الثورات العربية تزلزل الأرض تحت خيار التغيير بالدم

شباب الربيع العربي فعلوا بأيتام ابن لادن في سنة ما لم تفعله أمريكا في عشر سنوات فضحت تداعيات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا (نسبيا)، غياب تنظيم القاعدة عن الساحة السياسية، أو على الأقل عجزه عن مواكبة مد التحول السلمي والجماهيري الذي يشهده عدد من الأقطار العربية ومسايرة الجهود التي ترمي إلى تحقيق تطلعات الشعوب نحو انفتاح ديمقراطي وعدالة اجتماعية في بـلدانهم، ما يفرض إعادة ترتيب جذري لآليات وأشكال التغيير، وجدوى «مقاربة الدم» لتحقيق عالم عربي دون فساد، أو ديكتاتوريات وأنماط حكم فردي ينتقل بالتوريث المريح إلى الأبناء.إنها أسئلة المرحلة التي تطرحها التطورات الأخيرة على تنظيم دوخ العالم منذ أكثر من عشر سنوات، حين اخترقت طائرات بن لادن برجي التجارة في نيويورك وأسقطت أسطورة أمريكا/العالم الآمن، وفرضتها نجاحات الثورات العربية السلمية المتواصلة في العالم العربي التي هزت الأرض بثلاثة أنظمة سياسية عاتية والبقية في الطريق.إن أقصى ما كانت تتوقعه «القاعدة»، التي ظلت تطرح نفسها بديلا للتغيير في العالم العربي، أن ترى انجازات حقيقية على أرض الواقع يوقع عليها شباب لم يحمل سلاحا، أو تمنطق بأحزمة مفخخة ولم يركب سيارات، أو طائرات قابلة للانفجار، بل قناعات وقيم ومطالب للحرية والكرامة والديمقراطية، ما أصاب منظري التنظيم المتطرف، بنوع من الدهشة والارتباك وتلعثما في المواقف، خصوصا أن قادة التغيير الجدد لم يكونوا غير فئات بتوجهات إيديولوجية مختلفة ظلت تعتبرها القاعدة من أعدائها اللدودين، مثل مجموعات الناشطين الديمقراطيين والعلمانيين والمدافعين عن حقوق المرأة والإسلاميين المعتدلين.وفي هذا الإطار، يقول ياسين مشربش، المحلل السياسي والصحافي في مجلة «دير شبيغل» الألمانية، «إن الاحتجاجات السلمية التي تمكنت من إجبار زين العابدين بن علي وحسني مبارك و(القذافي في ما بعد) على التنحي، مستخدمة وسائل التواصل الحديثة في الإنترنت، حققت أهدافا كانت الجماعات الإسلامية المتطرفة تحتكرها لنفسها، بتبجيل العنف والإرهاب ورفض مبادئ العلمانية والتعددية السياسية والفكرية». وأضاف مشربش «إن الثورات العربية قادها الشباب العربي القادر على استخدام الإنترنت، وليس القاعدة، كما أن رؤية القاعدة التي تريد تحويل العالم الإسلامي إلى دولة دينية ذات طابع طالباني، لم تدفع الثوار إلى التظاهر في الشوارع من تونس إلى بنغازي."وهكذا، للوهلة الأولى، بدت القاعدة وكأنها لم تعرف كيف تستجيب لهذه التغيرات الجذرية والتي حصلت دون مشاركتها، رغم أن ذلك لم يمنع أيمن الظواهري، زعيم القاعدة الجديد، من إصدار رسائل صوتية نشرت على موقع «يوتيوب»، انتقد فيها الأنظمة العربية، واصفا إياها بالفساد ومتهما إياها بالتخاذل أمام الغرب. كما حاول الظواهري في الفيديو التقرب من الثوار المصريين، مادحا الشعوب على شجاعتها وثورتها ضد ما أسماه «نظام الخونة»، دون أن يكون، بالضرورة متفقا مع هذه الشعوب في مفهوم الديمقراطية وقيمها حين يقول في الرسائل نفسها «الدولة الديمقراطية لا تكون إلا علمانية، أي لا دينية»، ما يبين الفجوة الكبيرة بين ما تطلبه الشعوب العربية من تغيير ديمقراطي يشرك الشعب في الحكم وصنع القرارات، وبين فهم القاعدة للديمقراطية.بتعبير آخر، إن القاعدة لم ترق يوما إلى مستوى الطموحات الحقيقية للشباب العربي والإسلامي ومطالبهم، بل كانت تقدم جوابا على أزمة سياسية عربية، تتمثل في انسداد أفق التغيير السياسي السلمي والصفقة التاريخية بين الأنظمة العربية والعالم الغربي، مع التقليل من شأن الديمقراطية آلية للتغيير وطريقا إلى الحلم بعالم عربي مختلف.لقد ظلت القاعدة تطرح مقاربات وحلولا، دموية بالأساس، تستجيب لحالة الغضب والإحباط من الواقع العربي، ما يضعها اليوم في مأزق تاريخي كبير، بعد أن قدمت الثورات العربية أجوبة أكثر حضارة وإقناعا وأقل راديكالية، متناغمة مع طموح الشباب والشعوب العربية، وبالتالي، يعتبر هذا التنظيم الخاسر الأكبر بسبب تداعيات الثورات العربية، لأن أيديولوجيتها السلفية الجهادية الرافضة لمبادئ الديمقراطية تقف، مرحليا، على طرف النقيض مع ما تطالب به المجتمعات العربية من انفتاح وحرية وعدالة.بكلمة واحدة، هناك، اليوم، شبه إجماع، على أن دور القاعدة والجماعات الإسلامية سيضمحل مع ازدياد حرية الرأي والإصلاحات السياسية والاجتماعية في العالم العربي، باعتبار القاعدة وليدة الأزمة السياسية العربية، وبالتالي ستتلاشى بتلاشي الأنظمة التي تمارس الاستبداد والتسلط وتنتهك حقوق الشعوب وتكبت حرياتها، مع التحذير، طبعا، من عدم التحكم في تداعيات الأحداث بكل من ليبيا واليمن، على وجه التحديد، ما قد يسرع بعودة ميليشيات الظواهري من النافذة وتقديم أنفسهم ربابنة «سفينة نوح» التي سينجي الجميع من الطوفان.

الثورات العربية تزلزل الأرض تحت خيار التغيير بالدم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بورتري: أبو هريرة...جندي القاعدة الأول

القاعدة بعد ابن لادن...بين العزلة والتوهج

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات