“الكوطا”… حرب بين الشباب والنساء

الشباب دافع عن حقه في اللائحة الوطنية والنساء يعتبرنها مكسبا لا يمكن التنازل عنه فجر إشراك الشباب في اللائحة الوطنية خلافات حادة بين الشباب والنساء، كادت تستفحل وتتطور إلى حرب حقيقية، لولا تدارك الأمر، وبروز أصوات نسائية وشبابية، تنادي بعدم الانجرار وراء التداعيات السلبية لقضية مفتعلة، شغلت الرأي العام الوطني طيلة الأسابيع الماضية، وصرفت اهتمامه عن النقاشات الجادة في قضايا جوهرية، والخوض في التحديات الكبرى المطروحة في الساحة الوطنية، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. دافع الشباب عن إشراكهم في اللائحة الوطنية، معتبرين أن من حقهم أن تكون لهم الآلية نفسها التي حظيت بها النساء، في سياق التطلع نحو تعزيز مشاركتهم في العمل السياسي، من خلال التمثيلية البرلمانية. ويستند الشباب في موقفهم على حرمانهم “التاريخي” الذي امتد لمدة عقود من الولوج إلى البرلمان، الذي تكاد تمثيليته تقتصر على الأعيان والكهول. وانتقدوا قيادات الأحزاب، بقوة، في هذا الصدد، إذ زكت هذا المنحى، وهمشت الشباب من الوصول إلى مواقع القرار داخل الهيآت السياسية، وفي الحكومة والبرلمان. في السياق ذاته، عارضت النساء إشراك الشباب في اللائحة الوطنية، من منطلق موقف مبدئي، يرتكز على أن اللائحة الوطنية تعتبر ثمرة نضالات مريرة وطويلة خاضتها الحركة النسائية بالمغرب من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، والاعتراف بحقوقهن كاملة، وعلى رأسها، الحقوق السياسية. وتمت الاستجابة إلى مطالبهن من خلال إقرار آلية الكوطا، بالتوافق بين الفاعلين السياسيين، التي ضمنت لولايتين تشريعيتين، حدا أدنى من التمثيلية النسائية في المؤسسة التشريعية. وتطالب النساء بحقهن في الاحتفاظ بهذا المكسب، وعدم التفريط فيه، تحت أي ذريعة كانت، كما أنه لا يمكن الالتفاف حوله، أو النيل منه.في السياق نفسه، توزعت آراء المتتبعين للشأن السياسي بين مؤيد لكوطا الشباب، ومعارضين لها. ولم يتفهم العديد من المتتبعين للشأن السياسي السبب الذي دفع وزارة الداخلية، بتوافق مع جل الأحزاب ، إلى إقحام فئة الشباب في اللائحة الوطنية المخصصة للنساء، علما أنه بإمكان الشباب أن يترشحوا، بشكل طبيعي، ويدخلوا حلبة التنافس الانتخابي، في الدوائر الانتخابية، دون اللجوء إلى “كوطا شبابية”. ويرى هؤلاء أن تخصيص مقاعد للشباب في إطار هذه الآلية ، يكرس الريع السياسي، والاتكال على الدخول “بالمجان” إلى المعترك السياسي، بدون نضال، ولا جهد، ولا عمل ميداني. ويعتبر هؤلاء أن تشجيع مشاركة الشباب في العمل السياسي، ورفع تمثيليتهم في البرلمان، لا يمكن أن يتم سوى من خلال تشجيع قيادات الأحزاب لهم، إذ لا تخفى مسؤولية الأحزاب في إقصاء الشباب. كما أن الاختلاف حول من هم الشباب قاد إلى مشكلة جديدة، أسهمت في إفراز نظام الكوطا، وهو نظام من شأنه أن يفتح الباب أمام مشكلات أخرى، من قبيل سعي مختلف الفئات المجتمعية، إلى طلب الكوطا، لولوج البرلمان، وهذه بدعة يبدو أن الحياة السياسية بالمغرب أصبحت مبتلية بها. أليس في البرلمان المغربي شباب؟ وهل يمكن اعتبار من تتراوح أعمارهم بين 40 سنة و50 سنة، وهم يشكلون شريحة واسعة من البرلمانيين، أقل قدرة وتأهيلا على ممارسة العمل السياسي ؟ وهل من الضروري أن تكون لمن هم أقل من 40 سنة تمثيلية داخل البرلمان؟ ثم ما هي القيمة المضافة لهؤلاء” الشباب” في برلمان لا علاقة لتطوير جودته ورفع أدائه، بمسألة السن؟ من العبث اعتبار أن إشراك من هم في سن العشرين أو الثلاثين، سيحدث قفزة نوعية في مردودية المؤسسة التشريعية، لأن المردودية تتأسس على الكفاءة، والجدية، ووضوح الرؤية بالنسبة إلى العمل البرلماني والسياسي ككل، وتطوير الممارسة البرلمانية، رقابة وتشريعا.المناصرون لكوطا الشباب، ينطلقون من الحيوية التي تميز الشباب وتطلعهم إلى طرح القضايا التي تشغل بالهم، والدفاع عن مطالب فئة، ظل صوتها غير مسموع في المجتمع، في ظل هيمنة “الكهول”، والأعيان على الحياة السياسية. لقد تم اللجوء إلى آلية الكوطا النسائية في إطار سياق خاص، اتسم بسيادة العقلية الذكورية، وهيمنة سماسرة وأعيان الانتخابات، فكان لابد من خلق آلية تضمن للنساء ولوج البرلمان، لأن عدم اللجوء إلى هذه الآلية سيُحرم نصف المجتمع من التمثيلية السياسية داخل القبة. وفي إطار التطور البطيء للعقلية السائدة، لا يمكن انتظار عقود أخرى من الزمن حتى يمكن للمرأة المغربية أن تترشح في الدوائر، وتكون لها حظوظ متقاربة مع الرجال، للفوز في الانتخابات. إن تمكين الشباب من العمل السياسي من مسؤولية الأحزاب، بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يتم من خلال “هبة” أو “منحة”، بل بفعل نضال ضروري، يدفع في اتجاه تشجيع الأحزاب للشباب، ومنحهم مشعل القيادة. لم تكن جل الأحزاب تعبأ بهذه الفئة، بل كانت تترك شبابها يشيخون، في ظل توريث القيادة والزعامة، وتزكية الأعيان والكائنات الانتخابية، فالتغيير الواجب إعماله، في الظرفية التاريخية الحالية، هي التشبيب، وتجديد النخب، وتمكين شباب الأحزاب من القيادة، ومن العمل السياسي المباشر، من الصفوف الأمامية وليس الخلفية. عبرت النساء عن غضبهن من تجزيء اللائحة الوطنية، وثرن منذ البداية، ضد المقترح، وتحركن بقوة، وشكلن جبهة موحدة ضد إشراك الشباب في اللائحة الوطنية. جمال بورفيسي

“الكوطا”… حرب بين الشباب والنساء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حركة 20 فبراير ومكسب تمثيل الشباب في البرلمان

حملات على مروجي المخدرات ببني ملال

مقالات ذات صلة