بولمان … أحزمة التهميش تشتعل غضبا

نقص البنيات وضعف الخدمات وراء تنامي الاحتجاجات يعيش إقليم بولمان فوق موقد نار غضب، بدأ هادئا صيفا والتهب في عدة مناطق، عرفت احتجاجات متواصلة بأرضية مطلبية متقاربة، غلافها اجتماعي محض مختصر لمعاناة سكان أضناهم انتظار التفاتة رسمية ترفع عنهم سوط واقع تهميشهم وإقصائهم من برامج تنموية حقيقية تذيب فقرهم وبطالة شبابهم. من إنجيل والمرس وكيكو وميسور وإيموزار مرموشة وغيرها، تعالت صرخات غضب شبابها أملا في آذان منصتة لمعاناتهم ومستوعبة لآلامهم الموجعة، جراء نقص البنيات وضعف الخدمات، دون أن تشفع مؤهلاتها و"غاسولها" وفلاحتها وثرواتها الغابوية، لدى مسؤولين مطلوبة نظرتهم بعين الرحمة إليهم. إعداد: حميد الأبيض (فاس) "لا للتهميش، كلنا إقليم بولمان" شعار أطلقه شباب في "انتفاضة" فيسبوكية سبقت احتجاجات ميدانية لرد الاعتبار لإقليم غارق في مشاكله المختلفة والمتشعبة التي لا تحتاج إلا لإرادة رسمية حقيقية لمواجهتهم بالحزم والجدية اللازمين، أملا في السير بركب التنمية إلى درجات توازي تطلعات سكانه "المحكورين". قفص الأحلام "هنا الحرمان يا وطني مقيم، هنا الأحلام في قفص تنادي. أرى الأنحاء ليس لها نصيب، من الإصلاح أو قهر الفساد. كتمت الصوت منتظرا صباحي، فطال الليل في نفق السهاد" مقاطع من "صرخة من ألم الذاكرة" أطلقها الشاعر أحمد علي ساكة ابن منطقة سكورة ببولمان حسرة على ما آل إليه حال الإقليم. رثاء الشاعر لأرض موشكة على السكتة القلبية، يبرره واقع "حكرة" ترابها وشيبها وشبابها ورجالها ونسائها، وحرمانهم من أبسط شروط العيش ومقومات الحياة الكريمة، قبل أن تنطلق صرخاتهم المنحبسة محدثة صدى بجبال شامخة أبت الركوع والانحناء لواقع لا يرضي أهال نفد صبرهم من طول الانتظار. إن استثمار مؤهلاتها الطبيعية كفيل برفع عصا التهميش عن رقبتها المختنقة، سيما بالاستغلال الأمثل للغرانيت بسرغينة والغاسول بالقصابي، ولثروتها الفلاحية خاصة تين وعنب أولاد علي وزيتون أوطاط الحاج وتانديت وبصل وبطاطس كيكو وخوخ وتفاح ميسور وفواكه وشلالات مرموشة وغزال ترنست. كل ذلك وما تزخر به من حامات ومياه ووحيش، وغزال إنجيل وشلالات وطبيعة المرس الخلابة ومستحاثاتها الجيولوجية وآثار الديناصورات بها، وآثار الفيلة العملاقة القديمة بسكورة ذات الشلالات والطبيعة الفاتنة، كفيل بإخراج إقليم بولمان مما هو فيه من غبن تنموي، لو استثمر على الوجه الأكمل. لكن ذلك يبقى مؤجلا في غياب رؤية تنموية تستثمر ثرواته استثمارا يذيب صور البطالة والفقر وضعف البنيات ويدفئ قلوبا مهمومة وينعش جيوب سكان أضناهم انتظار "غودو تنمية" يخرجهم مما هم فيه من عزلة وتهميش صدحت حناجر شباب برفعهما في حملة اختاروا لها هاشتاغ "لا للتهميش. كلنا بولمان". انتفاضة إنجيل الأزبال وتلوث المياه العادمة والإنارة والحاجة إلى الماء، مطالب بسيطة حركت غضب سكان منطقة إنجيل المحتضنة لمحمية تربية طائر الحبار، فخرجوا في احتجاجات متواصلة آخرها وقوفهم أمام مقر الجماعة في 20 شتنبر، لإسماع أصواتهم المبحوحة لآذان مسؤولين أملا في تذويب معاناتهم ومشاكلهم. أبناء المنطقة غير راضين عن عزلتها وتهميشها وإقصائها من البرامج التنموية ومشاريع مبادرة التنمية بما فيها تلك المدرة للدخل، وحرمانهم من ضروريات العيش الكريم، دون أن يستسيغوا واقع الأمية الذي ينخر عقول أطفال ما زالوا بعيدين عن شعارات الوزارة لتعميم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي. غضب الأهالي تأجج بعدة دواوير بهذه القرية المنسية، ضدا على الانقطاع المتكرر للماء وغياب البنية التحتية والخدمات الأساسية، قبل أن يشحذوا حناجرهم لإسماع أصواتهم للمعنيين بتنمية مناطقهم الغارقة في هامشيتها والبعيدة عن أعين أولي الأمر والنهي، لعل قلوبهم ترأف لحالهم الذي لا يرضيهم. مستوصف ناقص التجهيز والموارد ومرافق بسيطة لا ترقى لمستوى تطلعات شباب منطقة تعد محمية الحبار الإماراتية المشروع اليتيم بها، في غياب المرافق الترفيهية والفضاءات الرياضية، في انتظار تزويد كل الدواوير بالماء والكهرباء وتأهيل المدارس وتوفير النقل المدرسي وتعبيد الطرق والمسالك. مطالب بسيطة رفعها الغاضبون الحالمون بمستشفى يتوفر على الأدوية والتجهيزات اللازمة ودار للولادة وخدمات تعفي السكان عناء التنقل بعيدا بحثا عن فرص التطبيب المستحيلة بمنطقتهم المحتاجة إلى جهود مضاعفة لإخراجها من عزلتها القاتلة لحيوية وطموح شباب أرقته البطالة وأضناه روتين الحياة اليومية. آمال معلقة "الحاجة ملحة لبرامج تنموية وتعميم الكهربة العمومية والماء الشروب وإحداث تجزئات سكنية مجهزة وتوفير التجهيزات الأساسية للتطهير السائل وتزفيت الأزقة وبناء الأرصفة". ذاك مطلب البرلماني رشيد الحموني عن التقدم والاشتراكية في سؤاله الكتابي لوزيري الداخلية والتعمير والإسكان، لتهيئة المرس. ولم يخف دعوتهما إلى استثمار مؤهلات الجماعة الطبيعية المهمة وسلاسلها الجبلية المميزة بارتفاعاتها العالية وغطائها النباتي المتنوع المخضر طيلة السنة، وما يضفيه عليها الثلج من جمالية، مع الاهتمام بمنتوجها السياحي، للمساهمة في تنمية السياحة الإيكولوجية وتوفير فرص الشغل ووقف نزيف الهجرة. هذا الأمل يبقى معلقا وحرك شبابا أغضبه واقع الجماعة التي حلت بها أخيرا لجنة من مديرية الشؤون القروية اجتمعت بفعاليات محلية وسكان معنيين بتفويت قطع أرضية لبناء إعدادية بدر ودار للطالب وأخرى للشباب، مكاسب للمنطقة بعد احتجاجات على مشكل أزمن طويلا وتسبب في احتقان اجتماعي. مشكل مماثل عاشته فخذات بقبيلة آيت حلي، سيما آيت خباش وآيت رحو اللتين اعتصم سكانهما في بداية شتنبر بملتقى الطرق بين كيكو وإفران وبولمان، أملا في استعادة أراضيهم بتيجمة، بعد محاولات فاشلة للسلطة ل"تفتيت" لحمة تضامنهم، قبل أن يتدخل عامل الإقليم لطمأنة الغاضبين بحل قريب للمشكل. لأجل أرضهم المترامى عليها بالتزوير والالتفاف على القانون، بات السكان في العراء مؤازرين بفعاليات حقوقية تبنت ملفهم، مطالبين بإعادة النظر في هويات نواب الأراضي السلالية، ولافتين انتباه المسؤولين إلى مشكل يؤرقهم وذوي حقوقها في مناطق متفرقة بجهة فاس مكناس، استهدفت من قبل مافيا العقار. كيكو غاضبة دخل سكان كيكو منذ 20 يوليوز الماضي، في احتجاجات على افتقار المنطقة للبنية التحتية الأساسية وضعف المرافق الاجتماعية خاصة في مجال الصحة والتعليم والثقافة والشباب والرياضة، آخرها وقفة احتجاجية في 11 شتنبر بالمركز الصحي، رفعوا فيها شعارات طالبت بخدمات صحية تصون كرامتهم. تأهيل المركز الصحي المحلي وتحويله إلى مستشفى وتجهيز دار للولادة وتعميم قاعات العلاج الأولي بالدواوير النائية وتوفير الأطباء والممرضين وتحسين الخدمات وإعطاء العناية للأمومة والطفولة، وإصلاح وتجهيز الملعب الجماعي وبناء ملعب القرب وبناء مركب ثقافي ومسبح وقاعة للرياضات. تلك بعض من مطالب مختلفة رفعها النسيج الجمعوي، مطالبا بإضافة محطات كافية لمكافحة البرد وبناء مركب للصناعة التقليدية وتوفير مؤسسات تعليمية كافية للحد من ظاهرة الاكتظاظ والحد من النقص المهول في المدرسين وترميم الأقسام وإطلاق مشروع المدرسة الجماعاتية وتوفير التدفئة والملاعب. ويلحون على لزوم إطلاق قنوات الصرف الصحي وشاحنات لجمع الأزبال وبناء مطرح للنفايات يقي المنطقة من الكوارث البيئية وتوسيع الشبكة الكهربائية وتعميمها بالدواوير واعتماد الاستهلاك الحقيقي للماء والكهرباء بدل الاستهلاك التقديري، وتوفير محطة طرقية ومواقف للسيارات وشاحنة لنقل اللحوم. بعض تلك المطالب ضمنها برلماني بالإقليم في سؤال إلى وزير الداخلية، ألح فيه على لزوم تشجير كيكو وإحداث مناطق لأنشطة إنتاجية وخدمات لتوفير الشغل وإحداث دينامية في الأنشطة الخدماتية التي "تعتبر مصدر دخل المواطنين"، وإنجاز مشاريع من شأنها إنصاف المدينة وإعادة الاعتبار إليها. هشاشة البوادي يعاني العالم القروي ببولمان بسبب الهشاشة وندرة مياه الشرب والسقي ونقص البنيات التحتية وتعثر إنجاز الصرف الصحي للنفايات كما في جماعة سيدي بوطيب، وآثار الجفاف والفيضانات وإلحاقها خسائر في منشآت وتجهيزات ومرافق بما فيها دار للشباب، وتساقط البرد (التبروري) وإلحاقه خسائر فادحة بالغلة. هذا الواقع المر أجج احتجاجات في مناطق متفرقة، كما إيموزار مرموشة احتج شبابها أثناء احتضانها مهرجان إيسلي، ضدا على إهدار مال يمكن استثماره في تعزيز البنية التحتية وتشغيل الشباب العاطل، ومناطق أخرى ناقصة التجهيز كما حال القصابي المحتاجة لتعميم مياه الشرب والتجهيزات الأساسية. وتبقى حاجتها ماسة لاستثمار مؤهلاتها الطبيعية المتنوعة والمختلفة، بما فيها المقلع الوحيد للغاسول بالمغرب والعالم، والثروة الهائلة من الأعشاب الطبية والعطرية بما فيها أزير والشيح وزعيترة المنتشرة بمساحة شاسعة من الجماعة المشتهرة بجودة منتوجاتها الفلاحية سيما التفاح والمشمش والخوخ. وفي انتظار ذلك تجدد مطلب سكان مناطق بميسور ببناء محطة تطهير السائل ومعالجة المياه العادمة في إطار برنامج وطني في هذا المجال، لأهمية المشروع الذي تأخر إنجازه، في "تأهيل المدينة وتحسين جماليتها والحد من المشاكل البيئية والحفاظ على عذوبة المياه والتنـــوع الإيــكولـوجي بنهر ملوية". الانشغال ذاته قائم حيال الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي المؤرق للمواطنين والناتجة عنه خسائر مادية فادحة لتذبذب قوة التيار الكهربائي وعودته بدرجة عالية وبشكل مفاجئ، ما كــان موضوع ســـؤال كتابي إلى وزير الطاقة والمعـــادن والتنميـــة المستــدامة من قبل البرلماني رشيد حموني من التقدم والاشتراكية. احتجاجات متواصلة حركت الأوضاع المزرية حي القدس بميسور، إذ نظم سكانه وقفة أمام العمالة بعد يومين من احتجاج مماثل أمام المستشفى الإقليمي واعتصام 6 طلبة لإقصائهم من لائحة إضافية للمنحة الجامعية، ما أغضب فعاليات حقوقية دخلت على الخط، مستغربة "الغموض والصمت المريب للمسؤولين حيال الموضوع". ولم تستسغ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بميسور، ما أسمته "التجاوزات الخطيرة في مجالات الشغل والعقار والصحة والتعليم" والواقع المزري للمنطقة. وسبب احتكار الوعاء العقاري للمدينة والمضاربة والتحكم في أثمنة البقع رغم أن الأراضي ذات صبغة جماعية، معاناة أحياء القدس والمراير وإكلي وسيدي بوطيب ودوار حميدو والزاوش، غياب أبسط التجهيزات الأساسية والضرورية وانعدام الأمن وانتشار السرقة، في ظل ركود تجاري تعرفه المدينة. «قلة الصحة» "يعاني المستشفى الإقليمي والمراكز الصحية، نقصا في بعض تخصصات الأطباء والاختصاصيين أو غيابهم المستمر، والنقص في التجهيزات سيما السكانير ومواد التمريض والاستشفاء وعدم صيانتها والنقص في التحليلات الطبية وعدد الممرضين وإرسال أغلب حالات الولادة لفاس وطول المواعد". تلك استنتاجات فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بميسور حول واقع الصحة بالإقليم، مؤكدا حرمان فئة واسعة من بطاقة "راميد" وفرض الأداء المسبق، كما كشف أيضا بيان آخر للجمعية نفسها ببولمان، "غياب أبسط شروط الخدمات الصحية في ظل اختلالات فيها وضعف الموارد البشرية". ولم يخف قلقه من معاناة عدة حالات بسبب بعد المسافة الذي يساهم في ازدياد حالات الوفيات، مطالبا ببناء مستشفى بمواصفات جيدة تلبي حاجيات السكان، فيما ارتفعت الأصوات الغاضبة مما أسمته "تهريب" المستشفى الرئيسي متعدد الاختصاصات لمنطقة "تينط" بعدما كان مرجحا بناؤه مكان المستشفى القديم. وعابت اختيار هذا الموقع بعيدا عن المدينة والمفتقد إلى التجهيزات الضرورية التي تزداد حاجة مستخدمي المستشفى إليها، بمبرر بعده وقلة وسائل النقل بينه والمركز الذي يتعسر شتاء بالنسبة للمرضى والأطباء والممرضين، للتساقطات الثلجية التي عادة ما تقطع الطريق لعدة أيام قد تطول أحيانا. الحاجة لمشاريع تقلص بطالة الشباب تزداد حاجة شباب إقليم بولمان لمشاريع تذيب بطالتهم خاصة ما يرتبط منها باستثمار مؤهلاته الطبيعية، كما في مجال تثمين الغاسول الواجب إحداث وحداته بعد أن ألغت الحكومة الاحتكار السابق لاستغلال هذه المادة وربط الاستغلال بالتثمين، وفتحها طلبات عروض للمنافسة لاستغلال هذه الثروة الطبيعية. "كان من المفروض على من تؤول إليه المناقصة العمل على إحداث وحدة لتثمين المنتوج محليا، ما لم يتم وسبب عدم استفادة المنطقة وشبابها من هذا الاستثمار" يؤكد البرلماني حموني في سؤال كتابي إلى وزير التجهيز والنقل واللوجستيك، مؤكدا أن العدد المخصص للمقاولات الفائزة، لم يغط المنطقة كاملة. الأمر ذاته ينطبق على مجالات اقتصادية أخرى خاصة دعم حرف الصناعة التقليدية بالإقليم لمساهمتها في تنمية دخل ممتهنيها الذين يفوق عددهم 4 آلاف صانع تقليدي، نصفه نساء، منخرطون في مئات المقاولات الحرفية مجسدة ل30 حرفة يدوية تشغل 1756 حرفيا كما أورد ذلك حموني في سؤال له. وتبقى الفلاحة بوابة رئيسية لاحتضان مشاريع تنموية تساهم في تشغيل شباب الإقليم، خاصة بكيكو حيث الإنتاج الوافر للبصل والبطاطس والمعز والغنم، وأوطاط الحاج وتانديت المعروفتين بإنتاج الزيتون، ومختلف أنواع الفواكه سيما بإيموزار مرموشة وميسور وأولاد علي وغيرها من المناطق.

بولمان … أحزمة التهميش تشتعل غضبا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ديكور: الفضاء المثالي للدراسة

المؤجلات والمحليون يربكون البرمجة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات