الترحال وتبخيس العمل الحزبي

المطلوب تنزيل دستور فاتح يوليوز والكف عن تفريخ أحزاب السلطة الحديث عن الترحال من حزب إلى حزب ومن نقابة إلى نقابة ومن جمعية إلى أخرى، طبع المسلسل الديمقراطي لبلادنا عقودا ربما بتشجيع وإيعاز من الساهرين على تسيير شؤون الدولة، بدءا من وزارة الداخلية وأجهزتها الموزعة على ربوع البلاد. سجل التاريخ الحزبي عبر مختلف المحطات كيف رحلت شخصيات وازنة من حزب الاستقلال مثلا إلى اتجاهات، فالانشقاق الذي عرفه حزب الاستقلال وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية شهد انصراف عدد منهم إلى تحمل المسؤولية في أعلى هرم للسلطة على حساب تضحيات المناضلين في مختلف الأحزاب الوطنية الذين استعملوا كحطب للتدفئة لوصول هؤلاء إلى ما وصلوا إليه من مراكز اجتماعية واستحواذهم على ثروات البلاد- أتحاشى ذكر أسماء هذه الشخصيات- لسبب بسيط، هو أنه في اعتقادي أن الأمر يتجاوز التشخيص، بل يصل إلى المخلفات السيئة التي رمت بالعمل السياسي في سلة المهملات، وتعويضه بجمعيات السهول والجبال حتى أن المواطن أصبح لا يرى ولا يسمع ولا يقرأ إلا عن منجزات هذه الجمعيات وأنشطتها في الوقت الذي كان الحجز والمنع والمحاكمات تطول المجال الإعلامي الحزبي المكتوب، أما أن يتحدث مسؤول حزبي في الإعلام العمومي بمختلف أجهزته، فذلك أمر بعيد المنال .أتساءل مثلا كم من سياسي التحق بحزب كحزب الاستقلال وغادره لأسباب انتخابية، وكم من برلماني ومستشار جماعي، بل حتى مسؤول حكومي دفع به الالتحاق بصفوفه، وهو لا يعرف حتى نشيد الحزب، بل حتى مبادئ اللغة العربية ومع ذلك فتحت في وجوههم الأبواب، وسجل حزب الاستقلال عدة حالات استقالات بدعوى الانفتاح على الأطر واستقطابها مقابل تهميش الأطر الحقيقية التي ترعرعت في صفوف منظمات الحزب الشبابية والطلابية. وشهد الفريق الاستقلالي بالغرفتين الأولى والثانية عملية ترحال أعيان نتيجة هذا الانفتاح المفرط وفرض أسماء بعينها في مناصب عليا رغم انتمائها الظرفي للحزب، فقد حكي لي أحد الأصدقاء أن وزيرا عين باسم الحزب في الحكومة وهو لا يعرف عنوان مقره الرئيسي بباب الأحد بالرباط، وهناك أفراد أبلغوني أن انتماءهم إلى الحزب كان بتوجيه من السلطة. وفي إطار النقد الذاتي الذي غيب في تقييم العمل الحزبي ظلت الأحزاب الأصيلة المنبثقة من الشعب تتقاذفها الأمواج، وتحاول جاهزة الدفاع عن بقائها مواجهة معاول الهدم التي تسلطت عليها محاولة المس باستقلاليتها عن طريق هؤلاء الرحل والمتهافتين على المسؤوليات، وتبين في النهاية أن الدوام للمناضل الذي يحمل رسالة، وليس الذي يأتي مكلفا بمهمة لتبخيس العمل الحزبي، وبدأ يسري في شرايين الديمقراطية الفتية سرطان الولاءات للأشخاص وليس للبرامج والأفكار.وللقطع مع ظاهرة الترحال الحزبي، يتعين أن تكون للجهات مسؤولية الإرادة السياسية لتنزيل دستور فاتح يوليوز وخطاب 9 مارس على المحك والكف عن تفريخ أحزاب السلطة بدعوى الفراغ السياسي وضعف الأحزاب .إن تهميش القوى الحية بالبلاد أدى في العديد من المناسبات إلى هزات كادت أن تأتى على الأخضر واليابس، وبالرجوع إلى أساليب الماضي الباب على مصراعيه من جديد للتطرف يمينا وشمالا وإلى الاصطدامات العنيفة وإلى الإرهاب الفكري والجسدي، كما كان الحال بعد خروج جماعة 20 فبراير إلى الشارع في مغامرة خطيرة مازالت تدفع بالبلاد إلى المجهول.إن مفاتيح الحل والعقد مازلت بأيدينا شريطة وضع مواد الدستور أسمى قانون على السكة الصحيحة، خصوصا في مجالات حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وإصلاح القضاء وانبثاق الحكومة والبرلمان من صناديق الاقتراع في إطار من النزاهة والشفافية والقطع مع صنع الخريطة السياسية قبل الانتخابات وبعدها وما ذالك بعزيز على مغرب ما بعد فاتح يوليوز وعلى الغيورين على هذا الوطن من طنجة إلى الكويرة، متوجهين جميعا إلى الدفاع عن وحدة البلاد الترابية وحدودها التاريخية لبناء مغرب قوي بدون فوارق اجتماعية وجهوية. محمد المجدوبي: محام بهيأة الرباط, برلماني سابق

الترحال وتبخيس العمل الحزبي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصياغة الديمقراطية للعملية الانتخابية (الحلقة الثانية)

دراسة: قضايا النفقة وإهمال الأسرة في التشريع المغربي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات