أفــراح ودمــوع فــي لــيــلــة الــمــاص

المشجعون خرجوا إلى الشوارع وسهروا فرحا بالتتويج انتظر الفاسيون نهائي كأس ال»كاف» للتعبير عن مدى تعلقهم بفريقهم الأول، وكذا باللونين الأصفر والأسود، اللذين زينا جنبات ملعب مركب فاس منذ الحادية عشرة صباحا. لم يخالف الجمهور الفاسي التوقعات، وهو يحضر بكثافة غير مسبوقة، ليفاجئ المنظمين، ومعهم السلطات الأمنية، بيد أن الأخيرة اتخذت كل التدابير لاحتواء أي انفلات أمني، خاصة أن عدده ناهز 45 ألف مشجع. وما إن انتهت المباراة، حتى جاب الآلاف من المشجعين شوارع فاس وأحياءها القديمة والجديدة، فرحا بتتويج الماص، فالكل يتغنى بفاس والنصر المستحق. كان الجمهور في الموعد، وهو يقدم أروع اللوحات خلال مباراة الإفريقي التونسي أول أمس (الأحد)، واستحق التقدير والتنويه، خاصة لحظة رفع «التيفو»، الذي برعت في تصميمه فصائل الفريق وجمعيات المحبين. ولم يقتصر الحضور على جمهور العاصمة العلمية، بل حضر من مختلف المدن المغربية، رغبة في تقديم الدعم والمساندة المطلقة لممثل الكرة المغربية. زين ملعب مركب فاس بلافتات وشعارات تمجد للماص، بل وتؤكد استعداده للظفر باللقب، نظير «المغرب فخرنا، للملك ولاؤنا، والكأس حلمنا»، «القلعة الصفراء تغزو القارة السمراء». الجميع تغن بفوز المغرب الفاسي، حتى نجم الأغنية الشعبية عبد اللطيف بناني هتف باسمه بأغنية «المغاربة اليوم كلهم ماصويين». ظل الجمهور يهتف قبل انطلاق المباراة، مبديا روحا رياضية عالية تجاه أنصار الفريق المنافس، وأكثر من ذلك حافظوا على حضورهم الإيجابي، ولم يثيروا فوضى، عدا استثناءات قليلة، وهو ما ساعد رجال الأمن على أداء الدور المنوط بهم، على الأقل أثناء المباراة. إجراءات تنظيميةفرض الهاجس الأمني نفسه بقوة على المنظمين، الذين سعوا إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، لتثبيت النظام، والحيلولة دون حدوث فوضى أثناء الدخول إلى الملعب أو عند الخروج منه. كما استعان المنظمون بحافلات لنقل الجمهور التونسي، معززين برجال الشرطة والأمن الخاص، لتفادي أي احتكاك مع جمهور الفريق الفاسي، تماما كما هو الحال بالنسبة إلى الصحافيين، الذين استقلوا حافلة خاصة كإجراء تنظيمي، لكن ذلك لم يحد من ارتباك سرعان ما عمل الزملاء أنفسهم على تطويقه. ووضع المنظمون حاجزا أمنيا على طول الطريق المؤدية إلى الملعب، الموجود على بعد 10 كيلومترات من وسط المدينة تجاه صفرو، إجراء احترازيا للسيطرة على الوضع واحتواء غليان الجمهور.فاس تتزينيكاد اللون الأصفر يغزو شوارع وزقاق العاصمة العلمية، التي تحولت إلى فضاء لبيع قمصان الفريق والقبعات بأثمنة مختلفة. وكان بديهيا أن تزدهر فاس اقتصاديا وتنشط بها تجارة بيع الرايات والشعارات، الذي لقيت رواجا منقطع النظير، خاصة في ساحة فلورنسا. انتعش الاقتصاد المحلي طيلة الأيام التي سبقت مباراة الإفريقي التونسي، كما انتعشت الوحدات الفندقية من خلال استقبال الزوار من مدن مختلفة، خاصة من المناطق المجاورة كمكناس وإفران والحاجب وتاوجطات وتاونانت وصفرو وتازة.وبدت فاس، وهي تتزين بلوني فريقها الأول، تشجيعا له، وتقديرا لمساره الناجح في المسابقة الإفريقية. الهاجس الأمنيفتح المنظمون أبواب الملعب في حدود الحادية عشرة صباحا لاستقبال المشجعين، تفاديا للاكتظاظ والازدحام، كما يحدث في المباريات المصيرية. استنجدت السلطات الأمنية برجال أمن عديدين من مدن مجاورة تضاربت الآراء حول عددهم، لكنه يبدو أنه حطم الرقم القياسي، مقارنة مع عدد المباريات السابقة، وطبعا الهدف هو حفظ النظام. حضر أفراد من الدرك الملكي، الذي تكلفوا بتنظيم حركة المرور، إلى جانب الشرطة وأفراد من القوات المساعدة، فضلا عن رجال الأمن الخاص. الأمن حاضر في كل مكان في الطرقات المؤدية إلى الملعب ومحطتي القطار والطرقية وأمام الممتلكات العمومية، وأبواب الملعب والمدرجات، وحتى في الحافلة التي تقل الصحافيين.«التيفو» ..إبداع وتميزظل الجميع يترقب رفع «التيفو» رغم أن الجمهور لم يتوقف عن ترديد الأهازيج والشعارات المساندة لممثل العاصمة العلمية الأول. امتلأ الملعب عن آخره في حدود الثانية ظهرا، ومع ذلك استمر التدفق الجماهيري على أبواب الملعب منذ الحادية عشرة صباحا، رغبة في الاحتفاء بجمالية «التيفو». وقف الجمهور، ومعه أعضاء الكونفدرالية الإفريقية، إجلالا واعترافا بالإبداع المغربي في بصم حضور متميز. جرى تكتم عن مضمونه في الوهلة الأولى، ليتضح في ما بعد أن مبدعيه أرادوا التأكيد أن فاس وفريقها الأول، عائد ليتبوأ المكانة اللائقة به على المستوى الإفريقي، في تناسق تام للألوان الأحمر والأصفر والأسود، والبني والأخضر في أحايين قليلة.استمتع الجمهور حقا لحظة رفع «التيفو»، الذي برعت في ابتكاره جمعيات المحبين والفصائل، وانخرط عديدون في لحظة خشوع أثناء رفع العلم الوطني، حتى إن صحافيا انهمر باكيا من شدة تأثره. «الشعب يريد ثلاثة لزيرو»«الشعب يريد ثلاثة لزيرو»، عبارة ترددت كثيرا في مباريات المنتخب الوطني أمام الجزائر وتنزانيا، وعادت لتصدح بملعب فاس، تيمنا بانتصار مستحق، تماما كما فعل الأسود في المباراتين معا. بدا الجمهور الفاسي متيقنا من اكتساح فريقه للإفريقي التونسي، خاصة مع انطلاق المباراة، فيما بدا اللاعبون أكثر استعدادا لتجاوز هدف رادس. لم يتوقف الجمهور عن التشجيع والهتاف باسم اللاعبين، حتى والحكم يرفض هدفا مشروعا.واصل الجمهور تشجيعاته ومساندته المطلقة دون أن يعرف اليأس والإحباط الطريق إليه. وما إن أحرز موسى تيغانا هدفا في آخر دقائق الجولة الأولى، حتى عمت هيستريا بمدرجات الملعب كان خلالها الجمهور أكبر سند ومحفز للاعبين والطاقم التقني برمته، بغية تحقيق فوز طال انتظاره.عناق وبكاءهرول الجميع تجاه الحارس أنس الزنيتي، لحظة تصديه للضربة الترجيحية، وحملوه على الأكتاف، وهو يسجل الأخيرة في مرمى الحارس التونسي أيمن بن أيوب. بكى اللاعبون والمسيرون لحظة عناقهم، فيما كان اللاعبون التونسيون يندبون حظهم العاثر، ويغادرون الملعب مطأطئي الرؤوس. أما رشيد الطاوسي، فبدا الأسعد على الإطلاق، كيف لا، وفاس أهدته لقبا ثانيا، بعد الأول عام 1997، عندما كان مدربا للمنتخب الوطني للشباب. ولم يحالفه الحظ في الفوز بكأس العرش في مناسبتين متتاليتين، وهو كذلك مدربا للماص.غادر الجمهور والمسيرون واللاعبون الملعب في هدوء، باستثناء حادث اختفاء ميداليتي الزنيتي والدحماني الذي عكر صفو الأجواء، فاللاعبان هددا بعدم مغادرة مستودع الملابس إلى حين الحصول على ميداليتيهما، وربما أنهما ضلتا الطريق نحو محظوظين متربصين. فرح واحتفاءاستبق الجمهور التتويج باللقب الإفريقي قبل المباراة، بعدما فضل مشجعون الاحتفاء بفوز لم يتحقق بعد على أرضية الميدان، مستقلين دراجات هوائية ونارية، مستعملين منبهات السيارات والأهازيج الفلكلورية، وهم يجوبون شوارع فاس رجالا ونساء وأطفالا وشبابا، وكل طموحهم الفوز بلقب ينقص خزينة فريقهم المفضل، وهو ما تحقق بعد مخاض عسير تجرع مرارته المسيرون واللاعبون والمدربون، والجمهور، الذي استحق لقب العريس بامتياز. غادر الجميع الملعب في حدود العاشرة ليلا عبر سيارات وحافلات ودراجات نارية وهوائية، حاملين شعارات المغرب الفاسي والرايات الوطنية في احتفاء استثنائي لم يسبق له مثيل. التحق المشجعون بمختلف شوارع فاس مستعملين منبهات السيارات دون انقطاع، وأحيانا الجري في الطرقات، ما خلف ارتباكا في حركة مرور السير، لكن دون أن يعرقله. أما رجال الأمن، فظلوا يراقبون ويترقبون أي انفلات، للعمل على تطويقه قبل استفحاله، وأحيانا مشاركة المشجعين احتفالهم. إنجاز: عيسى الكامحي (موفد الصباح إلى فاس)

أفــراح ودمــوع فــي لــيــلــة الــمــاص

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"الأولى" توافق على تصوير الجزء الثاني من "أحوال الناس"

جمال الشريف: ضربة الجزاء غير موجودة والهدف صحيح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات