ودارت الأيام 10

فاطمة: تمنيت نبقى في الصبيطار حيت ما عندي فين نمشي «كل ما لعبتو المعزة فقرون الجبال كتخلصو فدار الدباغ»، و"الأيام بدالة ودوارة» و"كوليني يا موكة حتى الطيور عافوني»، هي أمثلة شعبية مغربية، تنطبق على الكثير من المغاربة وجدوا أنفسهم بدور العجزة ينتظرون لحظة تجمعهم بعائلاتهم، وآخرين ينتظرون اللحظة التي يغادرون فيها حياة أعطتهم الكثير وحرمتهم من المهم في سن يحتاجون فيه إلى جرعة حنان وبسمة أمان. ينتظرون هناك، وكلهم أمل في أن يأتي من يخرجهم وينقذهم من الحزن وألم الوحدة، لكن لا حياة لمن ينادون. «الصباح» ترصد قصصا لأناس هرموا من أجل لحظة تجمعهم بأطفالهم. رغم مرور شهور على وجودها بدار العجزة عين الشق بالدار البيضاء، إلا أنها مازالت لم تستوعب الأمر. لم تستوعب أنها هناك متخلى عنها، وهي التي أعطت الكثير واهتمت بهم وسهرت على راحتهم، لا تنتظر أن يأتوا من أجل إخراجها بالقدر الذي تنتظر اللحظة التي ستستعيد فيها صحتها، وتصبح في غنى عن خدمات الآخرين. فاطمة، نزيلة الدار العجزة، رغم أن سنها لا يتجاوز الستين السنة، ولم تصر بعد مسنة، تتألم لوحدها، ومعاناتها مع المرض تزيد حدة حزنها.تمسك فاطمة بيدها، محاولة تحريكها، مؤكدة أنها كسرت ولم تشفى بعد، تتحرك هنا وهناك، والحزن باد على وجهها الدائري أبيض اللون، غير مهتمة بمعاناة الذين حولها ولا كيف وصلوا إلى دار العجزة، كل همها أن تتخلص من الآلام التي تقض مضجعها، تحتاج فقط لمن يؤكد أنها في يوما ما ستتخلص من كل ذلك، وأن الدواء الذي تتناوله، كفيل بذلك. تعتقد المرأة أن منعها من تناول أحد الأدوية، باعتبار أن له تأثيرات سلبية على صحتها لأنها تعاني أمراضا أخرى غير السكري، ساهم في حدة الألم الذي تشعره به، فتتحسر وتقول "كون خذيت هذاك الدوا ما غاديش نحس دابا بالحريق". حالتها الصحية أنستها ما عانته بعد أن تخلى أقرب المقربين منها. أنستها أن من كانت تظن أنهم لن يفكروا قط في أن يتركوها لوحدها تواجه الحياة وهي التي كانت تهتم بكل تفاصيل حياتهم، سيأتي يوم وينسونها. لا أحد يريد أن يستقبلها أو حتى يفتح بابه من أجلها، فقد أصبحت عاجزة عن التكفل حتى بنفسها، فكيف يمكن أن تهتم بهم كما كانت تفعل سابقا؟ تحكي المرأة أنه في الوقت الذي دفعتها إدارة المستشفى إلى مغادرة المكان باعتبار أنها أصبحت تحتاج فقط لتناول الأدوية، بكت وصرخت وندبت حظها. تذكرت أنها وحيدة في عالم لا يحمي الضعيف والمريض "تمنيت ما نخرجش من الصبيطار حيت ما عندي فينمشي"، وتضيف فاطمة والدموع غزت وجهها الدائري لتمسحها وتأتي أخرى مكانها، فعزيمة الدموع قوية، أقوى من المرأة التي بدأت تفقد الأمل، أنها ترجت وتوسلت من أجل أن تبقى بالمستشفى حتى ولو جلست على الأرض، المهم أن لا تخرج إلى الشارع "ما بغاوش يخليوني وقالو لي راه ممنوع، وخرجت للزنقة".لكن الحظ كان بجانبها، إذ في الوقت الذي كانت تتحدث فيه إلى الطبيب الذي أمرها بأن تغادر المستشفى، قالت فاطمة إن ثلاث نساء من بينهم صحافية، قررن مساعدتها إلى أن تجد مكانا مناسبا "عونوني وساعدوني وهما للي جابو لي الرخصة باش ندخل لدار العجزة"."لقيت الخير في البراني وما لقيتوش في للي ضيعت شبابي على قبلهم" تضيف المرأة وكأنها في حرب مع الدموع التي احتلت خديها المحمرين دون أن ترفع راية الاستسلام. ومع إصرار تلك الدموع استمرت هي أيضا في سرد معاناتها مضيفة أنها لا تتحمل الألم الذي تشعر به، ولا تقوى على نسيان ما عاشته ومازالت تعيشه، وتعجز عن الاستمرار دون أن تتذكر الماضي.تقول فاطمة إنها لن تنسى أول يوم جاءت فيه إلى دار العجزة، رغم أنها سعيدة لأنها أخيرا وجدت مكانا يحميها من وحشة الليل. كانت حزينة أيضا لأن الظروف جاءت بها إلى هذا المكان، وأنها في نهاية المطاف لم تجد مكانا تعيش فيه. كانت فاطمة تجمع مشاعر الحزن والفرحة في الوقت ذاته، ولكن لا مفر منهما، سيما أنهما ظلا يرافقانها إلى حدود الساعة.تقول المرأة إن أختها التي تقطن بفاس، لم تكلف نفسها عناء زيارتها بالمستشفى رغم أن أشخاصا اتصلوا بها وأعلموها بكل التفاصيل، وأنها بمستشفى بين الحياة والموت. وأوضحت أن أختها بررت موقفها بأن أحد أفراد عائلة زوجها توفي وعجزت عن مغادرة المدينة، وأنها حاولت الاتصال بها على الهاتف المحمول "بصح مللي مرضت تلف ليا تليفوني".وتسترسل قائلة :"مللي بريت عيطت لها، بقات كتبكي حيت كيصحاب لها مت، كتبكي وكتقول لي واش بصح أنت أختي...؟". رغم كل ما حدث لفاطمة، لا تلوم أختها لأنها لم تساعدها في الوقت الذي كانت في الأمس الحاجة إليها. لم تساعدها في الوقت الذي كانت تحتاج إلى من يحملها ويضعها في المستشفى، مؤكدة أن وضعيتها المالية والاجتماعية تغفر لها.ولما سألناها إن كان لها إخوة آخرين، قالت فاطمة إن علاقتها مع أخ يكبرها، انقطعت منذ زمن، ولا تعرف تفاصيل عن الآخرين، موضحة أن أسبابا كثيرة كانت عاملا قويا في ذلك. إيمان رضيف

ودارت الأيام 10

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تقنيو فحص السيارات يشتغلون بدون عقود

البرلمان الأوربي يتدارس مشروع اتفاقية الصيد مع المغرب

مقالات ذات صلة