دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الخامسة)

مبدأ المساواة يفرض مراجعة نظام القضاء العسكري لملاءمته مع قانون المسطرة الجنائية وقعت المملكة المغربية على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية يوم 20 شتنبر 2000، إلا أنها لم تصادق عليه حتى اليوم رغم توصية هيأة الإصلاح والمصالحة في هذا الشأن. لما نستحضر أن ظهير 6 فبراير 1958 كما تم تعديله، يمنح الحق لملك المغرب في منح العفو حتى قبل تحريك الدعوى العمومية، وفي سائر مراحل هذه الدعوى، أو بعد صدور حكم نهائي فيها.وأن حق العفو المخول للملك غير مقيد دستوريا بأي شرط، كما هو الشأن بحق العفو العام المخول للبرلمان، فإن المغرب يمكن أن يجد نفسه في الحالة التي استحضرها المجلس الدستوري الفرنسي للقول بأن أحكام المادة 110 من نظام روما تتعارض مع المقتضيات الدستورية ذات الصلة، وأن دستور يوليوز 2011 لم يعالج هذه الإشكالية.- الخلاصــــة:يظهر جليا بعد استعراض الإشكالات الدستورية التي يعيرها نظام المحكمة الجنائية الدولية، أن اللجنة التي أنيطت بها مسؤولية صياغة الدستور الجديد لم تنشغل بملاءمة هذا النص للنظام المذكور، ولم يحركها هذا الهاجس رغم ما أورده الدستور من سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية ، وضرورة ملاءمة تلك التشريعات مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ورغم تخصيص باب كامل من الدستور للحريات والحقوق الأساسية ، وإدراج جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وكافة الانتهاكات الجسيمة الممنهجة لحقوق الإنسان ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، لإخلالها بحقوق أساسية كالحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية.إلا أن في ربط تطور موقف المغرب إزاء نظام المحكمة الجنائية الدولية بضرورة إدخال كل التعديلات الدستورية اللازمة ، تجاهل تام لطبيعة هذه المحكمة، ولالتزامات المغرب الدولية التي تفرض حماية الحريات والحقوق الأساسية .فالمحكمة الجنائية الدولية مجرد نظام تكميلي بطبيتعها.وأمر المصادقة على نظامها من عدمه يخضع لتقديرات سياسية أكثر منها حقوقية.أما المواثيق الدولية التي لها علاقة بالحريات والحقوق الأساسية، والتي صادق عليها المغرب وتلزمه، والتي يصعب تعدادها كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، واتفاقيات جنيف الأربعة، والاتفاقية الدولية لمناهضة كل أنواع التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الدولية لمنع التعذيب، والاتفاقيات الدولية لحماية الطفل..... واللائحة تطول.فإنها تفرض على المغرب أن يلائم تشريعه الداخلي ويراجعه بكيفية لا تتعارض مع نظام روما، ومبادئ القانون الدولي وقواعده، التي تفرض الاحترام الكامل والشامل لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا، بدون أدنى تمييز، وزجر كل الخروقات التي يمكن أن تطولها ،أي كان مرتكبها.الأمر الذي يقودنا إلى استعراض وضعية التشريع المغربي إزاء نظام روما.- الباب الثالث: وضعية التشريع المغربي:لا يجادل أحد أن التشريع المغربي يتوجه مند عقد من الزمن نحو تحقيق الملاءمة مع ما تفرضه المواثيق الدولية.إلا أن هذا المجهود تطبعه الارتجالية والتشتت، وانعدام رؤية واضحة، ومنهجية مضبوطة لتحقيق هذه الملاءمة ، علاوة على تغليب الهاجس الأمنى وإعطاء الأولوية المطلقة للقوانين ذات الصلة.فقانون الإرهاب وقانون مكافحة غسل الأموال مثلا أدمجا في المنظومة التشريعية المغربية ، وأدخلت التعديلات اللازمة بشأنهما على قانون المسطرة الجنائية، وبالمقابل ما زال القانون المغربي لم يكرس بعد مبدأ عدم الإفلات من العقاب وما يترتب عنه من مساواة، ومازال الحق في المحاكمة العادلة لم يستكمل بعد كل مستلزماته المسطرية.ومع صدور الدستور الجديد، وما تضمنه في بابه الثاني من حريات وحقوق أساسية .فإن التشريع المغربي مطالب بإجراء التصحيحات اللازمة لتحقيق التوازن بين متطلبات حفظ النظام والآمن العامين، وضرورة حماية الحقوق الأساسية للمواطنين، وترسيخ المبادئ المؤسسة لتك الحقوق.ونعرض في هذا الإطار أهم المناحي التي نرى من الواجب العناية بها على المدى المنظور.1 من حيث المبادئ:أ – تكريس مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في الفصل 6 من الدستور، ويقتضى ذلك بالأساس فرض قاعدة عدم الإفلات من العقاب وتطبيقها على أرض الواقع، برفع سلطة الملاءمة على النيابة العامة فيما يخص المتابعات الجنائية، وتعميم إمكانية تحريك الدعوى العمومية على المنظمات الحقوقية ومكونات المجتمع المدني، وتبسيط المسطرة بالنسبة للأشخاص المتضررين.وقد أعطى الدستور الجديد إشارات قوية في هذا المنحى بعد أن ضيق مجال الحصانة البرلمانية وحصره في إبداء الرأي والتصويت ـ باعتبار الإستتنائات الواردة في الفصل 64 ورفع كل امتياز قضائي على أعضاء الحكومة ، الذين أصبحوا بمقتضى الفصل 94 مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة عما يرتكبوه من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم.كما أن مبدأ المساواة يفرض مراجعة نظام القضاء العسكري لملاءمته مع قانون المسطرة الجنائية، وإحداث محكمة استئناف عسكرية ويقتضي كذلك إخضاع الأجهزة الأمنية والإستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام العام أو استعمال القوة العمومية لمبدأ المساءلة والمحاسبة.ب – تكريس مبدأ الحق في المحاكمة العادلة بتعزيز وتوسيع الضمانات المخولة للمشبوه فيهم،علما أن مرحلة البحث الذي تنجزه الشرطة القضائية، ومرحلة التحقيق الإعدادي الذي ينجزه قاضي التحقيق هما من صميم المحاكمة ، ويجب أن تراجع كل الظروف المحيطة بهما، كمسطرة تلقى الاعترافات لدى الشرطة القضائية، التي لا بد أن تطبعها الشفافية التامة بفرض حضور الدفاع من بدايتها إلى نهايتها، وفرض تسجيل الاعترافات بالوسائل السمعية والبصرية للرجوع إليها عند الحاجة، ورفع كل العوائق أمام الدفاع في مرحلة التحقيق بتمكينه، وبدون صائر، من نسخ لكل المحاضر والمستندات، والسماح له بحضور كل جلسات التحقيق مع باقي المتهمين في نفس الملف، صيانة لحقوق موكله.....كما يجب رفع كل عائق أمام الشخص المتابع، في إثبات ما يراه مفيدا للدفاع عن حقوقه، والطعن بالخصوص في محاضر الشرطة القضائية بكل ما يراه من وسائل، لتبقى كلمة الفصل للمحكمة. (محام بهيأة البيضاء)

دراسة: موقف المغرب من المحكمة الجنائية الدولية (الحلقة الخامسة)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تنسيقية الصحافيين الرياضيين تستنكر

رؤساء الأنتربول في مواجهة تهريب الأسلحة والإرهاب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات