد من المزارعين باعتماد تقنيات الفلاحة الطبيعية أو البيولوجية. ففي منطقة دار بوعزة أصبح العديد من المزارعين يخصصون جزءا من أراضيهم للزراعة البيولوجية، إذ هناك، حاليا، عشرات الضيعات المتخصصة في هذا النوع من الزراعات، وذلك بعد الإقبال المتزايد على هذه المنتوجات، فهناك أسر، خاصة من الدار البيضاء، تقتني هذه المنتوجات. ومن أجل تلبية الطلب يجتمع أصحاب الضيعات كل يوم ثلاثاء أو أربعاء من أجل تحديد محصول كل ضيعة وأنواع الخضر التي تتوفر عليها، وبعد عملية حصر أنواع المنتوجات، يجمع المحصول ويوزع على حصص، حسب عدد الطلبات، وتبلغ كل حصة ما بين 14 و15 كيلوغراما من الخضر والنباتات الموسمية، التي يتم إيصالها إلى أصحابها بعد أن أدووا مقابلها المالي، الذي لا يتعدى 200 درهم، كما أكد ذلك مسير بإحدى هذه الضيعات. وهكذا يضمن أصحاب هذه الضيعات مدخولا منتظما. وانعكس هذا النشاط على الدواوير المجاورة لهذه الضيعات، إذ توفر مناصب شغل لشبابها، كما تحول العديد من السكان إلى مزارعين يعتمدون تقنيات الزراعة البيولوجية.ويتوقع ناشطون في هذا المجال أن تعرف هذه الزراعة تطورا ملحوظا، إذا اعتمدت الحكومة إستراتيجية، في إطار المغرب الأخضر، خاصة بهذا النوع من الزراعات، إذ يعتبرون أنها تمثل قطاعا قائما بذاته لا يقتصر على النشاطات الفلاحية فحسب، بل يتعين أن يتشكل قطب يضم كل النشاطات المرتبطة بهذا المجال. وذلك من أجل توفير ما تحتاجه من مواد أولية، مثل البذور والأسمدة والمبيدات العضوية بالإضافة إلى الوسائل اللوجيستيكية.وهناك اقتناع متزايد لدى المزارعين الذين استفادوا من دورات تدريبية في الضيعات التجربية، مثل ضيعة «جنان الخير»، التي أصبح لها إشعاع يتجاوز الحدود الوطنية، إذ تستقبل خبراء دوليين في مجال الزراعة البيولوجية، إضافة إلى الطلبة الأجانب، وصادفنا خلال زيارتنا للضيعة طالب وطالبة فرنسيين يقيمون بها ويعتزمون إعداد تقرير مصور حول التجربة المغربية في الفلاحة البيولوجية. ع . ك

“جنان الخير” لتلقين تقنيات الفلاحة الطبيعية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الفلاحة البيولوجية ضرورة اقتصادية واجتماعية وبيئية

تعاونية للزراعة البيولوجية بدكالة

مقالات ذات صلة