مجلس الوزراء يصادق على مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب

المشروع احتفظ بنسبة 6 في المائة في الدوائر المحلية و3 في المائة في الدائرة الوطنية بعد عشرين جلسة من المشاورات الموسعة بين وزارة الداخلية والأحزاب، صادق المجلس الوزاري يوم 9 شتنبر2011 على أهم قانون سيضع الدستور الجديد موضع التنفيذ وأمام محك حقيقي للتفعيل، ألا وهو مشروع القانون التنظيمي رقم27.11 لمجلس النواب طبقا لمقتضيات فصول الدستور الجديد 60 و62 و176. استنبط هذا المشروع جل مقتضياته من القانون التنظيمي الحالي، لكنه استحضر في الوقت نفسه بعدين أساسيين أولهما تضمين مقتضيات الدستور الجديد، وثانيهما استحضار الاستنتاجات الأساسية للاجتهادات القضائية على ضوء ممارستها للمادة الانتخابية في مختلف الاستحقاقات السابقة.وباستقراء للإطار الشكلي لهذا المشروع، نسجل أنه جاء أطول من سابقه، إذ تضمن 99 مادة موزعة على 12 بابا بخلاف القانون التنظيمي الحالي المقتصر فقط على 86 مادة، كما رفع المشروع الجديد عدد أعضاء مجلس النواب من 325 إلى 395 عضوا، وهذا الارتفاع يجد مبرره في توسيع وعاء اللائحة الوطنية التي عرفت لأول مرة إقحام عنصر الشباب كأعضاء في مجلس النواب؛ إذ تم إقرار 90 مقعدا تنتخب برسم دائرة انتخابية وطنية أفرد 60 مقعدا للنساء و30 مقعدا للشباب.لقد أثار تبني اللائحة الوطنية نقاشا دستوريا وسياسيا على امتداد الصيغ الثلاث التي تقدمت بها وزارة الداخلية في صياغة مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب الجديد، إذ عرفت الصيغة الأولى للمشروع 120 مقعدا، ثم عدلت في الصيغة الثانية إلى 74 مقعد ليستقر الوضع في الصيغة الثالثة والنهائية على 90 مقعدا.ورغم تخصيص 60 مقعدا للنساء بشكل سيرفع التمثيلية النسوية إلى الضعف، مقارنة مع ما هو عليه الوضع حاليا أي 30 مقعدا، فإن هذا الأمر لا ينسجم مع طبيعة المرحلة السياسية لاعتبارات متعددة، أولها أن الفصل 19 من الدستور الجديد يقر صراحة المناصفة بين الجنسين، كما أن تمثيلية النساء في البرلمان لم تصل بعد إلى المعايير الدولية، خصوصا ما تنص عليه اتفــاقية "سيداو"، كما أن الاتحاد البرلماني الدولي يشتــرط أن تصل التمثيلية النسوية إلى الثلث على الأقل، أي ما يعــادل 20 في المائة من مجموع أعضاء مجلس النواب 395، في حين أن تخصيص 60 مقعدا لن يتجاوز على أبعد تقدير نسبة 15 في المائة، أضف إلى ذلك أن السياق العربي سيحمل مستجدات دستورية للعديد من الدول العربية قد تتبنى نسب تتجاوز 20 في المائة من التمثيلية النسوية، مما سيجعل المغرب متأخرا عن تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، لذلك يبقى مطلب الثلث في أفق تحقيق المناصفة مطلبا مشروعا جدا، لكن الأهم فوق هذا وذاك أن يفسح المجال الحزبي بشكل جدي لحضور وتجديد النساء في مراكز القرار الحزبي، لأن هذا الإجراء،هو الذي سيمكن النساء من تحقيق تمثيلية سياسية وازنة.ويبقــى الرهــان في المرحلـة الحالية متوقفــا بالأســاس علـى ضــرورة وضـع النسـاء وكيــلات للوائح في إطار اللوائح المحلية، رغم أن هذا التوجه لا تسلكه معظم الأحزاب السياسية المغربية. في المقابل، نصت المادة الخامسة من هذا المشروع على منع إعادة ترشيح النساء اللواتي سبق لهن الوصول إلى مجلس النواب بواسطة اللائحة الوطنية، مما سيمكن من وصول 60 وجه نسائي جديد.مــن جهــة أخــرى، يمثل تخصيص 30 مقعـدا لفــائدة الشباب دون ســن 35 سنة مستجـــدا قـــانونيا مهما لاعتبـــارات متعــددة، أولهــا أن هـــذه الفئـــة تشكـــل 60 في المائـــة من النسيج المجتمعي المغربي، إذ أنهــا غـــدت تمثـل مركــز الثقـــل السياسي في مغــــرب الآن، كما أن ادماج البــرلمان القــادم بوجــوه شبــابية جــديــدة من شأنه أن يحفز نسبــة كبيـــرة مــن الشبـــاب على التسجيل في اللــوائح الانتخابية مما سيقوي حجم المشاركة السياسية الاعتيادية، خصــوصا إذا علمنــا أن أزيــد من 6 مــلايين مغــربي مــازاــلوا غيــر مسجلين فــي اللوائـــح الانتخـــابية، وانسجاما مع هذا التــوجه، أقر مشـــروع القــانون التنظيمي لمجلس النواب الجديد تخفيض سن الترشيح من 23 سنة إلى سن الرشد القانونية عملا بمقتضيــــــــــــات الدستور الجديد.بيد أن تضمين هذا المؤشر الإيجابي يبقى رهين بألا يتم توظيفه بشكل سياسوي، كأن يتم فرض أبناء قيادات الأحزاب في هذه اللوائح دون اعتماد معايير المساواة السياسية بين مختلف أعضاء الشبيبات الحزبية.بعيدا عن إشكالية المشاركة السياسية النساء والشباب في مجلس النواب، فإن بعض المقتضيات القانونية من شأنها أن تثير نقاشا دستوريا وسياسيا، كمسألة الإلحاق التي نصت عليها الفقرة الثانية من هذا المشروع، والتي تشير إلى أنه "يصدر رئيس الحكومة قرار الإلحاق باقتراح من الوزير المعني بالأمر بعد تأشـيرة الوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالوظيفة العمومية."إن إقرار هذا المقتضى القانوني من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لتفشي ظاهرة الموظفين الأشباح بشكل يتعارض مع مبادئ الحكامة التي شكلت مبدأ دستوريا لا محيد عنه. إشكالية أخرى يثيرها هذا المشروع تتمثل في كيفية تدبير الحيز الزمني، فباستقراء أولي للمادة 21، نجدها حددت تاريخ الاقتراع والمدة التي تقدم خلالها الترشيحات، وتاريخ بدء الحملة الانتخابية ونهايتها بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية قبل تاريخ الاقتراع بخمسة وأربعين يوما على الأقل، لكن بالعودة إلى مقتضيات الأحكام الانتقالية وبالضبط الفقرة الثانية من المادة 97 من المشروع نفسه نجدها خفضت هذه المدة إلى خمسة وثلاثين يوما، وهو حيز زمني جد ضئيل، إذ كان من الأنسب الاحتفاظ بصيغة الفصل (19) من القانون التنظيمي الحالي المحددة في خمسة وأربعين يوما حتى يتم التحضير بشكل جيد لهذه الاستحقاقات.إشكالية أخرى استطاعت وزارة الداخلية التغلب عليها تتمثل في التوافق حول نظام العتبة؛ إذ احتفظ المشروع بنسبة 6 في المائة المعمول بها حاليا على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية، بيد أنه اقترح تحديد نسبة العتبة على مستوى الدائرة الانتخابية الوطنية في 3 في المائة، فيما بعض "الأحزاب الكبرى" كانت تطالب برفع العتبة على مستوى الدوائر الانتخابية المحلية إلى حدود 10 في المائة مثلما هو معمول به في النظام السياسي التركي، بيد أن هذا الأمر لا ينسجم مع الواقع السياسي المغربي، إذ كان هذا الإقرار سيقصي 16 حزب سياسي على اعتبار أن أكبر الأحزاب السياسية المغربية تحصل على أقصى تقدير على 15 في المائة؛ فعقب استحقاقات 2007 لم يتمكن أول حزب سياسي سوى من حصد 500 ألف صوت من مجموع هيأة ناخبة تجاوزت 13 مليون ناخب. إن تدبير هذه الإشكالية لا يمكن الاضطلاع بها إلا في إطار تكريس مبدأ التعددية الحزبية، والتنافس الحر بين الأحزاب السياسية، على أساس قاعدة مبدأ استقلالية كل حزب في مجال تدبير شؤونه الداخلية وكذلك على أساس المساواة أمام القانون لجميع التنظيمات السياسية.بيد أنه في مقابل معالجة مسألة العتبة، كان من المهم إعادة النظر في نمط الاقتراع المعمول به حاليا، والمتمثل في الاقتراع بالتمثيل النسبي وفق أكبر البقايا، لأن هذا النمط سيمكن على الأقل 16 حزب من ولوج المؤسسة التشريعية، وبالتالي سيصعب وجود أغلبية مريحة مثلما حصل في مسألة تشكيل الحكومة عقب استحقاقات 2007، وبالتالي كان من المهم تعويض هذا النمط بالاقتراع الأحادي الإسمي في دورتين، لأنه الأصلح للحقل الانتخابي المغربي، بيد أن اعتبارات سياسية تحكمت في الإبقاء على هذا النمط.بعيدا عن نمط الاقتراع عرف المشروع التنظيمي الجديد مستجدّا مهما تمثل في توسيع حالات "وضع التنافي" ما بين عضوية المجلس وعضوية العديد من المؤسسات الدستورية المشار إليها انطلاقا من الفصل161 إلى غاية الفصل 170 من الدستور، كتنافي العضوية مع رئاسة مجلس الجهة أو العضوية في المحكمة الدستورية أو العضوية في المجلس الاقتصادي أو الاجتماعي، ومن جهة أخرى، وضع تناف بين "عضوية الحكومة" و"عضوية المجلس" مع التنصيص على إمكانية استعادة الوزير لمنصبه في حال مغادرة التركيبة الحكومية.الدكتور محمد زين الدين: أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق (المحمدية)

مجلس الوزراء يصادق على مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الربيع... سقط فرعونان وفر نمرود

العدل والإحسان... إستراتيجية بتكتيكات متعددة 2/2

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات