التشريعات الدولية تثير جدلا

في سنة 2008، تفجر جدل حاد في الأوساط الدينية والسياسية والثقافية. والسبب؟ "سحب المملكة المغربية التحفظات المسجلة بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (المعروفة اختصارا باتفاقية سيداو)، التي صارت متجاوزة بفعل التشريعات التي أقرتها بلادنا"، كما جاء في ثنايا رسالة وجهها الملك محمد السادس إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يوم تخليد الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الاتفاقية المذكورة كانت، وما زالت، تثير مجموعة من التحفظات والتأويلات، خاصة لدى القوى الإسلامية المحافظة التي كانت تتشبث بمنطوق ديباجة دستور 1996 التي كانت تنص على أن "المملكة المغربية دولة إسلامية" والفصل السادس من الدستور ذاته الذي كان ينص على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"، ومن يستحضر هذه المعطيات وما جاء في النصوص القرآنية من أحكام، خصوصا في قضية الإرث، لابد وأن يستنتج حجم التناقض "الصارخ" بين تعاليم الدين الرسمي للدولة والفصل السادس عشر من الاتفاقية الأممية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.فمن جملة ما نص عليه هذا الفصل أن "الدول الأطراف تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: نفس الحق في عقد الزواج، ونفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل؛ ونفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه؛ ونفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول". ونص كذلك على أن لها "نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذى يليه، وفي الحصول على معلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق؛ نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم ، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول".وكما يقال فإن الشيطان يكمن دوما في التفاصيل، ذلك أن إحدى فقرات هذا الفصل نصت على أن "نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل"، وأيضا "نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض".وفي غمرة الجدل الذي أثاره رفع المغرب للتحفظات على هذه الاتفاقية انبرى المجلس العلمي الأعلى ليصدر بيانا، سبعة أيام بعد تخليد الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قال فيه إن "المجلس العلمي الأعلى، بعد الاطلاع على مختلف الآراء التي راجت حول رفع المملكة التحفظات بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، يؤكد أن هذا الإجراء الواضح لم يثر لدى العلماء، ولا يجوز أن يثير لدى المجتمع، أي تساؤل حول تمسك المغرب بثوابته الدينية وأحكام الشرع الواردة في القرآن الكريم والتي لا مجال للاجتهاد فيها مثل أحكام الإرث".المجلس قال ذلك آخذا بعين الاعتبار وضع المغرب لمدونة الأسرة (سنة 2004) وتشريعه لقانون الجنسية، الذي يمكن المغربيات المتزوجات من أجانب من حق منح الجنسية لأبنائهن، في ما يمكن اعتباره ضربة استباقية على تبني الاتفاقية الأممية المذكورة مع التحفظ على البند المتعلق منها بالمساواة في الإرث.جميلة مصلي، الباحثة المتخصصة في قضايا الحركة النسائية وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، اعتبرت أن نقاش الملاءمة تعرفه كل المجتمعات "ولا علاقة له بالدين الإسلامي" وأن مبدأ التحفظ هو بغرض "التمسك بالسيادة الوطنية، وعدم مخالفة الشريعة الإسلامية، وحماية الحق في الهوية الثقافية ومناهضة تنميط الشعوب"، مؤكدة أن ذلك يندرج "في نطاق أحكام دستور المملكة الذي ينص على أن المملكة المغربية دولة إسلامية". وأشارت إلى مواقف المملكة من اتفاقية رفع كافة أشكال التمييز ضد المرأة وملاءمتها مع ما نصت عليه مدونة الأسرة، قائلة إنه "لا ينبغي أن تكون لنا عقد تجاه هذا الأمر، طالما أن دولا في حجم الولايات المتحدة الأمريكية رفضت المصادقة عليها". إلى ذلك، عبرت الناشطة الحقوقية ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة الرياضي، عن رفضها "التحجج بخصوصيات المجتمع المغربي للحد من تمتع كافة أبنائه بحقوقهم ذات البعد الكوني والشمولي". وقالت إن مصادقة المغرب أو رفعه التحفظات عن أي اتفاقية دولية "ينبع من التزامه وانخراطه في منظمة الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها". وأكدت أن المرجعية الحقوقية الكونية والشمولية التي تستند إليها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان "تحتم علينا القول إن المغرب مازال متأخرا، طالما أنه لم يصادق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية منظمة العمل الدولية، وكذلك اتفاقية حماية الأفراد ضد الاختفاء القسري، والبروتوكول الملحق بالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام"، كما طالبت بملاءمة "الدستور المغربي بأكمله مع منطوق الاتفاقيات الدولية التي تنص على حماية حقوق الإنسان". محمد أرحمني

التشريعات الدولية تثير جدلا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

صعـود الإسـلاميـين يثيـر تخـوف العلمانيـين

الرميد: لا شيء تغير حتى نغير مواقفنا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات