تحديث البنية القبلية بالصحراء في ظل السياسة الجهوية

يشكل التغير السياسي للنخب الجهوية رهانا سياسيا للدولة الوطنية بحكم وظيفة الوساطة السياسية، التي تعمل على إعادة إدماج المناطق الهامشية في صلب اهتمام السياسات العامة. فالمجال السياسي المحلي يجب أن يكون مستقرا وثابتا بامتياز لأن الدولة صاحبة السيادة على مجالها الترابي وليس القبيلة بمفهومها الأنتربولوجي. كما يشكل المجال الترابي مجالا للتمايز الوظيفي للنخب السياسية الجهوية التي تعمل على المزج بين أشكال عدة من العلاقات، سواء تلك المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية داخل البنية القبلية التي أصبحت في تراجع مستمر، وإحلال الأشكال القيادية الجديدة محل الأشكال المحلية التقليدية. ساعد التحديث السياسي للبنيات التقليدية على انتقال بدو سكان الصحراء من مجتمع رعوي بسيط إلى مجتمع شبه حضري يضم تمايزات وبنيات اجتماعية جديدة قائمة على عقلانية السلطة بدل رمزية القبيلة. فتنامي وظائف الدولة قلص من المركزية السياسية وحول قدرتها على تنفيذ ومتابعة السياسات العامة بواسطة الأحادية الحديثة واعتماد السوق كعامل إدماج للأنساق القبلية. فإذا كانت البنيات التقليدية قد عرفت تراجعا نسبيا بسبب ظهور أنماط التواصل السياسي وبروز علاقات رأسمالية جديدة وبنيات إدارية مستوردة، فإن السياسة الجهوية للدولة قد عملت على جعل الإطار الإثني القبلي كوحدة أساسية لمراقبة السكان المحليين بالجماعات القروية.وتهدف السياسة الترابية للدولة إلى تأطير المجال ودمجه، بوضع قطيعة مع النموذج الانتباذي عبر خلق مناطق ومجالات ترابية جديدة، ما أدى إلى تموضع البنيات الدولتية الحديثة بشكل أفضل ضمن المجال الإداري المحلي العام الذي يجب أن يكون فضاء للتوازن والتوافق بين البنيات الترابية، كما أن المجموعات الهامشية أو الفضاءات المعزولة داخل النظام السياسي الإداري، ظلت خاضعة لإكراه إضفاء الشرعية على ممارسات السلطة السياسية. إن إشكالية التقسيم الجهوي ما زالت مطروحة في البلدان المتقدمة بحدة أقل، مما دفع «إيزارد» إلى الفصل بين الحدود الإدارية وبين الحدود الفعلية للقضايا التنموية المطروحة قائلا «في بعض الحالات نترك الأحداث ترسم جهات أخرى، عندما لا تتلاءم النطاقات الموجودة مع المشكل المطروح». فالاعتراف بهامش من الاستقلالية للبنيات الدولتية الحديثة قد يساهم في بلورة مشروعية جديدة للخطاب الجهوي، وتكوين نموذج للحكم الجهوي الجيد الراشد وتقوية شرعنة المحيط المتمايزة عن المركز والمنافسة له. فتعدد البرامج الأوربية كان بهدف مساعدة الجهات القروية عبر إستراتيجية التخلي عن مسار إعادة هيكلة الطلبات الاجتماعية على المستوى الأوربي. كما هو الشأن بالنسبة للدولة الاسبانية التي تمثل دولة موحدة طبقا للفصل 1 من دستور 1978 « الدولة الاسبانية تتكون من دولة قانون اجتماعي ديمقراطي» وسلطتها منبثقة من الشعب ومثبتة من طرف السيادة الوطنية وشكلها الأساسي هو الملكية البرلمانية، فالأمر يتعلق إذن بالدولة الأمة في المفهوم الكلاسيكي للعبارة، لأن الدستور في فصله الثاني ينص على أن « الدستور مؤسس من أجل الوحدة غير مجزأة للأمة الإسبانية»حيث تنقسم التدوينات الدستورية التي تشكل مرجعا للدولة والسلطات والقدرات الخاصة بفصله بشكل جذري بين الجهات «des régions» والهويات «des Nationalités». إن اعتبار الاقتراحات المكونات التي حاولت خلق «الخصوصية للدولة المتموقعة بشكل كبير ما بين الدولة الموحدة والدولة الفيدرالية، كما هو الحال بالنسبة للدولة الموحدة» دولة المجموعات المستقلة التي تدفعنا إلى قبول التعدد والتنوع. فإذا قبلنا بأن الدولة الفيدرالية تتميز بوجود مجموعة من الخصائص التي تميز النظام الفيدرالي: توزيع أفقي للسلطات بين الوحدة الدولتية الفيدرالية والوحدات الدولتية الفيدرالية، فض النزاعات والصراعات الداخلية من طرف الدولة الفيدرالية وذلك بموافقة القاضي الدستوري وجود مؤسسات دستورية تمثيلية في الدولة الفيدرالية، استقلالية واسعة وجود تحويل ذاتي مضمون، وجود تنسيق للعلاقات المكونة الوحدات الترابية المختلفة التي تتميز بالعقلانية، فإن ذلك لا يظهر بأي شكل من الأشكال في الدولة التي تسمى الجهوية، خاصة في التجربة الجهوية المغربية، الشيء الذي يتطلب إعادة مراجعة الوثيقة الدستورية بالتنصيص في صلبها على هوية الوحدات الترابية الحديثة، في علاقتها بالدولة المركزية مع جعل وحدة الأمة والدولة وعدم قابليتها للتجزئة من ضمانات دولة القانون، والفصل بين مفهومي الجهات والهويات، والحفاظ على الخصوصية التاريخية والثقافية للتشكيلات الاجتماعية الأهلية، ونزوع السلطة السياسية إلى تحديث وإدماج مكونات المجتمع التقليدي داخل الدولة الوطنية.تقتضي دراسة المجال الترابي المحلي والنسق القبلي بالصحراء، من الباحث دراسة البنيات السوسيولوجية السائدة لدى بدو سكان الصحراء، أو ما يسمى في الكتابات الأنتروبولوجية بمجتمع البيضان، ومعرفة حدود التداخل مابين النظام القبلي و النظام الجهوي. فتكوين المركز السياسي وتثبيت المجال الترابي، يستند في أصله على نمط تقطيع المجال الحيوي للدولة الذي تمارس بموجبه السلطة السياسية السيادة على المجال السياسي، إلى وحدات إدارية حديثة كالعمالات والأقاليم والدوائر الترابية والجماعات الحضرية والقروية، والتي تمثل أنماط ومظاهر وتقنيات التحديث السياسي للمجتمعات البسيطة.كانت الإدارة الترابية الفرنسية والإسبانية قد قسمتا المجال القبلي للصحراء إلى مراكز للمراقبة، قصد ضبط البنية القبلية وإحداث انكسارات عميقة داخل مجتمع البيضان، كما هو الشأن بالنسبة لمركز المراقبة بمنطقة واد نون الذي يضم ثمانية قبائل داخل لف آيت عثمان: كقبيلة أزوافيط وآيت حماد ومركز المراقبة لأسا وطانطان، ومركز المراقبة بتغجيجت، حيث أنيط بهذه المراكز وظيفة التأطير وإعادة إدماج البنية القبلية داخل نطاق ترابي ضيق لا يتماشى وخصوصية مجتمع البيضان، غير أنه في مرحلة الإستقلال حدث تغيير عميق للوحدات الرعوية بحكم طبيعة الحركية المجالية والتطور السياسي والإداري للجهاز البيروقراطي،وأصبحت البنيات التقليدية مدمجة وذات طبيعة مستقرة في بنية الوحدات تحت الدولتية، التي تمثل المراكز الحضرية الكبرى مركز الجاذبية السياسية للإقليم السياسي، ونمط حديث للمجتمع القبلي الذي عمل التقطيع الترابي على تحديث بنيته الرمزية، بحيث تراجعت القبيلة كذهنية أنتروبولوجية ولم تعد وحدة معيارية للتقسيم الجماعي ،لأن فلسفة الدولة الوطنية تقوم على أساس حماية الهوية الوطنية والأمة المكونة للمجال الترابي. لمحمدي لحبيب

تحديث البنية القبلية بالصحراء في ظل السياسة الجهوية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مـهـرجـان مـراكـش ... لـقـاء الـنـجـوم

تجاذبات المشهد السياسي بعد انتخابات 25 نونبر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات