الفاتورة الباهظة للربيع المغربي

قرار الحكومة عقد صفقة هدوء مع الشارع كلفها ميزانية ضخمة وتنازلات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فكما لـ"القاعدة" العربية فاتورتها، التي دفعتها من أنظمتها السياسية التي تهاوت، تباعا، مثل حبات السبحة، فللاستثناء المغربي كلفته الباهظة، أيضا، التي يمكن جرد تداعياتها، من الآن، على المستويين السياسي والاجتماعي، كما على المستويات والاقتصادية والمالية والأمنية. لقد أحدث الربيع العربي، ثم الحراك الاجتماعي المغربي الذي أطلقته 20 فبراير قبل ستة أشهر ما يشبه "الصدمة الكهربائية" التي تعاطت معها الحكومة بمنطق "كم حاجة قضيناها بتهدئتها". لكن شراء الهدوء والسلم الاجتماعي كان لا بد أن يخضع إلى قانون العرض والطلب، إذ لجأت الدولة إلى تحرير فواتير ضخمة مدفوع ثمنها من الاقتصاد الوطني الذي يعاني عجزا منذ ثلاث سنوات، بسبب الركود الاقتصادي وتداعيات الأزمة المالية العالمية.فمنذ فبراير الماضي، يشهد المغرب تنظيم وقفات احتجاجية منتظمة شكلت ضغطا على المسؤولين عن تدبير الشأن العام، الذين اضطروا إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتفادي ما وقع في بعض البلدان العربية. وفي هذا السياق، قررت الحكومة الزيادة في أجور الموظفين ومراجعة الحد الأدنى للأجور ورفع الحد الأدنى للتقاعد، وحرصت على الحفاظ على تثبيت الأسعار للحفاظ على القدرة الشرائية للفئات الضعيفة، من خلال رفع ميزانية صندوق المقاصة. كل هذه الإجراءات كلفت المالية العمومية ميزانية ضخمة تقدر بعشرات الملايير من الدراهم.هذا الوضع المالي الحرج، كان في صلب التقرير الذي قدمه والي بنك المغرب، قبل أيام إلى جلالة الملك، إذ أبرز أن تكاليف صندوق المقاصة بلغت ما يمثل 5 في المائة، مقارنة مع الناتج الداخلي الخام، وما يمثل، أيضا، ثلاث مرات ميزانية مصاريف الدولة، قائلا إن الحكومة كانت، في إطار الإجراءات، التي ستتخذها في إطار قانون المالية برسم 2012، تحدثت عن تقليص هذا المبلغ إلى 24 مليار درهم، وعن إجراءات المواكبة، التي ستعوض بها النقص في تكاليف هذا الصندوق، إذ ستعمد إلى استهداف الفئات الضعيفة الدخل، وتستثني الفئات الأخرى، التي ليست في حاجة إلى دعم الصندوق.بموازاة ذلك، فإن التظاهرات التي يعرفها الشارع المغربي كان لها انعكاس على المستوى الداخلي، فيما يتعلق بالأنشطة التجارية التي تأثرت بهذه الاحتجاجات، وكذا على المستوى الخارجي من خلال تراجع الاستثمارات الخارجية وإيرادات السياحة.وفيما يلي بعض القرارات والإجراءات الدالة التي ميزت عمل الحكومة والدولة معا في تعاطيهما مع تداعيات الحراك الاجتماعي المتزامن مع الأزمة المالية العالمية.أولا: سياسيا:* كلفة الإصلاحات السياسية والدستورية بأجندتها والتزاماتها الضخمة على المستوى السياسي المباشر وفي علاقتها بالقوى الحية من المجتمع، ما يتطلب من الدولة اندراجا سريعا في دينامية انتقال ديمقراطي ثان يؤدي إلى ديمقراطية حقيقية، أو ما يسميه البعض نظام ملكية برلمانية (النقاش منصب أيضا حول رهانات وترتيبات أول انتخابات في ظل الدستور الجديد ومدى نجاح المغرب في امتحان النزاهة والتصدي إلى الفساد الانتخابي).* الالتزامات المقبلة للمغرب على المستوى الخارجي والإقليمي، لأن التصفيق للاسثتناء المغربي من طرف العواصم العالمية ودعم المغرب ماليا من طرف مجموعة 8 المالية، له كلفته أيضا في المستقبل المنظور على مستوى المواقف والتحالفات والتنازلات.ثانيا: اقتصاديا وماليا:* التحملات الاستثنائية للميزانية العمومية في ظل النفقات غير المتوقعة وارتفاع فواتير الهدنة الاجتماعية، ما اضطر الدولة إلى العودة بقوة إلى الاستدانة من الخارج لسد العجز، بموازاة الارتباك الذي أحدثه الحراك الاجتماعي على سير استقطاب رؤوس الأموال الدولية والاسثتمارات الخارجية، مع تقدير انعكاسات ذلك على العملة الصعبة والميزان التجاري وسوق الشغل، هناك أيضا المعطى الإرهابي (تفجير مقهى أركانة) الذي زاد الطين بلة، وأسهم في "تهريب" من تبقى من سياح من المغرب.* تخصيص مناصب مالية إضافية ترهق الميزانية ولا تستجيب للحاجيات الحقيقية في الوظيفة العمومية التي تشكو تضخما حاولت الحكومات السابقة علاجه ببرنامج للمغادرة الطوعية، وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن القرار الاستثنائي للوزير الأول القاضي بتشغيل 4300 عاطل من حاملي الشهادات العليا.في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى تحذيرات والي بنك المغرب الذي دعا إلى التخلص من الدهون الزائدة في جسم الوظيفة العمومية، مقارنة مع الناتج الداخلي الخام، إذ ستلتهم كتلة أجور الموظفين ابتداء من السنة المقبلة أزيد من 95 مليار درهم، وهو رقم ضخم، لا يوجد، في الواقع، ما يقابله على مستوى المردودية، إذ لازالت دار لقمان الإدارة المغربية على حالها منذ سنوات، بل تسير نحو التفاقم.* دخول أكبر مؤسسة إنتاجية على الخط (مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط)، وقرارها تحمل جزء من ضريبة إخماد الانتفاضات المشتعلة في المدن الفوسفاطية، عبر إطلاق برنامج مهارات القاضي بتشغيل 5800 عاطل وتكوين 15 ألف آخرين، ومد يد المساعدة المالية والتقنية لحاملي المشاريع الصغرى.ثالثا: اجتماعيا:* إعلان نزار بركة، الوزير المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، الخميس 25 غشت الماضي، عن إجراءات لتحسين الأوضاع الاجتماعية للمغاربة تحت عنوان طويل "50 تدبيرا حكوميا ذات الأولوية الاجتماعية، قابلة للإنجاز الفوري ولها وقع على المعيش اليومي للمواطنين"، على أن يشرع في إنزالها على أرض الواقع قبل نهاية السنة الجارية، دون تحديد غلافها المالي.* يأتي هذا الإعلان بعد شهرين، تقريبا، من توقيع الحكومة والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب على محضر اتفاق الحوار الاجتماعي الذي كلف الحكومة اعتمادا ماليا قدر بـ43 مليار درهم.وتضمن الاتفاق إجراءات تهم القطاع العام، مثل زيادة في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري بـ 600 درهم صافية ابتداء من فاتح ماي الماضي، ورفع الحد الأدنى للمعاش من 600 درهم إلى ألف درهم ورفع نسبة حصيص الترقية إلى 33 في المائة.* توقعات الحكومة أن تصل ميزانية دعم المواد الأساسية، من خلال صندوق المقاصة إلى 48 مليار درهم بناء على مستويات الأسعار الحالية للمواد المدعمة في الأسواق الدولية، وبسبب المشاكل المطروحة على الاقتصاد الوطني بسبب الظرفية العالمية الصعبة، في اتجاه الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في المواد الأساسية مثل الزيت والسكر والدقيق وغاز البوطان. يوسف الساكت

الفاتورة الباهظة للربيع المغربي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نادي الملوك ومنحة "دوفيل"... ثمن الحراك السياسي

20 فبراير تهدي العاطلين توظيفات استثنائية

مقالات ذات صلة