دراسة: موقع السلطة القضائية في الدستور الجديد (2/2)

على القاضي أن ينفتح على محيطه وألا يحشر نفسه في دائرة مغلقة تضمن الدستور الجديد عدة تعديلات جوهرية مست السلطة القضائية التي ارتقى بها المشرع لتصبح مستقلة عن باقي السلط. ومن أهم التعديلات كذلك أن المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية تغيرت تسميته الى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما حدثت تغييرات في هيكلته وتركيبته. إن الفصل 57 ينص على أنه "يمكن لوزير العدل أن ينتدب بقرار عند الحاجة ولملء فراغ في قضاء الحكم أو التحقيق أو النيابة العامة قاضيا للقيام بهذه الأعمال لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر في كل سنة" والفصل 62 ينص على أنه "يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار لوزير العدل إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطيرا" والطبيعة القانونية لهذه القرارات كانت تكتسي طابعا إداريا يجعلها قابلة للطعن بالإلغاء، وفي نظري المتواضع فإن سلطة الانتداب والتوقيف يجب أن يختص بها المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار انعقاد جلساته بصفة دائمة مع منح أعضائه التفرغ للقيام بالمهام الموكولة إليهم أو على الأقل عقد جلسات استثنائية كلما اقتضى الأمر ذلك في إطار لجنة مصغرة لاتخاذ قرارات طارئة وظرفية عوض ترك المجال لوزير العدل كسلطة تنفيذية، الشيء الذي ينعكس سلبا على استقلالية القضاء. ولعل أوضح مثال على ذلك قضيتا انتداب محمد العيادي رئيسا للمحكمة الابتدائية بالرباط وتوقيف جعفر حسون رئيس المحكمة الإدارية بمراكش، اللتان عرضتا على القضاء الإداري الذي ألغى قرار الانتداب في القضية الأولى بسبب تجاوز السلطة، لكنه في الثانية صرح بعدم قبول الطعن في مواجهة قرار التوقيف على أساس أنه ليس قرارا إداريا نهائيا ومؤثرا في المركز القانوني للطاعن، وهو أمر ما زال يحتاج إلى نقاش قانوني مفتوح من طرف ذوي الاختصاص، خاصة حينما يتاح المناخ والظرف المناسب غير المؤثر. وقد سبق أن أدليت بوجهة نظري المتواضعة في الإبان من خلال مقال نشرته بجريدة الصباح تحت عنوان ـ الرقابة القضائية على قرارات وزير العدل في حق القضاة.إن الدستور الجديد من خلال ما جاء به من صلاحيات مهمة تهم الشأن القضائي يكرس مبدأ استقلالية القضاء لكن في المقابل على القاضي أن ينفتح على محيطه وألا يحشر نفسه في دائرة مغلقة يعتقد أنه محصن فيها، لأن القاضي هو ابن المجتمع المغربي ولا يميزه سوى صفته والمهمة المسندة إليه، وهو مدين لهذا المجتمع في دراسته وتكوينه، فالمدارس والمعاهد بنيت بمداخيل الضرائب العامة التي تنتزع من عرق المواطن البسيط، والذين يسعون الى بقاء القاضي منعدم التواصل مع محيطه، هم الساعون للحفاظ على مصالحهم ومواقعهم تحت مظلة الحصانة واستقلالية القضاء. فإذا كانت الغالبية متفقة على عدم تسييس القضاء حتى يمارس حياده الإيجابي، فإن ذلك لا يمنع من مساهمة القاضي الثقافية والقانونية والحقوقية والسماح بتكوين جمعيات تشكل متنفسا له يخرج من خلاله الى فضاء أكثر حرية واستقلالية، والأمل معقود على أن تقوم الودادية الحسنية للقضاة بدور أكثر تأثيرا وفاعلية، خاصة بعد خروجها عن صمتها والتعبير عن موقفها الأخير حينما أعلنت عن وجهة نظرها من التعديل الدستوري بخصوص تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، اتفقنا أم لم نتفق مع هذا الموقف، وهذه خطوة على الأقل للخروج من حالة الصمت والتردد والارتباك التي أصابتها منذ سنوات اتسمت بمجاراتها للسياسة القضائية المتبعة، نتمنى أن تتلوها خطوات تبدأ بالمساهمة في تصحيح أوضاع القضاء وتطهير وحماية البيت الداخلي من أجل فسح المجال أمام من يتصفون بالكفاءة والنزاهة من القضاة الشرفاء لتقلد مناصب المسؤولية، والوجود بمراكز القرار بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب ولعل الفرصة ستكون مواتية حين إعادة انتخاب ممثلين حقيقيين للقضاة بالمجلس الأعلى للقضاء وفق التركيبة الجديدة التي حددها الدستور الجديد، عبر انتخابات حرة ونزيهة تطغى عليها قيم المروءة والأخلاق المهنية وروح الكفاءة والنزاهة والمسؤولية وليس الولاءات والعلاقات الشخصية التي لا تخدم سوى النخبة، وليس كل القضاة كما حدث في الماضي. ولا شك أن الدستور الجديد فيما يخص تركيبة المجلس الأعلى للقضاء وتوسيع مجال اختصاصه، إضافة إلى ما يمكن أن تقوم به الودادية الحسنية للقضاة من دور إيجابي، سيساهم في إحداث تحول نوعي وكيفي في الجسم القضائي، سيمكنه من الاضطلاع بدوره الحقيقي المتمثل في تحقيق العدالة والإنصاف وضمان المحاكمة العادلة للأفراد والجماعات، والمساهمة في تكريس ثقافة حقوق الإنسان. بقلم: إدريس المشترائي: (قاض سابق ومحام بهيأة آسفي)

دراسة: موقع السلطة القضائية في الدستور الجديد (2/2)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إلهام و الشريف والفخراني يستعدون مبكرا لرمضان المقبل

استمرار الاعتقالات في ملف أراضي الأوقاف بمكناس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات