دراسة: موقع السلطة القضائية في الدستور الجديد (2/1)

القضاء ليس وظيفة إدارية فقط وإنما وظيفة اجتماعية وحقوقية وإنسانية تضمن الدستور الجديد عدة تعديلات جوهرية مست السلطة القضائية التي ارتقى بها المشرع لتصبح مستقلة عن باقي السلط. ومن أهم التعديلات كذلك أن المجلس الأعلى للقضاء كمؤسسة دستورية تغيرت تسميته الى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما حدثت تغييرات في هيكلته وتركيبته. كانت التركيبة تنحصر على القضاة ووزير العدل بصفته نائبا آنذاك عن رئيس المجلس الأعلى للقضاء وليس بصفته عضوا تابعا للسلطة التنفيذية، كما أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يترأسه الملك، لا وجود لوزير العدل في تشكيلته، لكنها توسعت لتشمل غير القضاة فأصبح يشمل رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس مؤسسة الوسيط (ديوان المظالم سابقا) وخمس شخصيات مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون، يعينها الملك، بينها عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، كما أن تمثيلية قضاة المحاكم توسعت ليصبح عدد قضاة محاكم الاستئناف داخله أربعة بدل اثنين، وقضاة محاكم أول درجة ستة بدل أربعة. نص الدستور الجديد على تمثيلية النساء القاضيات. ولعل النقطة التي كانت مثارخلاف قبل المصادقة على الدستور هي إضافة شخصيات من خارج الجسم القضائي إلى تركيبته، فالفريق الأول تمثله الودادية الحسنية للقضاة التي ترى أن ذلك من شأنه المساس باستقلالية القضاء، وأن القضاء شأن داخلي خاص بأهله وأنه من المنطقي أن يبت ويقرر في وضعية القضاة ممثلوهم الدائمون والمنتخبون وحدهم فقط، والفريق الثاني يرى أن وجود شخصيات حقوقية ووطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة سيساهم بشكل فعال في استقلالية القضاء وتكريس ثقافة حقوق الانسان على أساس أن القضاء هو هاجس وطني لا يقتصر على أصحابه مادام يهدف أساسا إلى خدمة المواطن.وفي نظري المتواضع فإن كلا الفريقين محق في دفوعاته وإن كانا مختلفين في التوجه لذلك ينبغي مراعاة موقف وسط يراعي المصلحتين الخاصة للقضاة والمصلحة العامة للمجتمع، فالقضاء شأن مجتمعي ولذلك فإن وضع نظام داخلي للمجلس سيحسم في النقط الخلافية، وذلك بجعل النظر في الوضعية الفردية من تعيين وتنقيل وترقية وتأديب، يقتصر فقط على أعضاء المجلس القضاة الدائمين والمنتخبين وحينما يتعلق الأمر بمناقشة مقترحات تهم القوانين القضائية وتهم مجال حقوق الإنسان وتهم السياسة القضائية والاقتراحات المتعلقة بشأنها فإن المجلس ينظر في ذلك بجميع أعضائه قضاة وغيرهم، لأن الغاية من ذلك هو تحويل المجلس الأعلى للقضاة من دوره التقليدي المنغلق المتمثل في إصدار قرارات تهم الوضعية الفردية للقضاة إلى دور أكثر اتساعا يجعل منه قوة اقتراحية لأن القضاء ليس وظيفة إدارية فقط وإنما هو وظيفة اجتماعية وحقوقية وإنسانية.ولعل من أهم المستجدات التي تضمنها الدستور الجديد، هو أن مقررات المجلس المتعلقة بالوضعية الفردية للقضاة أصبحت قابلة للطعن بسبب تجاوز السلطة، وبالتالي فإنها لم تعد قرارات محصنة مستثناة من رقابة قاضي المشروعية الذي هو قاضي الإلغاء، وفي هذا مكتسب كبير لا يدرك أهميته إلا قاض وجد نفسه في مواجهة قرار قضى بعزله غير قابل لأي طعن.والمطلوب بعد المصادقة على الدستور الجديد وما جاء به من تعديلات هامة وإيجابية، أن ينكب المجلس الأعلى للسلطة القضائية على إعادة النظر في بعض الصلاحيات التي كانت مخولة لوزير العدل كسلطة تنفيذية طبقا للفصلين 57 و62 من النظام الأساسي لرجال القضاء فالفصل 57 ينص على أنه "يمكن لوزير العدل أن ينتدب بقرار عند الحاجة ولملء فراغ في قضاء الحكم أو التحقيق أو النيابة العامة قاضيا للقيام بهذه الأعمال لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر في كل سنة" والفصل 62 ينص على أنه "يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار لوزير العدل إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ خطيرا". بقلم: إدريس المشترائي: (قاض سابق ومحام بهيأة آسفي)

دراسة: موقع السلطة القضائية في الدستور الجديد (2/1)

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وقفة احتجاجية لفتح ثانوية "ليرميطاج" بالبيضاء

الحبس لموثقة بالبيضاء بتهمة خيانة الأمانة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات