توتر وأجواء مشحونة بالدورة العادية لمقاطعة المعاريف

تجار سوق "الرخا" قاموا بإنزال كبير للمطالبة بوضع حد لـ"تقاذفهم" بين مجلس المقاطعة والسلطات المحلية حلوا بالعشرات، رجالا ونساء، شبابا وشيوخا. مظاهرهم تفضح الفقر الذي يعيشون في أحضانه. جلابيب النسوة بهتت ألوانها وعلتها الكثير من بقع الأوساخ. قطع القماش التي يضعن فوق رؤوسهن مترهلة وبعضها ممزق وتعلوه الأوساخ. أيديهن غليظة وعروقها بارزة. الرجال بعضهم يرتدي «بلوزات» زرقاء ويعتمر قبعات وطاقيات شحبت ألوانها. ملامح أوجههم لفحتها الشمس وأحالت لونها إلى خليط بين الحنطي والأسود. ينتعلون أحذية ونعالا جلدية انسحقت قواعدها وعلتها الأتربة وذهب لونها.. من يقرأ الكلمات أعلاه قد يخال الأمر يتعلق بمشاهد من أحد أفلام بوليوود الهندية، أو لقطة من خبر عن الأقوام التي تعيش في أفريقيا ما وراء الصحراء أو في القرن الإفريقي...لكن لا، بل هي مشاهد من الأجواء التي سبقت عقد أشغال الدورة العادية لمجلس مقاطعة المعاريف لشهر شتنبر.تراخيص التجديد النسوة والرجال والشباب، الذين انتشروا وسط باحة تقع قبالة «قاعة الاجتماعات» بمقر المقاطعة، حلوا قبل موعد انطلاق الدورة. لم يأتوا لحضور أطوار جلسة من الجلسات التي قد لا تسعفهم في إيجاد حل لمصدر مأساتهم والكابوس الذي يؤرقهم منذ قرابة أربعة أشهر.مصلحة تصحيح الإمضاءات تعمها حركة دؤوبة. طابور من الكراسي يقتعد أغلبها مواطنون ينتظرون التصديق على توقيعاتهم أو الحصول على وثيقة رسمية. الجالسون أثارهم مشهد الذين تحلقوا في باحة المقاطعة الضيقة. يلقون إليهم بين الفينة والأخرى نظرات شزراء تبغي تقصي سبب احتشادهم هناك. بعض الذين احتشدوا وبمجرد ما رأوا مصور جريدة «الصباح» حتى سارعوا إليه ليعرضوا أمام عدسة آلة تصويره تراخيص تجديد بناء محلاتهم القصديرية التي التهمها حريق شب بسوق «الرخا» مطلع يونيو الماضي. مشكلة أصحاب المحلات التي التهمتها النيران في الساعات الأولى من أحد الصباحات يونيو الماضي، ليست في أنهم منعوا، لا قدر الله، من إعادة «تشييد» محلاتهم القصديرية، ولكن مأساتهم تنبع من «تقاذفهم» بين ممثلي السلطات المحلية والمنتخبين المحليين، الذين وصلوا إلى كراسي الرئاسة ونيابة الرئاسة والمستشارية بمجلس مقاطعة المعاريف على أجنحة أصوات هؤلاء المسحوقين والمهمشين.كرة .. يتقاذفونهافرئيس مقاطعة المعاريف وقع لهم على تراخيص التجديد. لكن «بمجرد ما نشرع في البناء حتى يحل أحد ممثلي السلطات المحلية ليطعن في التراخيص بالقول إنها مزورة، ومرة يقولون إنهم ينتظرون الضوء الأخضر من عامل مقاطعات الدار البيضاء أنفا ليسمحوا لنا ببناء ما التهمته النار» تقول إمرأة من المتضررين في تصريح لـ»الصباح».«التجار المحروقون والمتضررون»، كما صار المحتشدون يطلقون على أنفسهم، بعد أن أحالت ألسنة اللهب الأخشاب التي كانت هي جدران وأركان «براريكهم» بسوق الرخا إلى رماد أسود أصبحت معه أيامهم أكثر سوادا مما كانت عليه، وهم الذين كانوا يحصلون على ما يسدون به رمق أسرهم مما تدره عليهم الأنشطة التجارية التي كانوا يزاولون، أتوا هذا الزوال (زوال الاثنين الماضي) إلى مقر المقاطعة علّ «سعادة» الرئيس ونوابه ومستشاريه يلتفتون إلى مأساتهم ويشفقون لحالهم ولحال أسرهم.الساعة الآن الثانية والدقيقة الخامسة والثلاثون ولم تنطلق أشغال بعد. فالاستدعاء الذي وُجه إلى أعضاء مجلس المقاطعة، وتتوفر «الصباح» على نسخة منه، يقول بالحرف إن الدورة «ستنعقد على الساعة الثانية بعد الزوال». قاعة الاجتماعات، التي تحمل اسم «الحاج محمد رحيب»، خالية إلا من بعض موظفي المقاطعة، ونادل ونادلة يوزعان قنينات ماء معدني فوق المنصة التي سيواجه من فوقها الرئيس أحمد القادري ونوابه ومستشاري الأغلبية والمعارضة ليبسط أمامهم نقط جدول أعمال الدورة.«واضيعتونا...»فجأة يتعالى الصياح وتلهج الحناجر بعبارات «عاش الملك، عاش الملك ...». يتجمهر التجار أمام مدخل قاعة الحاج رحيب. يحاول عنصرا أمن من القوات المساعدة وبعض موظفي المقاطعة إفساح الطريق أمام الرئيس القادري الذي وصل متأخرا عن موعد انطلاق الدورة بحوالي أربعين دقيقة. لا يلج الرئيس قاعة الاجتماعات إلا تحت خفر عنصري القوات المساعدة وبعض موظفي المقاطعة وبعض نوابه. «واضيعتونا... وضيعتو ولادنا...» تصيح امرأة، يبدو من مظهرها الهرم وملامح وجهها المتجعدة أنها خلفت أغلب سنوات عمرها وراء ظهرها، بصوت منتحب. يتطلع إليها أحمد القادري بعينين جاحظتين تنمان عن استغراب كبير لما يدفعها إلى النحيب والصياح بهذه الطريقة الهستيرية.ما أن يتجاوز الرئيس عتبة القاعة حتى يندفع خلفه الحشد المتجمهر. يحاول عنصرا القوات المساعدة مدعومين بموظفين من المقاطعة صدهم. «دْخلو. دْخلو. دْخلو..إلى يغيتو دْخلو» يخاطب القادري الحشود المتجمهرة بنبرة حادة. قالها وانسحب فاسحا المجال أمام التجار المحروقين والمتضررين الذين دلفوا عن آخرهم إلى بهو القاعة المكيفة والفسيحة وذات الكراسي الأنيقة والوثيرة.تواصل العجوز، وهي واحدة من اللائي تضررن من الحريق الذي شب بسوق الرخا، نحيبها وصياحها بينما يتوجه المتضررون إلى المقاعد الخلفية ويتوزع مستشارو الرئيس عبر الكراسي المقابلة للمنصة، فيما يقتعد هو الكرسي الذي يتوسط المنصة وعلى يمينها أحد نوابه وقائد المنطقة عشرة وممثل العامل، وعلى شماله ثلاثة نواب آخرين.التجار المحروقون«سنؤجل النقطة الثانية من جدول أعمال الدورة...» كانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التي ألهبت جنبات القاعة ودفعت «التجار المحروقين والمتضررين» إلى إحداث زوبعة من الصياح والصراخ والضوضاء، لم تخمدها إلا مسارعة الرئيس إلى فتح النقاش حول النقطة التي أثارتها. النقطة الثانية، والتي أثار اقتراح تأجيلها انتفاضة وسط القاعة الفسيحة، تتعلق بـ»عرض ممثل السلطة المحلية حول مآل تنفيذ المقرر الصادر عن المقاطعة والمتعلق بإعادة هيكلة جوطية درب غلف وانعكاسه على الأسواق المجاورة»، كما توضح نسخة من جدول أعمال الدورة تمكنت «الصباح» من الحصول عليها. تجار سوق «الرخا» لا تعنيهم، مثلا، نقطة «وضعية تنفيذ المنحة لسنة 2011» أو نقطة «تسمية الشوارع والأزقة»، أو حتى نقطة «انتخاب ممثلي المجلس ونوابهم في اللجنة الإدارية المكلفة بتجديد اللوائح الانتخابية العامة»، وهي النقط الواردة في جدول الأعمال، ما يهمهم بدرجة أولى هو مصدر رزقهم ورزق عيالهم، وهو «إعادة هيكلة الأسواق المجاورة لجوطية درب غلف» وضمنها سوق «الرخا»، الذي لم تكن النار وحدها من ألغى العشرات من محلاته، ولكن السلطات المحلية أيضا كان لها دور في هدم ما لم تطله ألسنة اللهب من براريك السوق العشوائي.اقتراح التأجيل، الذي كاد يعصف بالجلسة، كان سببه غياب العامل خالد سيفر، الذي يقضي حاليا فترة نقاهة بعد أن أجرى عملية جراحية لم يوضح طبيعتها رئيس مقاطعة المعاريف أحمد القادري الذي أورد النبأ، ولم يحضر الدورة من السلطات المحلية إلا ممثل لعامل مقاطعات أنفا.مجلس المقاطعة يلوم...الرئيس حمل بما لا يدع مجالا للشك مسؤولية عرقلة حل ملف «التجار المحروقين والمتضررين» إلى ممثلي السلطات المحلية، وقال بالحرف «نطلب من ممثل العامل أن تسمح السلطات المحلية لأصحاب المحلات بإعادة بناء محلاتهم»، ولم يكتف القادري بهذا بل أضاف، بنبرة لا تخلو من تأثر وإشفاق لحال المتضررين ، «هاد الناس تاهوما مساكن خاصهوم ياكلو طرف ديال الخبز»...كلمات أثارت المتضررين الجالسين على الكراسي الخلفية من القاعة فطفقوا يصفقون بحماس كبير...نواب الرئيس ومستشاروه، أغلبية ومعارضة، والذين تناوبوا على أخذ الكلمة، خلال الاجتماع الذي أثثه توزيع أكواب الشاي وقنينات مياه معدنية على الحاضرين، كلهم ألقوا باللائمة في عرقلة حل ملف سوق «الرخا» على السلطات المحلية، وتساءل أحدهم قائلا «هل الحصار المضروب على إعادة هيكلة أسواق مقاطعة المعاريف، دون غيرها من المقاطعات، راجع إلى ضعف المنتخبين أم إلى قوة رجال السلطة المحلية بتراب المقاطعة...»تساؤل لم يجب عنه أحد، لكن بعض الوقائع ترجح كفة الاحتمال الثاني. فمحمد لوجيب، وهو واحد من التجار المتضررين، يروي، في رسالة موجهة إلى والي جهة الدار البيضاء الكبرى تتوفر «الصباح» على نسخة منها، أنه توجه رفقة مجموعة من تجار سوق «الرخا» إلى قائد المقاطعة 11 لإبلاغه بأن مجلس مقاطعة المعاريف، المنتخب، «سمح لنا بالبناء بموقع السوق»، تقول الرسالة «فلم يكن منه إلا أن خاطبنا بأن الرخص مزورة».وعندما طالبوه بالإثباتات على ما يقول «ثار في وجهنا وشرع في سبنا وقذفنا بألفاظ جارحة» وختم القائد «هجومه» على التجار «المحروقين» والمتضررين بأن ردد على مسامعهم الشعار الذي رفعته جحافل الشعوب العربية الثائرة على أنظمتها القمعية والدكتاتورية والمستبدة «Dégage» أو «اغربوا عن وجهي» وليس ارحلوا... وحتى إن «أغرب» المتشردون عن وجه القائد فإن السؤال «كلام من نتبع، مجلس المقاطعة أم السلطة المحلية» سيظل يؤرق «المحروقين والمتضررين»، خاصة وأن مصدر رزقهم تلاشى مع أدخنة حريق يونيو الماضي، ومن ساعتها وهم بدون مورد رزق قار... محمد أرحمني

توتر وأجواء مشحونة بالدورة العادية لمقاطعة المعاريف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مرضى الروماتويد يعانون في صمت

القاسمي: جهود التعريف بآلية الوساطة غير كافية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات