دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الأخيرة)

مستجدات الدستور المغربي تشجع على ملائمة التشريع المغربي مع نظام المحكمة الجنائية الدولية وقعت المملكة المغربية على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية يوم 20 شتنبر 2000، إلا أنها لم تصادق عليه حتى اليوم رغم توصية هيأة الإصلاح والمصالحة في هذا الشأن. 2 من حيث التشريع : لابد من ملائمة التشريع المغربي مع توجهات القانون الإنساني ومتطلباته: أ – بتجريم كل الأفعال الماسة بسلامة الشخص الجسدية والمعنوية والروحية والحاطة من الكرامة، وجرائم الإبادة والحرب والعدوان، والجرائم ضد الإنسانية، واعتماد عناصر التعريف الدولي لكل جريمة.ب – بالتنصيص على عدم تقادم كل الأفعال التي لها علاقة بالجرائم ضد الحريات والحقوق الأساسية، كجرائم الاختطاف، والاختفاء القسري والحجز والاعتقال التعسفيين، والتعذيب، والتمييز العنصري، والاسترقاق، والاتجار في البشر، وجرائم الإبادة والحرب والعدوان والجرائم ضد الإنسانية.ج – بحصر حق العفو الخاص بالنسبة لهذه الجرائم في إمكانية لتخفيف من العقوبة بعد قضاء ثلثي مدتها أو 25 سنة في حالة السجن المؤبد، وإمكانية تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد لأنها لا تتعارض مع نظام المحكمة الجنائية الدولية.د – بجعل الجرائم المذكورة غير مشمولة بالعفو العام، وربطها في هذا الباب بمستجدات المواثيق الدولية.3 من حيث مجال التعاون الدولي:فالهدف من نظام التعاون الدولي في ا لميدان الجنائي هو الحيلولة دون إفلات المجرمين من العقاب.وحيث إن المغرب لم يصادق على نظام المحكمة الجنائية الدولية، فإن إبراز أوجه تعاون الدول غير المنتمية لهذا النظام هو الذي يعنينا في هذه الدراسة.أ – وفي هذا الصدد وجب التذكير بأن المادة 87-5 من نظام روما تسمح للمحكمة الجنائية الدولية بأن تدعو أي دولة غير طرف في هذا النظام إلى تقديم المساعدة المنصوص عليها في الباب التاسع.وتتجلى أوجه هذه المساعدة في الإجراءات التالية:- القبض على شخص وتقديمه إلى المحكمة (المادة 89-1) .- إلقاء القبض احتياطيا على الشخص المطلوب إذا اقتضت حالة الاستعجال ذلك في انتظار إبلاغ طلب التقديم (المادة 92).- تقديم المساعدة اللازمة للمحكمة لإنجاز إجراءات البحث أو التحقيق كتحديد هوية ومكان وجود الأشخاص، وجمع الأدلة، واستنطاق الشخص محل التحقيق أو المقاضاة، والتفتيش، والحجز، وإبلاغ المستندات، وفحص الأماكن أو المواقع، وإخراج الجثث وفحص مواقع القبور، وحماية المجني عليهم والشهود، والمحافظة على الأدلة....( المادة 93 ).- كما تجيز المادة 93 -10 ج من النظام أن تتعاون المحكمة مع أي دولة غير طرف وتقدم لها المساعدة، إذا كانت تلك الدولة تجري تحقيقا أو محاكمة في إحدى الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة.والجدير بالملاحظة أن المادة 102 من نظام المحكمة الجنائية الدولية قد أبدعت مصطلح التقديم La remise في باب التعاون والمساعدة المطلوبين من الدول عوض مصطلح التسليم L’extradition الذي يمكن أن يتعارض مع متطلبات السيادة وواجب كل دولة في حماية رعاياها وعدم تسليمهم إلى القضاء الأجنبي.– أنواع أخرى من المساعدات التي يمكن أن تقمدها الدولة الغير طرف في نظام روما إلى المحكمة تتجلى في وضع مؤسساتها السجنية رهن إشارة المحكمة لتنفيذ العقوبات السجنية، ونقل الشخص عند إتمام مدة الحكم، وفق الشروط المنصوص عليها في الباب العاشر من النظام.ب – هذا العرض الوجيز لأوجه التعاون الدولي سيساعدنا على استشراف سبل ملائمة قانون المسطرة الجنائية المغربي مع نظام روما، بعد ملائمة التشريع المغربي من حيث المبادئ والتجريم، وعدم تقادم الجريمة، والحد من العفو..... حسب الحالات التالية:ب 1 – بالنسبة للجرائم المقترفة داخل التراب المغربي : تنعقد الولاية القضائية للدولة المغربية أي كانت جنسية الفاعل ( المادة 706 من قانون المسطرة الجنائية).ب 2 – بالنسبة للجرائم التي يقترفها مغاربة خارج المغرب : تنعقد كذلك الولاية القضائية للدولة المغربية عن الأفعال التي لها وصف جناية، أي كانت جنسية المجني عليه ( المادة 707 من ق م ج ).وتنعقد كذلك الولاية القضائية عن الأفعال التي لها وصف جنحة ، ولا تتم المتابعة في هذه الحالة إلا بطلب من النيابة العامة بعد توصلها بشكاية من الطرف المتضرر، أو بناء على بلاغ صادر من سلطات البلد الذي ارتكبت فيه الجنحة ( المادة 708 ق م ج ).ب 3 - بالنسبة للجرائم التي يقترفها أجانب ضد رعايا مغاربة خارج المغرب :تنعقد الولاية القضائية للدولة المغربية، إلا أن هذا الأمر يقتضى اعتقال مقترف الفعل داخل الأقاليم المغربية أو تسليمه إلى السلطات المغربية في إطار إحدى اتفاقيات التعاون القضائي التي تنص على تسليم المجرمين. فيما عدا ذلك فإن إمكانية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية تقتضى أن يكون الجاني من رعايا دولة طرف في نظام المحكمة الجنائية الدولية، أو أن تقبل الدولة الغير طرف باختصاص المحكمة بالنسبة للجريمة المعنية.ج – بالنسبة للأجانب الموجودين بالمغرب والمطلوبين من أجل جرائم مقترفة خارج المغرب على غير المغاربة:فما دام أن التشريع المغربي لا يتضمن مفهوم الولاية القضائية الكونية، فإن الولاية القضائية لا تنعقد للدولة المغربية. والمغرب مطالب بتوفير كل أوجه المساعدة للمحكمة الجنائية الدولية ، وتعديل مسطرته الجنائية في هذا المنحى، انسجاما مع متطلبات الباب التاسع من نظام روما، .أما إمكانية إيواء المحكوم عليهم من طرف المحكمة الجنائية الدولية، فإن تعاون الدول في هذا الباب له طابع اختياري ، إلا أن المطلوب أن يعبر المغرب عن قبوله استقبال الرعايا المغاربة المحكوم عليهم من طرف المحكمة الجنائية الدولية، وعليه قبل ذلك أن ينسجم مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة يوم 13 مايو 1977 ،وأن يرفع من ظروف وجودة إيواء السجناء لجعلها في مستوى المتطلبات الدولية.- الخلاصـــة:إن مستجدات الدستور المغربي تشجع لا محالة على ملائمة التشريع المغربي مع مقتضيات نظام المحكمة الجنائية الدولية، ويبقى على الحكومة التي ستنبثق عن انتخابات نونبر المقبل أن تنحى هذا المنحى، بما يلزم من جدية وسرعة، لتحقيق الملائمة التامة المنشودة وجعل المنظومة التشريعية المغربية في مستوى المبادئ والقواعد المؤسسة للقانون الإنساني الدولي.وسيصبح آنذاك مشكل المصادقة على نظام المحكمة الجنائية الدولية ثانويا بالنسبة للمغرب، نظرا للطابع التكميلي لهذا النظام.وهكذا سيتحرر المغرب من كل الضغوط التي تدفع إلى المصادقة على نظام معتل بفعل هيمنة مجلس الأمن عليه، ويختار الظرف السياسي المناسب الذي تقتضى فيه مصلحة البلاد خطو خطوة المصادقة بدون ضرر.الدار البيضاء في فاتح غشت 2011 بقلم: محمد بن عبد الصادق: (محام بهيأة البيضاء)

دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الأخيرة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"للأذن ذاكرة" يكشف الوجه الإذاعي لمحمد برادة

الحبس لضابط مغربي ببعثة أممية في الكونغو

مقالات ذات صلة