مشاركة المغربيات في مسابقات الجمال…جدل بلا ضفاف

آراء تدرج مهنة الجمال والموضة في خانة المهن العادية وأخرى تقيسها بميزان التقاليد والمؤامرة والاستيلاب هن عشر، أو عشرون، أو ثلاثون مغربية، ربما أقل، أو أكثر بكثير من هذا العدد، يصنعن، اليوم، الحدث في منتديات الجمال الدولية، ويحولن اسم المغرب إلى أيقونة للأناقة و"الفاشن" ويحتللن مواقع مهمة في عوالم الموضة وتحت أضواء "الديفيليات" ذات الصيت العالمي عن جدارة، وهي مجالات لا يشكل فيها الجسد المحدد الحاسم دائما، بل مؤهلات أخرى مثل المستوى الثقافي والمعرفي والإلمام الجيد باللغات وفن العيش (الإيتيكيت).سفيرات الجمال المغربي في اسبانيا وفرنسا وكندا وأمريكا وإيطاليا وهولندا ولبنان، ودبلوماسيات من نوع خاص استطعن أن يغيرهن الصورة النمطية التي يحملها الكثيرون عن المغرب، وهم يضعون جميع مواطناته في كفة عاهرات أو "سحارات" ومشعوذات أو "خطافات رجال". مغربيات يتحدرن من مدن الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش، أو ينتمين إلى أبناء الجيل الثاني من المهاجرين بأوربا..فنانات ومغنيات وطالبات وعارضات أزياء ومهندسات وممثلات، آثرن أن يظهرن الجانب الجميل في المغرب ويدافعن عنه أمام مرشحات من دول عرفت، تاريخيا، باحتفائها بجميلاتها والرقي بهن إلى مصاف ملكات وأميرات يرصعن رؤسهن بأكاليل من ذهب ومرجان وألماس.لم يعد الأمر يستدعي الكثير من الإبهار، حين يتابع المغاربة على شاشات العالم فوز أو تألق إحدى مواطناتهم في مسابقة عربية أو دولية لاختيار ملكة للجمال في موضوعة من الموضوعات الكثيرة التي تنافس عليها، اليوم، شركات الإنتاج ومؤسسات الإشهار العالمية. فمنذ سنوات، دخلت المغاربيات إلى حلبة المنافسة من موقع الند الشرس، والكثير منهن بمجهود ذاتي خالص، في غياب مؤسسات محلية لرعاية هذا "المنتوج الوطني" والترويج له بما تقتضيه صورة المغرب في الخارج.واستطاعت مغربيات مثل جيهان الخماس وإيمان شاكر ومليكة مينار وإمانويل الشريكي وفرح أحمد ونبيلة مرحبن وحليمة شيماء..وغيرهن كثير، أن يبهرن العالم، ليس فقط بمستوى جمالهن وكيفية إظهاره بالشكل الذي يليق بمنافسات ذات صيت دولي، بل بمدى اندراجهن في عالم المعرفة والثقافة واتقان اللغات الحية والمعرفة الجيدة بفنون العيش.لهذا، لم يعد الالتحاق بعالم الجمال والموضة محض صدفة بالنسبة إلى كثير من المغربيات اللواتي يتربعن، اليوم، على "بوديومات لابوتي" في عدد غير قليل من الدول الأوربية وفي أمريكا وكندا، بل أضحى اختيارا مفكرا فيه ويتطلب مسارا شاقا من التكوين النظري ودراسات معمقة ومجهدة، وتمارين رياضية شاقة ورعاية متواصلة للتفاصيل الصغيرة التي قد تتحول إلى "قضايا حاسمة" في أي لحظة.وتتسابق بعض الأسر المغربية، اليوم، لتسجيل بناتها في مؤسسات ومعاهد تعرف أن المؤهل الحاسم في ولوج أسلاكها حد أقصى من الوسامة وجمال الوجه والملامح وقدا وقواما ممشوقا وطولا مقبولا يضع صاحبته، مباشرة، أمام أبواب الحظ التي تفتح على وظائف ومهام محددة تدر عليها ذهبا.وبسبب التحولات الجوهرية التي شهدها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة والانقلابات المتتالية في منظومة القيم والمواضعات، لم يعد بعض الآباء والأمهات يخجلون من مرافقة بناتهم للمشاركة في مسابقات لاختيار الحسناوات والجميلات، سواء عبر شبكة الانترنيت، حيث ينشط عدد من المواقع المتخصصة التي تعتمد على آلية التصويت، أو مشاركات حية في المغرب مثل مهرجان ملكة حب الملوك أو ملكة جمال قلعة مكونة، أو مسابقات خاصة بفنادق مصنفة، وأخرى خارج المغرب تعرف هذه الأسر كيف تصل إليها وتدفع بناتها إلى المشاركة فيها نوعا من التحدي وفرض الذات وتقديم الحجة القاطعة أن للمغربيات "بركاتهن" أيضا في هبة الجمال الإلهية، ولا تقتصر على غيرهن من بنات الشعوب الأخـــــــــــرى.خارج هذه الصورة التي تعلوها مسحة، تفاؤل، يوجد من المغاربة، من ينظر إلى الأمر من زاوية الاستيلاب والتقليد الأعمى للغرب والانصهار في ثقافته، ومعاكسة التقاليد المغربية الخالصة التي تفرض على البنات الالتزام بالحد الأدنى من الحشمة والوقار، لا عرض أجسادهن ومفاتنهن أمام "لي سوا ولي ما يسواش"، ما يدفع إلى طرح سؤال جوهري عن تمثل مغاربة بداية الألفية الثالثة لاختيار مغاربيات حرفة الجمال والجسد والموضة؟ وهل يخلق هذا الاختيار بعض الإزعاج لفئات اجتماعية ترى في الأمر "مؤامرة دنيئة" ضد الوضع الاعتباري للمغاربة باعتبارهم أمازيغ وعربا ومسلمين لا يقبلون بمثل هذا التوجه.بعض الباحثين العرب من صنف المتشددين يتماهون مع هذا الرأي، ويتحدثون عما يسمى عولمة مسابقات الجمال، أو عولمة جسد المرأة التي تقف وراءها مؤسسات وشركات عملاقة وعلاقات عابرة للقارات وأموال بــ"الهبل". وككل عولمة، تخضع عولمة الجسد، أيضا، لمبدأ الطلب والعرض وبالتالي تتحول المرأة إلى سوق عام لا خصوصية له، فتطمس شخصيتها الإنسانية والاجتماعية، "لأن وقوف المتباريات في طوابير عارية، أو شبه عارية ما هو إلا إبراز وتقديس لحيوانية المتبارية، وإتمام صفقة شراء وبيع وفق شروط وعقود الشركات العالمية الراعية لمثل هذه المسابقات".ويذهب هذا الرأي بعيدا في التحليل، حين يعتبر أن الأجساد الهيكلية والمطلية بالمساحيق التي تخفي في حياتها الموت البطيء والأمراض الفتاكة ما هي إلا دمى تحركها أصابع الصهيونية العالمية وأعوانها، و»بالتالي فإن عولمة جسد المرأة هي بؤرة المعاناة الإنسانية، فقد ارتفع شأن الجسد على الروح، والشكل على العقل، وتفوقت مكانة اللحم على مكانة الفكر، واختفى من ميزان تقييم المرأة كإنسان خلقها الله تعالى وكرمها معيار الأخلاق والجمال الروحي والصفاء النفسي، وتم ضرب الإبداع والتفكير والقيام بواجباتها بعرض الحائط، وأصبح دورها مرتبطا بالإغراء فتخضع لقانون العري وتستعبد بقانون العرض والطلب».علما، يقول الرأي نفسه، أن تاريخ مسابقات اختيار ملكات الجمال عبر العالم مليء بالفضائح، «فالكواليس تلعب دورها وتتحول إلى صالة العرض الحقيقية للمترشحات، فالمتسابقة أو عائلتها أو شركات المراهنة تقوم بمختلف الحيل لكي تفوز باللقب ابتداء بتقديم هدايا ثمينة جدا وانتهاء بممارسة الجنس مع الحكام».مثل هذا الرأي، الذي يتم الترويج له في عدد من القنوات الفضائية ومواقع الكترونية ومقالات صحافية، يجد صدى لدى بعض المغاربة الذين يرفضون الزج ببناتهم في متاهات بلا قرار، تطبيقا لمقولة «تجوع الحرة ولا تأكل بثديها»، بالقدر الذي يدرجه آخرون في خانة التخلف والتفسير المؤامراتي للتاريخ، أو أن الآخر يريد بي شرا دائما، مقتنعين أن حرفة الجمال والموضة والأناقة، حرفة مثل باقي الحرف الأخرى تتطلب مجهودا وسهرا وعملا متواصلا، وهي معرضة، كما يجري أيضا في جميع المهن، إلى الاختلالات والانحرافات والتشوهات أنواع الاستغلال. يوسف الساكت

مشاركة المغربيات في مسابقات الجمال…جدل بلا ضفاف

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مليكة... ملكة جمال فرنسا لسنة 2010

جسد المرأة ...بؤرة توتر عند الإسلاميين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات