سـوق الـشـريـفـة بـالـبـيـضـاء… الـحـكـرة

مئات الباعة يتمردون على صمت دام ثماني سنوات ويفضحون مؤامرة السوق النموذجي ومدير الشركة يوضح يقطع تجار السوق النموذجي بحي الشريفة بعين الشق بالدار البيضاء، اليوم (الاثنين)، مسافة خمسة كيلومترات، مشيا على الأقدام، وصولا إلى مقر عمالة مقاطعة عين الشق، احتجاجا على ما وصفوه "بالصمت المطبق لممثلة صاحب الجلالة بالمنطقة وتخاذلها في إيجاد حل نهائي لمعاناة عمرت أكثر من ثماني سنوات"، في الوقت الذي يقدم حسن تامرة، مدير شركة "اطرو" المشرفة على السوق، دفوعاته أمام الرأي العام الوطني، مؤكدا أن الأسواق النموذجية، بغض النظر عن كل التفاصيل الصغيرة، توفر، اليوم، أسباب العيش الكريم لأكثر من 1200 مغربي. إنجاز : يوسف الساكت- تصوير : عبد اللطيف مفيق تتوقف سيارة الأجرة أمام مطرح عطن للأزبال، قربه بائع خبز متجول منهمك في وضع أربع "محراشات" في كيس بلاستيكي، وبجانبه عربات أخرى لبائعي الفواكه الجافة بمناسبة عاشوراء، أحــــــــــــــــدهم يغرس وجهه في صحن "بيصارة".المكان هادئ مع بعد زوال الأحد الماضي. أشعة الشمس الدافئة تحرر بعض التجار من ملابسهم ومعاطفهم الثقيلة، وتمنح فسحة للبعض الآخر لإنجاز ترميمات خفيفة وأشغال صيانة مؤجلة بمحلاتهم التجارية. طرق المسامير والخشب وارتطام قضبان الحديد تزعج الطفل ذا اللباس الرياضي، فيضع أصبعيه في أذنيه ويختبئ وراء جلباب والدته.نموذجي مع وقف التنفيذباستثناء اليافطة الكبيرة الصفراء المعلقة فوق الباب الحديدي الضخم، والسور الأبيض الذي استفاد، أخيرا، من حصة طلاء بألوان قزح أعادت إليه بعض الرونق، لا شيء يوحي أن تمة تميزا واختلافا وتنظيميا ولمسة إبداع، أو تصميما خلاقا يعطي كلمة "نموذجي" مدلولها الحقيقي على أرض الواقع، ويضع الفرق بين سوق نموذجي وآخر عشوائي أو عاد، على الأقل كما تم التنصيص عليه في اتفاق الشراكة الموقع بين جماعة عين الشق (سابقا) والشركة المشرفة والمسيرة لهذا المشروع التجاري.بسوق حي الشريفة، تحتاج إلى خارطة طريق ومرشد محترف يقبض براحتك حتى لا تتيه وسط الأزقة الضيقة والأروقة غير المنظمة، وحتى لا تصاب بغثيان عفونة مصدرها الانقطاع المستمر للماء والاختناق المزمن لقنوات الصرف والتماطل في جمع الأزبال. هنا، تعرض السيدة ذات الأربعة عقود الملابس الداخلية للنساء وملابس النوم، إلى جانب بائع الدجاج بالتقسيط، وهناك، تتقاسم محلات بيع مواد التنظيف الرواق نفسه، مع بائعي الخضر وتجار السقط. وحدهم تجار السمك ينتظمون في زقاق طويل لا يخلو، هو الآخر، من محلات لبيع المتلاشيات والخردة ومحلات أخرى مفتوحة على الإفلاس.وأنت تضع خطوتك الأولى، عليك، أيضا، أن تحتاط جيدا من أن تبتلعك قناة للصرف الصحي، أو يسقط فوق رأسك سلك كهربائي عار، أو يحطم جمجمتك أنبوب ماء معلق في الهواء، يصل المرحاض اليتيم ومحلات الجزارة ومحلات بيع السمك بماء غير معالج مستخرج من بئر (لا حاجة هنا أن تبحث عن الماء الصالح للشرب المؤشر عليه من ليدك لأنك ستتعب حتما، أو تـــــموت عطشا).نسأل عن هذه الفوضى غير الخلاقة، فيأتينا الجواب صاعقا من "با بلال"، الرجل السبعيني ببشرته السمراء الذي خط الزمان أخاديد على وجهه، "ما كاين والو أولدي في هاد السوق، كاين غير الحكرة، والسماسرية اللي نهار ومطال وهما كينهبو فينا وكيديوا لينا رزقنا ورزق ولادنا". ينغمس "با بلال"، مجددا، في ترتيب حبات البطاطس والطماطم في محل ضيق، قال لي إنه يشترك فيه مع شخص ثان للتغلب على مصاريف الكراء والماء والكهرباء والصيانة والتطهير وتكاليف أخرى لخدمات غير موجودة أصلا، حسب تعبيره.شلال شهاداتصرخة "با بلال" أطلقت الألسن لشهادات أخرى، منها بائعة قزبر ومقدونس وحبات حامض وفصوص فجل، لا تعرف، إلى حد الآن، لماذا تضطر بداية كل شهر إلى دفع مبلغ 300 درهم للمفوض المالي، دون أن تحس فعلا أنها تتوفر على شيء ما يميزها عن زميلاتها البائعات المتجولات في الأسواق العشوائية المنتشرة فوق رقعة الدار البيضاء "عل الأقل، هادوك بعدا ما كيخلصو والو وماتبعاهمش المصاريف والفلوس". بائع سمك بملابس العمل "المزينة" بقشور السردين، يقاطع بائعة القزبر، فتغضب وتنسحب "حنا عيينا أخويا، ثمانية ديال سنين وحنا كنخلصو في ستالاف ريال شهر، وكنزيدو عليها فلوس الضو والماء والزبل، ولاتبوشا شي قادوس كنخلصوه من جيبنا..فين هو هاد مول الشركة لي كال لينا في لول بلي غادي يتكلف بكل شي..كول ليا فين هو فين مشا..جيبو لينا باش يحل معانا هاد المشاكل...".الشهادات تتوالى بصخب. هناك إحساس أن الناس هنا في حاجة فقط إلى الكلام والتعبير عن مشاكلهم والرغبة في الخروج من هذا النفق، خصوصا بعد تناسل الأخبار والإشاعات عن ظهور أصحاب الأرض الأصليين الذين جاؤوا يطالبون باسترجاع أملاكهم، وبالتالي احتمال تشريد التجار وتنقليهم، من جديد، إلى مكان آخر.كل شيء مباح بسوق شريفة، بما في ذلك ما يشبه "الميز العنصري"، حين تضم سماء المركب التجاري نفسه تجارا لا حول لهم ولا قوة غير بعض أمتار قليلة مسيجة بالحديد بلا ماء أو كهرباء أو تطهير، وبين محلات أخرى منعم عليها ترفل في قطع "الفايانص" والزليج والرخام والزجاج المستوردين من إيطاليا، وحين ننبش في بعض التفاصيل، تطلع علينا الكثير من الثعابين، منها أن جزء كبيرا من المحلات التجارية المميزة بموقعها الاستراتيجي، كانت موضوع صفقات وبيع وشراء استفاد منها غرباء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بمشروع إعادة تنظيم تجار سوق الخيام السابق الكائن في زاوية شارعي القدس و2 مارس.لكل سوق حكاية، وحكاية السوق النموذجي حي شريفة لا تحتاج إلى جهد استثنائي لفك طلاسيمها، فثمة عشرات الأيادي مستعدة لتمدك بالدلائل والحجج والوثائق الرسمية المساعدة على رسم الصورة بشكل أوضح.تتوقف سيارة الأجرة أمام مطرح عطن للأزبال، قربه بائع خبز متجول منهمك في وضع أربع "محراشات" في كيس بلاستيكي، وبجانبه عربات أخرى لبائعي الفواكه الجافة بمناسبة عاشوراء، أحــــــــــــــــدهم يغرس وجهه في صحن "بيصارة".المكان هادئ مع بعد زوال الأحد الماضي. أشعة الشمس الدافئة تحرر بعض التجار من ملابسهم ومعاطفهم الثقيلة، وتمنح فسحة للبعض الآخر لإنجاز ترميمات خفيفة وأشغال صيانة مؤجلة بمحلاتهم التجارية. طرق المسامير والخشب وارتطام قضبان الحديد تزعج الطفل ذا اللباس الرياضي، فيضع أصبعيه في أذنيه ويختبئ وراء جلباب والدته.نموذجي مع وقف التنفيذباستثناء اليافطة الكبيرة الصفراء المعلقة فوق الباب الحديدي الضخم، والسور الأبيض الذي استفاد، أخيرا، من حصة طلاء بألوان قزح أعادت إليه بعض الرونق، لا شيء يوحي أن تمة تميزا واختلافا وتنظيميا ولمسة إبداع، أو تصميما خلاقا يعطي كلمة "نموذجي" مدلولها الحقيقي على أرض الواقع، ويضع الفرق بين سوق نموذجي وآخر عشوائي أو عاد، على الأقل كما تم التنصيص عليه في اتفاق الشراكة الموقع بين جماعة عين الشق (سابقا) والشركة المشرفة والمسيرة لهذا المشروع التجاري.بسوق حي الشريفة، تحتاج إلى خارطة طريق ومرشد محترف يقبض براحتك حتى لا تتيه وسط الأزقة الضيقة والأروقة غير المنظمة، وحتى لا تصاب بغثيان عفونة مصدرها الانقطاع المستمر للماء والاختناق المزمن لقنوات الصرف والتماطل في جمع الأزبال. هنا، تعرض السيدة ذات الأربعة عقود الملابس الداخلية للنساء وملابس النوم، إلى جانب بائع الدجاج بالتقسيط، وهناك، تتقاسم محلات بيع مواد التنظيف الرواق نفسه، مع بائعي الخضر وتجار السقط. وحدهم تجار السمك ينتظمون في زقاق طويل لا يخلو، هو الآخر، من محلات لبيع المتلاشيات والخردة ومحلات أخرى مفتوحة على الإفلاس.وأنت تضع خطوتك الأولى، عليك، أيضا، أن تحتاط جيدا من أن تبتلعك قناة للصرف الصحي، أو يسقط فوق رأسك سلك كهربائي عار، أو يحطم جمجمتك أنبوب ماء معلق في الهواء، يصل المرحاض اليتيم ومحلات الجزارة ومحلات بيع السمك بماء غير معالج مستخرج من بئر (لا حاجة هنا أن تبحث عن الماء الصالح للشرب المؤشر عليه من ليدك لأنك ستتعب حتما، أو تـــــموت عطشا).نسأل عن هذه الفوضى غير الخلاقة، فيأتينا الجواب صاعقا من "با بلال"، الرجل السبعيني ببشرته السمراء الذي خط الزمان أخاديد على وجهه، "ما كاين والو أولدي في هاد السوق، كاين غير الحكرة، والسماسرية اللي نهار ومطال وهما كينهبو فينا وكيديوا لينا رزقنا ورزق ولادنا". ينغمس "با بلال"، مجددا، في ترتيب حبات البطاطس والطماطم في محل ضيق، قال لي إنه يشترك فيه مع شخص ثان للتغلب على مصاريف الكراء والماء والكهرباء والصيانة والتطهير وتكاليف أخرى لخدمات غير موجودة أصلا، حسب تعبيره.شلال شهاداتصرخة "با بلال" أطلقت الألسن لشهادات أخرى، منها بائعة قزبر ومقدونس وحبات حامض وفصوص فجل، لا تعرف، إلى حد الآن، لماذا تضطر بداية كل شهر إلى دفع مبلغ 300 درهم للمفوض المالي، دون أن تحس فعلا أنها تتوفر على شيء ما يميزها عن زميلاتها البائعات المتجولات في الأسواق العشوائية المنتشرة فوق رقعة الدار البيضاء "عل الأقل، هادوك بعدا ما كيخلصو والو وماتبعاهمش المصاريف والفلوس". بائع سمك بملابس العمل "المزينة" بقشور السردين، يقاطع بائعة القزبر، فتغضب وتنسحب "حنا عيينا أخويا، ثمانية ديال سنين وحنا كنخلصو في ستالاف ريال شهر، وكنزيدو عليها فلوس الضو والماء والزبل، ولاتبوشا شي قادوس كنخلصوه من جيبنا..فين هو هاد مول الشركة لي كال لينا في لول بلي غادي يتكلف بكل شي..كول ليا فين هو فين مشا..جيبو لينا باش يحل معانا هاد المشاكل...".الشهادات تتوالى بصخب. هناك إحساس أن الناس هنا في حاجة فقط إلى الكلام والتعبير عن مشاكلهم والرغبة في الخروج من هذا النفق، خصوصا بعد تناسل الأخبار والإشاعات عن ظهور أصحاب الأرض الأصليين الذين جاؤوا يطالبون باسترجاع أملاكهم، وبالتالي احتمال تشريد التجار وتنقليهم، من جديد، إلى مكان آخر.كل شيء مباح بسوق شريفة، بما في ذلك ما يشبه "الميز العنصري"، حين تضم سماء المركب التجاري نفسه تجارا لا حول لهم ولا قوة غير بعض أمتار قليلة مسيجة بالحديد بلا ماء أو كهرباء أو تطهير، وبين محلات أخرى منعم عليها ترفل في قطع "الفايانص" والزليج والرخام والزجاج المستوردين من إيطاليا، وحين ننبش في بعض التفاصيل، تطلع علينا الكثير من الثعابين، منها أن جزء كبيرا من المحلات التجارية المميزة بموقعها الاستراتيجي، كانت موضوع صفقات وبيع وشراء استفاد منها غرباء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بمشروع إعادة تنظيم تجار سوق الخيام السابق الكائن في زاوية شارعي القدس و2 مارس.لكل سوق حكاية، وحكاية السوق النموذجي حي شريفة لا تحتاج إلى جهد استثنائي لفك طلاسيمها، فثمة عشرات الأيادي مستعدة لتمدك بالدلائل والحجج والوثائق الرسمية المساعدة على رسم الصورة بشكل أوضح.التزام وعهودمن هذه الوثائق، واحدة تعود إلى 29 ماي 2003، وهي عبارة عن اتفاقية موقعة بين بلدية عين الشق وشركة يطلق عليها اسم "اطرو" تستفيد بموجبها الأخيرة، على نحو مؤقت من القطعة الأرضية الكائنة بشارع الداخلة بحي شريفة وزنقة 1 و4 من أجل إقامة سوق نموذجي يضم 360 محلا، بقياسات مختلفة، لإيواء "الباعة المتجولين"، دون أن تحدد الاتفاقية هوية هؤلاء أو الجهة/ السوق التي قدموا منها.وحسب الفصول الـ14 للاتفاقية، التي تجدد كل ثلاث سنوات، مقابل 25 درهم لكل متر مستغل تؤديه الشركة لمصالح البلدية، تلتزم "اطرو" بوضع تصميم للسوق وانجاز كل الأشغال المتعلقة به، كما تتكلف بالترخيص للربط بالماء والكهرباء والتطهير السائل وتتحمل جميع مصاريفها (الفصل 7)، والتكلف بأشغال الصيانة والنظافة والحراسة ونقل الأزبال إلى المطارح الكبرى.وحسب خبير قانوني، فإن الاتفاقية الخاصة بسوق حي شريفة هي نسخة طبق الأصل لنماذج من اتفاقيات لأسواق نموذجية مماثلة تتكلف الشركة نفسها بالإشراف عليها، ولا تحمل أي "خصوصية" تتعلق بتجار سوق حي شريفة، الذين يملكون شرعية "تجار أصليين" يتحدرون من سوق سابق اسمه حي الإنارة الأولى بالدار البيضاء الكائن في زاوية شارعي القدس و2 مارس، والذي وصل النزاع فيه، قضائيا، مع صاحب الأرض، إلى أروقة وزارة العدل، إذ توجد مراسلات بين وزير العدل الأسبق وممثلي التجار تثبت أن الدولة كانت تتحاور مع تجار بهذه الصفة الأصلية، وليس مع باعة متجولين وغير شرعيين.لكن في لحظة فارقة من عمر النزاع، يقول تاجر تابع الموضوع منذ نهاية التسعينات، في تصريح لـ"الصباح"، ظهر على سطح الأحداث فاعل آخر، لم يكن غير شركة "اطرو"، كان يمسك بيده حلا سحريا بدا أنه سيرضي الطرفين: من جهة، إخلاء الأرض لفائدة أصحابها لبناء مشاريع عقارية فوقها (ما حدث فعلا)، وثانيا، إيجاد سوق بديل للتجار شرط تغيير هويتهم من تجار أصليين إلى باعة متجولين لتسهيل عملية الاندماج بأقل الأضرار الممكنة (ما حدث فعلا أيضا، لكن بتبعات مازالت مستمرة منذ أكتوبر 2004 إلى اليوم).بداية النهايةبين ماي 2003، تاريخ التوقيع على الاتفاقية، و15 نونبر 2004، تاريخ انطلاق المشروع، كانت السلطات المحلية والشركة المشرفة سويتا عددا كبيرا من المشاكل بشكل أو بآخر، في الوقت الذي كانت الجرافات"تسوي" الخيام بالأرض بسوق الإنارة 1 وتطرد القوات المساعدة والحراس الخواص ما تبقى من تجار ظلوا يتشبثون بحقهم الكامل في محلات تجارية.في الأخير، استقر "الرأي" على قبول 100 تاجر فقط وزعت عليهم محلات (متران مربعان) "مجهزة" بقضبان حديدية وسياجات صدئة مقابل 3500 درهم "كاش" وسومة كرائية/واجب الخدمات بـ300 درهم في الشهر، فيما تبخرت 260 محلا آخرى، قبل أن تظهر في ما بعد في شكل "أصول ملكية" لأشخاص غرباء عرضوها للبيع، بعد ثلاث سنوات، ما بين 20 و30 مليون سنتيم للمحل، حسب تصريحات تجار متضررين، ومازالت إعادة البيع والشراء جارية بأسعار مضاعفة تصل اليوم إلى 70 مليون سنتيم، يتنافس عليها تجار كبار، أحدهم يمثل شركة معروفة لبيع الدجاج وملحقاته.يحكي من تبقى من تجار سوق الإنارة الأولى كيف انتهت سبعة أيام من "الباكور" بسرعة قياسية، فانقطع، فجأة، التيار الكهربائي، بسبب "حريق" نشب في العداد الرئيسي، كما انقطع الماء الصالح للشرب عن قنوات المرافق الصحية وبعض محلات الجزارة وبيع الأسماك، وعوض بماء بئر يعج ملوحة، واستقرت العفونة بالممرات والأروقة، وفتحت قنوات عشوائية للصرف الصحي لاستيعاب الكميات الكبيرة من المياه الآسنة، وتعرض الباعة إلى حملة تصفية واعتداء على ممتلكاتهم الخاصة لإرغامهم على الصمت، وتحول بعض الحراس الخواص إلى "سوط" لتأديب الخارجين عن قانون غير مكتوب، حسب تعبير أحدهم، لازال يُعمل به إلى حد اليوم.ومن بنود هذا القانون، حسبهم، تحرير إنذارات شبه قضائية وهمية، حسب تعبير التجار، سلمت على سبيل التخويف لعدد كبير من التجار تهددهم إما بأداء مستحقات الكراء والخدمات المعلقة من شهور، أو الإفراغ بالقوة من المحل عن طريق القوة العمومية، وهو الموضوع الذي تطور إلى دعاوى قضائية بتهمة التزوير.أكثر من ذلك، شرع ممثلو الشركة في جمع اتاوات غير قانونية من التجار وإرغامهم على أداء مصاريف غير مستحقة، مثل تلك السيدة التي أغلقت محلها وسافرت لأداء فريضة العمرة، وحين عادت بعد شهرين، وجدت من يطالبها بمصاريف كهرباء لم تستهلكها، وكان هذا الحادث بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، ودفعت التجار إلى الغضب والاحتجاج.من هذه الوثائق، واحدة تعود إلى 29 ماي 2003، وهي عبارة عن اتفاقية موقعة بين بلدية عين الشق وشركة يطلق عليها اسم "اطرو" تستفيد بموجبها الأخيرة، على نحو مؤقت من القطعة الأرضية الكائنة بشارع الداخلة بحي شريفة وزنقة 1 و4 من أجل إقامة سوق نموذجي يضم 360 محلا، بقياسات مختلفة، لإيواء "الباعة المتجولين"، دون أن تحدد الاتفاقية هوية هؤلاء أو الجهة/ السوق التي قدموا منها.وحسب الفصول الـ14 للاتفاقية، التي تجدد كل ثلاث سنوات، مقابل 25 درهم لكل متر مستغل تؤديه الشركة لمصالح البلدية، تلتزم "اطرو" بوضع تصميم للسوق وانجاز كل الأشغال المتعلقة به، كما تتكلف بالترخيص للربط بالماء والكهرباء والتطهير السائل وتتحمل جميع مصاريفها (الفصل 7)، والتكلف بأشغال الصيانة والنظافة والحراسة ونقل الأزبال إلى المطارح الكبرى.وحسب خبير قانوني، فإن الاتفاقية الخاصة بسوق حي شريفة هي نسخة طبق الأصل لنماذج من اتفاقيات لأسواق نموذجية مماثلة تتكلف الشركة نفسها بالإشراف عليها، ولا تحمل أي "خصوصية" تتعلق بتجار سوق حي شريفة، الذين يملكون شرعية "تجار أصليين" يتحدرون من سوق سابق اسمه حي الإنارة الأولى بالدار البيضاء الكائن في زاوية شارعي القدس و2 مارس، والذي وصل النزاع فيه، قضائيا، مع صاحب الأرض، إلى أروقة وزارة العدل، إذ توجد مراسلات بين وزير العدل الأسبق وممثلي التجار تثبت أن الدولة كانت تتحاور مع تجار بهذه الصفة الأصلية، وليس مع باعة متجولين وغير شرعيين.لكن في لحظة فارقة من عمر النزاع، يقول تاجر تابع الموضوع منذ نهاية التسعينات، في تصريح لـ"الصباح"، ظهر على سطح الأحداث فاعل آخر، لم يكن غير شركة "اطرو"، كان يمسك بيده حلا سحريا بدا أنه سيرضي الطرفين: من جهة، إخلاء الأرض لفائدة أصحابها لبناء مشاريع عقارية فوقها (ما حدث فعلا)، وثانيا، إيجاد سوق بديل للتجار شرط تغيير هويتهم من تجار أصليين إلى باعة متجولين لتسهيل عملية الاندماج بأقل الأضرار الممكنة (ما حدث فعلا أيضا، لكن بتبعات مازالت مستمرة منذ أكتوبر 2004 إلى اليوم).بداية النهايةبين ماي 2003، تاريخ التوقيع على الاتفاقية، و15 نونبر 2004، تاريخ انطلاق المشروع، كانت السلطات المحلية والشركة المشرفة سويتا عددا كبيرا من المشاكل بشكل أو بآخر، في الوقت الذي كانت الجرافات"تسوي" الخيام بالأرض بسوق الإنارة 1 وتطرد القوات المساعدة والحراس الخواص ما تبقى من تجار ظلوا يتشبثون بحقهم الكامل في محلات تجارية.في الأخير، استقر "الرأي" على قبول 100 تاجر فقط وزعت عليهم محلات (متران مربعان) "مجهزة" بقضبان حديدية وسياجات صدئة مقابل 3500 درهم "كاش" وسومة كرائية/واجب الخدمات بـ300 درهم في الشهر، فيما تبخرت 260 محلا آخرى، قبل أن تظهر في ما بعد في شكل "أصول ملكية" لأشخاص غرباء عرضوها للبيع، بعد ثلاث سنوات، ما بين 20 و30 مليون سنتيم للمحل، حسب تصريحات تجار متضررين، ومازالت إعادة البيع والشراء جارية بأسعار مضاعفة تصل اليوم إلى 70 مليون سنتيم، يتنافس عليها تجار كبار، أحدهم يمثل شركة معروفة لبيع الدجاج وملحقاته.يحكي من تبقى من تجار سوق الإنارة الأولى كيف انتهت سبعة أيام من "الباكور" بسرعة قياسية، فانقطع، فجأة، التيار الكهربائي، بسبب "حريق" نشب في العداد الرئيسي، كما انقطع الماء الصالح للشرب عن قنوات المرافق الصحية وبعض محلات الجزارة وبيع الأسماك، وعوض بماء بئر يعج ملوحة، واستقرت العفونة بالممرات والأروقة، وفتحت قنوات عشوائية للصرف الصحي لاستيعاب الكميات الكبيرة من المياه الآسنة، وتعرض الباعة إلى حملة تصفية واعتداء على ممتلكاتهم الخاصة لإرغامهم على الصمت، وتحول بعض الحراس الخواص إلى "سوط" لتأديب الخارجين عن قانون غير مكتوب، حسب تعبير أحدهم، لازال يُعمل به إلى حد اليوم.ومن بنود هذا القانون، حسبهم، تحرير إنذارات شبه قضائية وهمية، حسب تعبير التجار، سلمت على سبيل التخويف لعدد كبير من التجار تهددهم إما بأداء مستحقات الكراء والخدمات المعلقة من شهور، أو الإفراغ بالقوة من المحل عن طريق القوة العمومية، وهو الموضوع الذي تطور إلى دعاوى قضائية بتهمة التزوير.أكثر من ذلك، شرع ممثلو الشركة في جمع اتاوات غير قانونية من التجار وإرغامهم على أداء مصاريف غير مستحقة، مثل تلك السيدة التي أغلقت محلها وسافرت لأداء فريضة العمرة، وحين عادت بعد شهرين، وجدت من يطالبها بمصاريف كهرباء لم تستهلكها، وكان هذا الحادث بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، ودفعت التجار إلى الغضب والاحتجاج. تامرة: فوضى الباعة حولت السوق من نموذجي إلى عشوائي في اليوم نفسه، نضرب موعدا مع حسن تامرة، مدير شركة "اطرو"، فيبدي استعداده للحديث في كل التفاصيل والإجابة على جميع الأسئلة ومواجهة جميع التهم التي يتداولها التجار الغاضبون، مؤكدا أنه من المهم العودة إلى فكرة السوق النموذجي، كفكرة جديدة بالمغرب ذات بعد اجتماعي، والصعوبات التي واجهتها الشركة لإيجاد صيغة للعمل القانوني، ثم متاعب إيجاد البقعة الأرضية، والبحث عن موارد مالية للاسثتمار بلغت آنذاك، حوالي 800 مليون سنتيم صرفت في إعداد التصميم والتجهيز والبناء والربط بالماء الكهرباء والتطهير السائل.ونفى تامرة، في تصريح لـ"الصباح"، أي علاقة للشركة بترتيبات ومعايير اختيار التجار المستفيدين وإعداد اللوائح وطبيعة هؤلاء والأسواق التي يتحدرون منها، "لقد وعنا فكرة مشروع اجتماعي وأنزلناها على أرض الواقع، فيما تكلفت السلطات المحلية بإعداد لوائح المستفيدين، إذ حصر العدد في حوالي 320 تاجرا مستفيدا وزعت عليهم محلات تجارية مجهزة من فئة 2 متر مربع، بينما اخترنا توزيع حوالي 40 محلا على تجار محترفين بهدف تأهيل السوق ورفع قيمته التجارية، ما يعود بالنفع على جميع التجار الصغار"، مؤكدا أن كل الكلام حول تفويت محلات للأهل والأحباب والأصدقاء وبعض رجال السلطة لا أساس له من الصحة، وأردف: "أتحدى التجار أن يجدوا محلا واحدا باسمي أو باسم فرع من عائلتي".وقال تامرة إنه يتوفر على أزيد من 250 التزاما موقعا من التجار يلتزمون فيها بشروط الاستفادة والالتزامات المترتبة عن ذلك، بما فيها أداء 300 درهم شهريا (10 دراهم كل يوم) نظير خدمات الاستغلال والصيانة والحراسة والنظافة، "وبالتالي، لم يرد ذكر التزام الشركة بأداء مصاريف الكهرباء مثلا، لأنه لا يعقل حتى من الناحية المنطقية أن نؤدي مصاريف الكهرباء والماء لمحل يستهلك 1200 درهم شهريا، بينما يؤدي لنا 300 درهم مقابل الخدمات".وتأسف مدير الشركة عن فقدان أهم ميزة الأسواق النموذجية، وهي التنظيم عبر ترتيب صارم لأروقة والممرات، حسب نوع التجارة، و"هو ما سهرنا عليه في البداية، قبل أن يعمد بعض التجار إلى خيار الفوضى والتداخل بين الأنشطة التجارية، آخر الأمثلة على ذلك إصرار تاجر على تحويل محله من بيع الفواكه إلى مواد التجميل، حتى أصبحنا اليوم أمام سوق عشوائي بامتياز".واستغرب تامرة كيف يطالب التجار بتوفير الحراسة وأشغال الصيانة والتجهيز والتنظيم في الوقت الذي يمتنع أكثر من 80 في المائة منهم عن أداء واجب الخدمات، ما اضطرنا إلى الدخول في المساطر القانونية عن طريق توجيه إنذارات شبه قضائية حقيقية، وليست وهمية كما يدعون، إلى عدد منهم موقعة من طرف أحمد السوسدي المكلف القضائي المحلف بمكتب الحسين بوسبعي المفوض القضائي بمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الذي أشر بطابعه على هذه الإنـــــذارات".من جانب آخر، قال مدير الشركة إن بعض التجار، فرضوا علينا الاحتماء بالقضاء لاسترجاع حقوقنا وحقوق التجار الآخرين، وذلك بعد لجوئهم إلى فرض "قانون خاص"، مثل التاجر الذي قام بتحويل قناة مضخة خزان بئر الماء إلى محل تجاري ومنع وصول الماء إلى المرافق الصحية، أو الآخر الذي يريد الاستيلاء على محل بالقوة، وثالث يختار ترميم محله في يوم عمل وليس يوم جمعة كما جرت العادة، ورابع وخامس يسهلان استفادة الباعة المتجولين الموجودين حول السوق من ماء مرحاضهما وتوريد بهائمهم منه

سـوق الـشـريـفـة بـالـبـيـضـاء… الـحـكـرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغرب دخل مرحلة التناوب الديمقراطي

نـقـابـة مـحـتـرفـي المـسـرح تـعـقـد مـؤتـمـرهـا بـآسـفـي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات