تجاذبات المشهد السياسي بعد انتخابات 25 نونبر

المطلوب تشكيل حكومة منسجمة ومسؤولة ومعارضة مؤسساتية قوية عادت الأحزاب من بعيد عقب الإعلان عن 45.40في المائة، اعتبارا للتحول من حالة التخوف والترقب التي سادت بناء على نسبة المشاركة المسجلة على الساعة الخامسة من مساء يوم الجمعة 25 نونبر إلى حالة ارتياح ونشوة بتحقيق نصر، بل سارع قياديوها الذين أبدوا في تصريحاتهم بخصوصها التأكيد على أن هذه النتيجة تعبر عن نجاح الأحزاب السياسية في إقناع المواطن المغربي بحتمية المشاركة من أجل التغيير. إذا كانت ردود فعل الهيآت الحزبية تبدو مشروعة بالنظر إلى ظروف إجراء الانتخابات الحالية من جهة ولرغبة الأحزاب في إضفاء المشروعية على هذه الاستحقاقات من جهة أخرى، فإن المنطق يقتضي تحليل نسبة المشاركة بتأن قصد استخلاص العبر والدروس انطلاقا من المعطيات المتعلقة بعدد الأوراق الانتخابية الملغاة للتأكد من عددها والبحث في أسباب هذه الظاهرة، إذ أبانت الأرقام عن كثرتها سواء تعلق بأخطاء مادية فردية أثناء عملية التصويت أو بموقف يعبر عن عدم ثقة الناخب في الأحزاب السياسية أو عدم اقتناع الناخب ببرامج هذه الأحزاب.مهما يكن فقد أفرزت الانتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011 مشهدا سياسيا جديدا تمثل في احتلال حزب العدالة والتنمية للرتبة الأولى ب 107 مقاعد، متجاوزا بذلك أقرب منافسيه، حزب الاستقلال، ب 47 مقعدا الأمر الذي خول لحزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة المقبلة طبقا لمقتضيات الدستور المغربي، إذ تم تعيين أمينه العام رئيسا لها من طرف العاهل المغربي. إن رئاسة الحكومة من طرف حزب العدالة والتنمية تفرض على هذا الأخير البحث عن تحالفات تمكنه من تكوين أغلبية مريحة. وفي هذا الإطار، فإن تصريحات قياديي حزب العدالة والتنمية أشارت في معظمها إلى إمكانية التحالف مع الكتلة الديمقراطية المكونة من أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية كاختيار أول، على اعتبار أن الكتلة تتقاسم معه مجموعة من التوجهات مع ترك الباب مفتوحا أمام الأطراف الراغبة في ذلك، ما عدا حزب الأصالة والمعاصرة تطرح من جديد واقعية التحالفات الحكومية في العشرية الأخيرة التي خضعت لمنطق التوافقات على حساب منطق الانسجام والتقارب في البرامج المنسجمة من خلال وجود أحزاب من مرجعيات مختلفة داخل الحكومة، والتي كان من نتائجها عدم الانسجام الحكومي في محطات عديدة لعل آخرها تدبير ملف تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2012 وتداعياتها بين رئيس الحكومة ووزير المالية.إن تصويت المغاربة لفائدة حزب العدالة والتنمية وكيفما كانت دوافعه سواء كتصويت عقابي على أداء الحكومات المتعاقبة أو كتعبير عن رغبة أكيدة في التغيير والتجديد يثير مسألة إقناع المواطن بجدوى العملية الانتخابية في حالة التحالف من جديد مع أحزاب الكتلة وبعض الأحزاب التي لم تغادر الحكومة منذ سنة 1998، بل تولت بعض مكوناتها رئاسة حكومتين. وكيفما كانت هذه التحالفات يتعين التواصل مع المواطن قصد إقناعه بأي تحالف سيبرم نظرا لاستحالة حزب العدالة والتنمية تكوين للحكومة لوحده لعدم توفره على الأغلبية التي تؤهله لذلك، على اعتبار أن نمط الاقتراع الذي تم التوافق حول اعتماده لا يمكن صناديق الاقتراع من إفراز أغلبية ومعارضة واضحتي المعالم. إن تصريحات قياديي حزب العدالة والتنمية التي عبرت عن إمكانية التحالف مع كل الأحزاب باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة يبدو اختيارا مشروعا بالنظر إلى طبيعة العلاقة ما بين الحزبين خلال المدة المتراوحة بين 2011-2008، ولكنه لا يعفي من التساؤل عن القبول بالتحالف مع الكتلة الديمقراطية التي كان لبعض مكوناتها موقف صريح لقياداتها وقواعدها من حزب العدالة والتنمية قبل تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة. طبيعة هذه التحولات تقتضي توضيحها وإقناع المواطن بالمستجدات حتى يستوعب طبيعة الود الناشئ بين أحزاب الكتلة وحزب العدالة والتنمية. فرصة أخرى منحها الناخب المغربي للأحزاب لتدبير الشأن العام بشكل شفاف وواقعي ومسؤول يمكن من تحقيق العيش الكريم للمغاربة، ويرفع كل أشكال الإقصاء والتهميش التي عاشتها فئات واسعة من الشعب المغربي. فكيف يمكن لحزب العدالة والتنمية من تطبيق برنامجه الانتخابي المتضمن لمجموعة من الالتزامات، علما أنه ملزم بالتحالف مع أطراف أخرى لتشكيل أغلبية حكومية؟ وما هي التحالفات الممكنة والمتاحة أمام حزب العدالة والتنمية ؟ مجموعة من الأسئلة وغيرها تفرض وقفة تأمل حقيقية كي لا تخيب آمال المواطن المغربي من جديد بعد أن خيبت تجربة حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 التي عرفت ولوج أحزاب الكتلة الديمقراطية للحكومة التي ترأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتي عقد عليها المواطنون المغاربة آمالا عريضة بالنظر إلى تاريخ مكوناتها ونضالها السياسي من موقع المعارضة والتي لم تستطع رغم ذلك بلورة تصوراتها على أرض الواقع فكان من نتائجها نسبة تصويت لم تتجاوز 37 في المائة في استحقاقات 2007. من جهة أخرى، تقتضي الظرفية الحالية اعتماد إطار مرجعي للتحالفات يمكن من تشكيل حكومة منسجمة ومسؤولة أمام المواطنين عن تدبير الشأن العام ومعارضة مؤسساتية قوية تمكن من الرقي بالعمل السياسي، انطلاقا من مقتضات الدستور الجديد الذي خول للمعارضة وللأحزاب السياسية هامشا كبيرا من المناورة لدعم العمل المؤسساتي من مختلف المواقع للمساهمة في تنزيل الدستور الجديد الذي يتطلب اعتماد مجموعة من النصوص القانونية والتشريعية خلال الولاية الحالية لترسيخ الخيارات الديمقراطية لبلادنا.كما وجب التأكيد على أن الرهانات المستقبلية لبلادنا تقتضي القطع مع الممارسات السابقة المتمثلة في مخاض الاستوزار الذي يسجل كل مرة قبل تكوين الحكومات وفسح المجال أما كفاءات وأطر جديدة يتم اختيارها بناء على معايير الكفاءة والخبرة الميدانية والتجربة، الأمر الذي سيمكن التحالفات الحزبية التي ستبرم لا محالة من انبثاق حكومة منسجمة ومتضامنة تسهر على الوفاء بالتزاماتها وتتبع وإنجاز البرامج الحكومية، وكذا التواصل المستمر مع المواطنين حتى في حالات مستعصية لقطع الطريق على كل محاولات التيئيس والتشكيك في الاختيارات الديمقراطية لبلادنا. وفي هذا الصدد، فإن الفرصة مواتية أمام الحكومة المقبلة بالنظر إلى الصلاحيات التي يخولها لها الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب المغربي في فاتح يوليوز 2011 لترسيخ وتفعيل مبادئ الحكامة الجيدة التي تربط تحمل المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، خاصة في ما يتعلق بوضعية تسيير المؤسسات العمومية والجماعات المحلية التي تثير الكثير من التساؤلات بالنظر إلى ما تشير إليه تقارير لجان تقصي الحقائق من اختلالات في بعض المؤسسات، وكذا الأوضاع الكارثية التي تسجل في المدن والقرى على إثر كل تهاطلات مطرية...فهل ستكون للحكومة المقبلة الجرأة في فتح ملفات الفساد وتبذير المال العام كيفما كانت الانتماءات السياسية للمسؤولين عنها.إن تأهيل المشهد الحزبي ومصداقية العمل السياسي ببلادنا تمر عبر احترام الالتزامات والتحالفات المبرمة، ونخص بالذكر التحالفات القبلية التي تم الإعلان عنها قبل انتخابات 25 نونبر كتحالفات استراتيجية لم تملها اختيارات ظرفية أو مصالح سياسوية ضيقة، والتي أصبحت ملزمة باحترام اختياراتها والحفاظ على تماسك مكوناتها في أفق تقوية هذه التحالفات كمدخل لعقلنة المشهد الحزبي. وإذا حدث عكس ذلك، خاصة في حال فك التحالف من طرف أحد مكوناته للدخول في الحكومة فإن ذلك من شأنه أن يضع مشروعية المسلسل الانتخابي برمته محط تساؤل من طرف المواطن المغربي الحريص على المعقول ثم المعقول والذي لا تنقصه لا الوطنية ولا المواطنة.خالد بنعلي: محلل اقتصادي

تجاذبات المشهد السياسي بعد انتخابات 25 نونبر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحديث البنية القبلية بالصحراء في ظل السياسة الجهوية

تفاصيل انتفاضة "المنادلة" على قرار هدم منازلهم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات