متابعة 3 متهمين في حادث أرجوحة آسفي

الحادث يفضح عشوائية فضاءات الألعاب بالمدينة عادت آسفي لتتصدر واجهة الأحداث من جديد، وكأن نحسا ما يطاردها، حتى أن سكان المدينة التي وصفت تاريخيا بالراقدة على المحيط، لم يعودوا يستوعبون سبب ما ألم بمدينتهم، التي تعيش تطورات دراماتيكية. هكذا لم تعد عقارب الزمن تدور بهذه المدينة، نتيجة الأحداث المتوالية، وهجرها أغلب المستثمرين (على قلتهم) بسبب تلك الأحداث، وهو ما حاول العديد من المسؤولين التقليل منه والبحث عن مبررات علّها تدل على تبريراتهم، التي يصنفها العالمون بخبايا الأمور، في باب المبررات الواهية.. لكن حادث ثالث أيام عيد الفطر، واغتيال فرحة عشرات السكان وزوار المدينة، بعثر أوراق العديد من المسؤولين، منهم والي جهة دكالة عبدة عامل إقليم آسفي، الذي بدا وجهه شاحبا، وهو يتفقد ساحة "أبو الذهب"، حيث سقطت أرجوحة بفضاء لألعاب الأطفال، قبل أن يُصدم بخبر وفاة شابة من بين الضحايا... تعيش آسفي، منذ أزيد من سنة، على اغتيال "ممنهج للفضاءات العمومية، وتحويلها إلى فضاءات خاصة، إذ تحولت حديقة محمد جمال الدرة إلى فضاء ممنوع على كل أبناء المدينة، وصارت الحديقة الواقعة بين حيي السانية وأنس فضاء تستغله إحدى شركات استغلال فضاءات الألعاب، حتى أن المدينة ضاقت بسكانها، ولم يعودوا يعرفون أي وجهة يقصدون، خصوصا بعد أن احتل أرباب مقاه تابعة للجماعة الحضرية لآسفي بفضاء الكورنيش الملك العمومي..ولا يجد المجلس البلدي، ما يبرر به "خوصصة" هذه الفضاءات سوى لغة العجز المالي، التي صار يتقنها أغلب أعضاء المجلس، ويبررون بها انعدام فضاءات الترفيه، في حين تُصرف فصول من ميزانيات الجماعة الحضرية في شراء سيارات المصلحة وعتاد يؤثث مكاتب المسؤولين وغيرها من المصاريف التي يمكن الاستغناء عنها، خصوصا مع ذريعة حالة الاستثناء التي دخلتها الجماعة الحضرية بفعل العجز المالي.."طاحت الناعورة"... من المسؤول؟فجأة تحولت الموسيقى التي كانت تنبعث من فضاء للألعاب بساحة أبو الذهب بآسفي، إلى أنين وصراخ وعويل، بعد سقوط أرجوحة كهربائية خاصة بلعب الأطفال، ليهرع المئات من المواطنين إلى مكان الحادث، منهم من جاء للبحث عن قريب أو صديق قادته الأقدار إلى هذا المكان، ليكون شاهدا على فاجعة أكبر، في وقت تحركات هواتف كل المسؤولين، خصوصا مع دوي سقوط الأرجوحة، وكأنه انفجار يهز كيان مدينة لم تعد هادئة منذ شهور.هرعت السلطات المحلية إلى الساحة فودتها ممتلئة عن آخرها، وتعج بالمئات من المواطنين، ما استدعى حضور عناصر أمنية من قوات مساعدة وعناصر حفظ النظام والأمن الوطني.تزامن ذلك مع حضور رئيس المجلس الحضري والعشرات من المسؤولين المحليين، وهو ما قوبل باحتجاجات الحاضرين الذين حملوهم مسؤولية ما وقع، باعتبار أن الأول هو من رخص لصاحب "السيرك".كانت شظايا الأرجوحة قد تطايرت على مسافات كبيرة من الساحة، مما جعل الجميع يقف على قدمها واهترائها، في وقت كانت سيارات الإسعاف التابعة للوقاية المدينة تنقل عشرات الجرحى والمصابين إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس.بعد ساعة من وقوع الحادث، انتشرت إشاعات كالنار في الهشيم عن وقوع قتلى، لتكون وجهة "الصباح" آنذاك إلى المستشفى المذكور، الذي كان يغلي بالمئات من المواطنين والذين تجاوز عددهم ألف شخص.لم تكن عملية الولوج إلى المستشفى سهلة، كما أن الأطباء وجدوا صعوبة في إسعاف المصابين نتيجة الضغط الذي عرفته تلك الليلة."الصباح" حملت سؤالا واحدا لمدير المستشفى، في تلك اللحظة، الذي أكد أن عدد المصابين يصل إلى 61 من بينهم 41 مصابا حملتهم سيارات الإسعاف التابعة لمصالح الواقية المدينة، وأن ثلاث حالات تتطلب العناية المركزة، وست أخرى الخضوع لعمليات جراحية، وأن ليس هناك قتلى في تلك الساعة.بعد ذلك، تم إنزال قوات الأمن لتطويق المستشفى، والحد من حالة الفوضى التي عاشها قسم المستعجلات، في حين لوحظ العشرات من المنتخبين يستطلعون الأمر، ومنهم من حاول استغلال الكارثة انتخابيا، وسط سخط عارم على الجهات المنتخبة التي رخصت في نظرهم "لسيرك متهرئ ومتقادم بالمدينة"، بعد رفضه من طرف سلطات جماعة الواليدية المجاورة لإقليم آسفي.ليست كل الطرق والممرات تؤدي إلى أقسام المستشفى، فالعشرات من الجرحي ينتظرون خضوعهم للفحص بالأشعة أو مراقبة الطبيب، وأقاربهم بالعشرات يبحثون عن أجوبة تشفي غليلهم وتطمئنهم بعدم وجود موتى، في حين اختار أطباء التزام الصمت، أمام استفسارات المرضى وذويهم.أحد الأطباء بقسم المتعجلات بدا مرتكبا، ووضع وجهه بين راحتيه قبل أن ينبس بثلاث كلمات، وهو ينظر حوله "ليست لنا الإمكانيات"، قبل أن يستطرد قائلا "عدة حالات بين الحياة والموت يجب أن ترسل حالا إلى مراكش في سيارات إسعاف مجهزة".يقول شيخ أصيب اثنان من أحفاده، "إنها فرحة العيد، التي جعلتني أخرج رفقة أحفادي إلى المدينة القديمة، لقضاء ما تيسر من الوقت هناك، لكن الأطفال أصروا على ركوب ألعاب السيرك، وهو ما رضخت له تحت طلبهم، لكن النتيجة هي اغتيال فرحة العيد، إذ أصيب أحد أحفادي بكسر مزدوج والآخر حالته مازالت تستوجب الخضوع للعناية المركزة"، يقول المتحدث وعيناه دامعتان.حالة هذا الشيخ، ليست أحسن من عشرات الأشخاص، الذين يبكون أقاربهم، ويتحسرون على ما ألم بهم، وتحول الفرح إلى بكاء وجري وراء إنقاذ أرواح قادها القدر إلى البحث عن لحظات المتعة والفرح، فإذا بها تتحول إلى لحظات من المأساة ابتدأت في ساحة بو الذهب لتنتهي في قسم المستعجلات.وقفت "فاطمة" وسط المستعجلات التي كانت مكتظة عن آخرها، قبل أن تطلق صرخات مدوية لتسقط بعدها أرضا مغمى عليها، وبجانبها وقفت ابنتها تحاول إسعافها، وهي تبكي بشدة "أمي فيقي إلى مات خوياي عيش لينا غير انت".لم تكن تلك البدوية، سوى امرأة جاءت رفقة ابنتيها لزيارة إحدى قريباتها بمدينة آسفي، قادمة من جماعة احد حرارة، فإذا بالفرحة تتحول إلى ألم ومعاناة، بعدما أصيب ابنها بجروح وصفت بالخطيرة.هكذا كان الحال بالمستشفى الإقليمي، مختلفا تماما عن من ما هو الأمر عليه بمقر العمالة، حيث كان رئيس المجلس الحضري ووالي جهة دكالة عبدة عامل إقليم آسفي يبحثان عن مخرج لهذا المأزق، فكان الاهتداء إلى أن صاحب السيرك يتوفر على رخصة مسلمة من طرف لجنة تقنية للسلطة المحلية والمجلس البلدي.فوضى تدبير قطاع حساس"الرخصة قانونية ولا غبار عليها، والمجلس آخر حلقة في لجنة مكلفة بالتوقيع على هذه الرخص"، يقول محمد كاريم رئيس المجلس الحضري في تصريح صحافي، غير أن بعض المتتبعين والملمين بواقع الأمور، اعتبروا التصريح محاولة للالتفاف على القانون نفسه.يؤكد مصدر مطلع أن المجلس منح رخصتين في آن واحد، الرخصة التي وقعها إلى جانب عدة أطراف، تتعلق بإنشاء فضاء لألعاب الأطفال، والثانية تهم استغلال الملك العمومي، وحددها المجلس في 60 يوما، وأن الملك العمومي الذي أدى صاحب السيرك ثمن استغلاله حُدد في 250 مترا بمبلغ 45 درهم للمتر، والحال أنه يستغل قرابة 1000 متر مربع، حسب تقرير لعون قضائي عاين المساحة المستغلة.وتذهب مصادر "الصباح" إلى أن المجلس إذا كان يدعي عدم مسؤوليته في ما وقع، فإن مسؤوليته في عدم استخلاص واجبات استغلال الملك العمومي، تعتبر خرقا فادحا، برأي تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وهو ما استدعى تدخل المركز المغربي لحقوق الإنسان، ومراسلته وزيري الداخلية والعدل في هذا الشأن، للمطالبة بالتدخل لاتخاذ ما يلزم قانونا.وتشير المصادر ذاتها إلى أن الترخيص لهذه الفضاءات يتطلب معاينة لطبيعة الآليات التي سيقوم المرخص له باستغلالها، ومدى توفرها على شروط السلامة.واعتبرت مصادر "الصباح" أن تدبير هذه الفضاءات كان يتم حتى يوم الحادث، بنوع من العشوائية والارتجالية وعدم الخضوع للتدابير القانونية المتعلقة بالصحة والسلامة، إذ أن المجلس الحضري بادر في اليوم الموالي لوقوع الكارثة، إلى منع فضاءيْ ألعاب أحدهما لا يتوفر على أي ترخيص، وهو ما يثبت فعلا أن الأمور لم تكن تسير على ما يرام.في انتظار الآتيجمعيات حقوقية عدة دخلت على الخط، منها مركز حقوق الناس بآسفي والمركز المغربي لحقوق الإنسان، وهيآت أخرى، تطالب بتحديد المسؤوليات واتخاذ ما يلزم قانونا في حادث سرق فرحة العيد من أبناء المدينة، في وقت قررت النيابة العامة متابعة ثلاثة متهمين في الحادث، منهم ميكانيكي بالسيرك ومسؤول عن المداخيل والمسير، في وقت مازال المالك الأصلي المتحدر من جماعة جزولة المسمى "محمد لبيب" مختفيا عن الأنظار، رغم أمر النيابة العامة بإحضاره.وبين هذا وذاك، ينتظر الشارع المسفيوي ما ستفسر عنه الأيام المقبلة بخصوص الملف.. أسرة الضحية الأولى تتهم المستشفى بالإهمال والإدارة تنفي توفيت مصابة في الحادث مساء أول أمس (الاثنين) بمستشفى محمد الخامس بآسفي، في حين مازالت حالة ثلاثة مصابين آخرين تدعو إلى القلق، ما جعل مسؤولين بالمجلس الحضري ومعهم السلطة المحلية يضعون أيديهم على قلبوهم انتظارا لما قد تسفر عنه الأيام.."الصباح" زارت بيت الأسرة التي روت بحسرة كبيرة كيف تحول حلم الإعداد لعرس الضحية إلى كابوس، في حين أن خطيب الراحلة لا يكاد يصدق أن خطيبته ضاعت منه.وتحكي "حليمة زوال" والدة الضحية أن الأخيرة في يوم الحادث، رفضت مغادرة بيت أسرتها، وبدت في حالة قلق شديد، بعد أن تلقت مكالمة من قريبة خطيبها تطلب منها بالالتحاق بها بساحة بو الذهب، والخروج سويا لاقتناء بعض مستلزمات حفل الزفاف.في الأخير أقنعت الأم ابنتها بالخروج، وسعدت الأم كثيرا لذلك، غير أنه وقع ما لم يكن في الحسبان.تشير شقيقة الضحية، التي رافقتها، أنه بعد اقتناء بعض الملابس الخاصة بحفل الزفاف تم التوجه إلى ساحة الألعاب، وركبت مع الضحية رفقة أخوات خطيبها الثلاث الأرجوحة، لكن بعد حوالي دقيقتين من تحرك الأخيرة، وجدت الشقيقة نفسها مرمية خارج الأرجوحة بمسافة تقدر بمتر واحد.لم تصدق الطفلة ما جرى، ومن هول الصدمة قامت رغم الألم الذي كانت تشعر به، وهربت في اتجاه المجهول، قبل أن تأخذها إحدى قريباتها للبيت.شقيقات زوج الضحية أصبن بكسور مختلفة، في حين أن الضحية دخلت في غيبوبة، قبل نقلهن على متن سيارات الإسعاف إلى المستشفى، حيث أدخلت قسم الإنعاش.يؤكد مدير المستشفى أن الضحية "إيمان جابر "البالغة من العمر 24 سنة، كانت حالتها خطيرة، وكان ضروريا نقلها إلى مستشفى ابن طفيل نتيجة إصابتها بنزيف داخلي، لكن غياب سيارة إسعاف مجهزة، أدخلت إلى قسم العناية المركزة، ، بيد أنها حوالي الساعة الرابعة والنصف عصر أول أمس لفظت أنفاسها الأخيرة.الأسرة تشدد على أن وفاة ابنتها ناتجة عن غياب الرعاية الطبية اللازمة، "وأن أحد الأطباء ساومها وطلب منها أداء مبلغ 25 مليون سنتيم لإنقاذ حياة ابنتها، ، تقول شقيقة الراحلة.وتضيف المتحدثة أن الأطباء طمأنوا العائلة بتحسن حالة الضحية يوم قبل وفاتها في حين أن حالتها كانت تتجه إلى الأسوأ، وأنه لحظات قبل وفاتها، عاد الطبيب نفسه الذي طالب الأسرة بمبلغ 25 مليون سنتيم، إلى ضرورة إحضار سيارة إسعاف مجهزة من مدين مراكش بمبلغ 6000 درهم، وهو ما استجابت له العائلة، غير أن مسؤولة بمصلحة توزيع المكالمات الهاتفية، اعتبرت الأمر هراء ورفضت إمدادهم برقم هاتفي خاص بإحدى المصحات الخاصة لإحضار سيارة الإسعاف المجهزة، ما أدى إلى مواجهة بين أسرة الضحية والمكلفة بتوزيع المكالمات الهاتفية، خصوصا بعد علم أسرة الضحية أن الأخيرة توفيت، وهو ما استدعى تدخل عناصر الشرطة، التي نقلت والدي الضحية إلى مقر الدائرة الأمنية الثانية قبل إخلاء سبيلهما، دون الاستماع إليهما.مدير المستشفى نفى أن يكون أي مسؤول طبي طلب مقابلا ماليا من اسر الضحايا، على اعتبار أن كل الطاقم كان مجندا لخدمة المصابين منذ يوم الحادث، موضحا أن حالة الضحية التي فارقت الحياة كانت صعبة للغاية، نتيجة إصابتها بنزيف داخلي… ربورتاج: محمد العوال

متابعة 3 متهمين في حادث أرجوحة آسفي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الساسي: المطلوب إصلاحات عميقة في ظرف زمني قصير

الصياغة الديمقراطية للعملية الانتخابية (الحلقة الثانية)

مقالات ذات صلة