المغرب بين متطلبات التأهيل ومخاطر الفشل

الدولة معنية بشكل مباشر بتوفير شروط التحول الديمقراطي في قلب الحماسة التي أيقظتها ثورة الياسمين بتونس، وبعدها مصر، ومع إعلان شباب حركة 20 فبراير الانخراط في هذا الحراك العربي وتفاعلها مع موجة التغيير التي انطلقت مع بداية السنة الجارية في العديد من الأقطار العربية طرحت وقتئذ على الطبقة السياسية المغربية أسئلة جوهرية ومحرجة كان أهمها : - ما هي علاقة المغرب بهذه الموجة من «الثورات» و»الانتفاضات» المندلعة في الساحة العربية ؟- ما هي درجة تأثر المغرب بهذا الحراك الاجتماعي والسياسي غير المسبوق داخل الرقعة العربية؟- هل سيشكل المغرب استثناء بين الدول التي تعيش مخاض هذا الربيع الديمقراطي؟ الآن وبعد مرور أزيد من ستة أشهر من عمر هذا الربيع الديمقراطي، وأمام الزخم النضالي والدينامية السياسية التي راكمتها حركة 20 فبراير من خلال إعلانها ممارسة سياسية جديدة ببلادنا ستقطع حتما مع مرحلة الخنوع والسلبية واللامبالاة، وتؤسس لمرحلة جديدة عنوانها الكبير العودة والمصالحة مع السياسة، يحق لنا أن نسائل هذه التجربة سعيا وراء استخلاص الدروس واستشراف المستقبل والتفاعل بإيجابية مع هذا المنعطف السياسي التاريخي الدقيق الذي تمر منه بلادنا والذي سيرهن لا محالة مستقبلها، فالتحولات التي تجري أمامنا اليوم وما تبعث به من قلق تستدعي منا جميعا التسلح بالجرأة الكافية والتعاطي المسؤول والتفكير الجماعي حتى نتمكن من رفع التحديات ومسايرة هذا التحول بحكمة وذكاء .في هذا الصدد تنتصب أمامنا الأسئلة التالية المتعلقة بكيفية تعاطي مختلف الفاعلين مع هذا الحراك السياسي ؟- ماذا أنجزت الدولة على هذا الصعيد؟- هل يمكن اعتبار المبادرات التي تقدمت بها الدولة كافية للإجابة عن الطموحات والانتظارات التي صاحبت الربيع الديمقراطي؟هذه الأسئلة وغيرها تفرضها موجبات عديدة، الأساسي منها هو الوقوف عند التحديات السياسية التي ينبغي على الجميع إدراكها والتنبيه إلى مخاطر الإخفاق السياسي في تجاوز هذه المرحلة وما سيولده لا قدر الله من خيبات أمل وصدمات مجتمعية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأمن والدخول في متاهات التيه والفوضى، وما سيترتب عليها من آثار سلبية ووخيمة على الدولة والمجتمع وكذلك على المكانة السياسية المتميزة التي يحتلها المغرب داخل الرقعة العربية والإفريقية وفي علاقته مع شمال حوض المتوسط وتجهض المكتسبات السياسية والاقتصادية التي راكمها المغرب رغم محدوديتها والتعثرات التي طالتها بسبب البطء والجمود تارة والعودة إلى الوراء تارة أخرى .وبالرجوع إلى أهم المبادرات التي اتخذتها الدولة كتفاعل مع هذا الحراك السياسي والمتمثلة في: - خطاب الملك بتاريخ 9 مارس 2011 الذي أعلن من خلاله المراجعة الشاملة للوثيقة الدستورية . - إنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي شكل إشارة واضحة في مجال النهوض بحقوق الإنسان وتأكيد مغرب المصالحة من خلال الارتقاء بهذا المجلس من مؤسسة استشارية إلى هيأة حقوقية وفق المعايير الدولية في هذا الشأن - فتح الإعلام العمومي أمام الجميع بطريقة غير مسبوقة . - إعلان انتخابات سابقة لأوانها كجواب على مطلب إقالة الحكومة وحل البرلمان. - إطلاق سراح معتقلي ملف بليرج وبعض معتقلي ما يسمى بملف السلفية الجهادية وعلى رأسهم الشيخ محمد الفيزازي. - الاستجابة لبعض المطالب الفئوية والزيادة في الأجور (600 درهم ) في الوظيفة العمومية - التساهل والتسامح مع احتجاجات وتظاهرات حركة 20 فبراير وضبط النفس الذي طبع سلوك قوات الأمن رغم ارتفاع سقف الشعارات في بعض اللحظات والإنفلاتات التي كانت تحدث من حين لآخر.فالملاحظ ، أنه رغم أهمية هذه المبادرات فإنها ستظل محدودة وغير كافية للإجابة على انتظارات وتطلعات الشباب المغربي وقواه الحية الذين بحت حناجرهم من أجل أن يتنسم المغاربة عبير ربيع طال انتظاره، كما أن هذه المبادرات ستظل عاجزة عن منح تأشيرة ولوج المغرب زمنه الديمقراطي المبني على ركيزة الثقة التي ظلت مفقودة والضامن لدولة الحقوق والحريات المأمولة.أمام هذا الواقع، فالمغرب اليوم في أمس الحاجة إلى بذل مجهود تاريخي يؤهله لتجاوز هذا المنعطف السياسي الدقيق ، والمسؤولية هنا مطروحة على عاتق الجميع (دولة، نخب وأحزاب، مجتمع) على حد سواء في فهم واستيعاب حقيقة هذا المخاض ومبرراته الاجتماعية والثقافية والسياسية بهدف تقديم أجوبة واقعية وموضوعية تكون في مستوى تطلعات وانتظارات مغرب اليوم والغد، وهو ما يستدعي القطع مع زمن الحجر والوصاية ومنطق الأبوية السياسية وكل الممارسات التي مازالت سجينة الثقافة السياسية التقليدية عبر تحرير طاقات المجتمع المعطلة في أوساط شبابه ونسائه ومنحهم الفرصة حتى يتحملوا مسؤوليتهم في إصلاح حاضرهم وصناعة مستقبلهم وإنتاج فعل سياسي جديد في مستوى آمالهم وتطلعاتهم .في هذا الإطار، وبما أننا أمام أول شوط من أشواط تنزيل مضامين الوثيقة الدستورية الجديدة لفاتح يوليوز المتمثل في محطة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ونظرا للرهانات والآمال المعقودة عليها من أجل بعث الأمل والثقة والمصداقية في المؤسسات المنتخبة لأنها ستدشن لانطلاق مرحلة ما بعد الدستور الجديد وتأتي في قلب هذا الحراك السياسي، فإنه من الضروري إيلاءها الأهمية اللازمة لتجاوز الاختلالات المؤسساتية والمجتمعية وخلق وضعية مغايرة تمنح الناس الثقة وتعيد الاعتبار والمصداقية لمختلف الفاعلين وجعل القانون ملجأ لكسب وانتزاع حقوقهم قبل اللجوء إلى الشارع والاحتجاج، وهذه الغاية لا يمكن بلوغها إلا بتلمس إرادة صادقة وواضحة وجرأة كافية لدى مختلف الأطراف خاصة الدولة والأحزاب السياسية.فمسؤولية الدولة تتجلى : أولا: في أنها معنية بشكل مباشر بتوفير شروط التحول الديمقراطي، لأنها تبقى المحرك الأساسي لأي إصلاح أو تغيير والمؤهلة مؤسساتيا لضبط متطلبات العملية الديمقراطية باعتبارها مستودع التدافعات المجتمعية . ثانيا: في مدى قدرتها على مسايرة هذا التحول وتدارك الأخطاء التي شوشت على جل المبادرات التي اتخذتها منذ البداية وحالت دون انخراطها بفعالية ومسايرتها الربيع الديمقراطيثالثا: القطع مع سلبيات المرحلة السابقة التي كانت سمتها الأساسية إفساد العمليات الانتخابية التي ظلت تشكو باستمرار من أزمة النزاهة والشفافية والتدخل المباشر أو غير المباشر للإدارة في نتائجها، ما عطل مسيرة الانتقال الديمقراطي وأثر سلبا على الممارسة السياسية وأفقد المؤسسات المنتخبة مصداقيتها .وبخصوص الأحزاب، فإن مسؤوليتها تكمن في مدى قدرتها على الاستثمار بذكاء في هذه اللحظة التاريخية بما يخدم البناء الديمقراطي لأنها أمام تحد كبير يرهن مستقبلها ، فإما أن تنخرط بقوة في هذا التحول بما يستجيب لمتطلبات المرحلة وضمان استمرارية مساهمتها في الحياة السياسية أو أن تكون عرضة للتهميش والزوال .في هذا الإطار، فالأحزاب السياسية مدعوة اليوم إلى امتلاك الجرأة الكافية للإقرار بضعفها وتشخيص أعطابها التي جعلتها عاجزة عن إنجاز وظائفها التأطيرية والتمثيلية وشكلت حاجزا لها حال دون تكريس دورها كمدرسة حقيقية للديمقراطية، كما أنها مطالبة ببذل مجهود استثنائي من أجل إعادة الإعتبار للعمل السياسي ونبل رسالته، وذلك لا يمكنه أن يتأتى إلا من خلال القطع مع النمط التقليدي الذي ظل جاثما على ممارستها والذي أفقدها الحد الأدنى من الحكامة في تسيير شؤونها الداخلية، واحترام قواعد الديمقراطية الداخلية، وهو ما أدى إلى هجر السياسة من طرف الغالبية العظمى من المواطنينخلاصة القول، وفي ظل هذه التحديات وأمام متطلبات المرحلة السياسية الراهنة ومن منطلق ضرورة الوعي الجماعي بالمسؤولية، يتبين أن ثمة مداخل ومقدمات لا محيد عنها للخروج من عنق الزجاجة، من بينها مدى تملك مختلف الفاعلين السياسيين وتمثلهم اللحظة السياسية التي نجتازها والوعي بمخاطرها والتي تشترط الانخراط الجماعي والمسؤول من أجل إنجاح معركة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بدون مواربة أو تشكيك وبعيدا عن الاشتراطا ت والإبتزازات الضيقة، وذلك في أفق معانقة الزمن الديمقراطي المنشود الذي تسود فيه معايير وضوابط العصرنة والديمقراطية والحداثة. حسن التايقي: باحث جامعي (الرباط)

المغرب بين متطلبات التأهيل ومخاطر الفشل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النخبة الحزبية وإشكالية المرور إلى الاحتراف

قضاء القرب ... جلسات تنقلية استكشافية

مقالات ذات صلة